سجن "بدر".. النسخة الأسوأ من سجن "العقرب" في مصر

تمهيداً لاستغلال موقع منطقة سجون "طرة" المطل على النيل في القاهرة في مشاريع استثمارية، قامت السلطات بنقل سجناء سياسيين إلى المجمعات الجديدة ومنها "بدر" بعد أن تم الإعلان عن إخلاء عدد من السجون الرئيسية بالتزامن مع بدء تشغيل المنشاَت المماثلة.
2022-11-13

زكريا أحمد

باحث من مصر


شارك
مجسم لمجمع سجون بدر

في نهاية عام 2021، افتتحت وزارة الداخلية المصرية مجمّعاً جديداً للسجون في منطقة "بدر" في الصحراء الغربية (على بعد حوالي 300 كلم غرب القاهرة)، تحت مسمى "مركز الإصلاح والتأهيل بدر" وسط أجواء دعائية تروج لمزاعم حكومية بتنفيذ استراتيجية جديدة تكفل توفير ظروف ملائمة للسجناء.

وتمهيداً لاستغلال موقع منطقة سجون "طرة" المطل على النيل في القاهرة في مشاريع استثمارية، قامت السلطات بنقل سجناء سياسيين إلى المجمعات الجديدة ومنها "بدر" بعد أن تم الإعلان عن إخلاء عدد من السجون الرئيسية بالتزامن مع بدء تشغيل المنشآت المماثلة.

ما بين الأمنيات بتحسن ظروف الاحتجاز في السجن الجديد والقلق من المجهول، اختلطت مشاعر السجناء القادمين إلى "مجمّع سجون بدر" من سجن طرة شديد الحراسة ("العقرب") المعروف بسمعته السيئة. ومنذ لحظة وصولهم لم تتوقف استغاثات السجناء من قسوة الأوضاع داخل محبسهم الجديد وانتشرت الشكاوى من استخدام أساليب تعذيب جماعي ممنهجة، واصفين الوضع بأنه "أسوأ من العقرب ألف مرة".

"أهالينا بقى لهم سنين بيتعرضوا لانتهاكات غير إنسانية في سجن العقرب، وحالياً بيتعرضوا لأشد منها وسط الصحرا في سجن بدر، ومفيش أي وسيلة نتطمن بيها عليهم! لا زيارة ولا جلسات ولا جوابات ولا حتى بنقدر ندخّل لهم أكل!". هذا ما نشرته "رابطة أسر معتقلي سجن بدر" (العقرب سابقاً) عبر صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي. فيما انتقدت أصوات حقوقية استمرار الانتهاكات اليومية بحق المحبوسين، وخاصة في سجن "بدر3".

دعاية كاذبة

الحملة الدعائية التي رافقت افتتاح مجمعات السجون الجديدة ما هي إلا محاولات من السلطة المصرية لتبييض سجلها الحقوقي المُلطخ بالجرائم. فقد فضحت الممارسات الكارثية السائدة زيف الدعاية الرسمية التي روجت لأكاذيب السلطة بتبني مفاهيم عقابية متطورة في إطار "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي أطلقها الرئيس السيسي.

ما بين الأمنيات بتحسن ظروف الاحتجاز في السجن الجديد والقلق من المجهول، اختلطت مشاعر السجناء القادمين إلى "مجمّع سجون بدر" من سجن طرة شديد الحراسة ("العقرب") المعروف بسمعته السيئة. ولكنهم، ومنذ لحظة وصولهم، لم تتوقف استغاثاتهم من قسوة الأوضاع داخل محبسهم الجديد، وانتشرت الشكاوى من استخدام أساليب تعذيب جماعي ممنهجة، واصفين الوضع بأنه "أسوأ من العقرب ألف مرة".

 "بداية جديدة": كان هذا عنواناً لفيلم تسجيلي أنتجته وزارة الداخلية بمناسبة افتتاح المركز لتعلن عما وصفته بالصرح المتكامل وفقاً للمعايير الدولية، والذي يضم ثلاثة مراكز فرعية إلى جانب مركز للخدمات الطبية، بالإضافة إلى مجمّع محاكم تم إنشاؤه داخل المجمع الأمني في مدينة "بدر".

يبدو أن "البداية" التي تعنيها السلطات هنا هي في حقيقتها بداية فصل جديد من الأساليب المروِّعة التي لم تتوقف يوماً منذ تولي الطاقم الحاكم الجديد للسلطة. "منظمة العفو الدولية" في بيان لها عن ظروف الاحتجاز القاسية في سجن "بدر3"، ذكرت أن افتتاح السلطات للسجن وسط حالة من الصخب الإعلامي يتنافى مع ما يواجهه السجناء من انتهاكات لحقوق الإنسان، وقالت: "يُحتجز السجناء في ظروف مروّعة وعقابية مماثلة أو حتى أسوأ من تلك الموثّقة باستمرار في مجمع سجون طرة سيئ السمعة في مصر، حيث تقشعر أبدان المحتجزين في زنازينه الباردة بينما تعمل أضواء الفلوريسنت على مدار الساعة. وتشغل كاميرات المراقبة على السجناء في جميع الأوقات، ويحظر الوصول إلى المواد الأساسية مثل الطعام والملابس والكتب بشكل كافٍ. ويحرمون من أي اتصال بأسرهم أو محاميهم، بينما تُعقد جلسات تجديد احتجازهم عبر الإنترنت".

انتهاك خصوصية السجناء بوجود كاميرات مراقبة داخل الزنازين تعمل طوال اليوم، هو وضع لم يكن موجوداً في السجون القديمة. كما تستخدم إدارة السجن أساليب تعذيب جماعية ومنها تسليط مصادر ضوئية بشكل مستمر داخل الغرف، تتسبب في الحرمان من النوم والتأثير على الجهاز العصبي.

يُحْرم "عبد المنعم أبو الفتوح" البالغ من العمر 71 عاماً - والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ورئيس حزب "مصر القوية" - من الرعاية الصحية له داخل محبسه، حيث تَعرَّض لعدة نوبات قلبية أثناء فترة احتجازه.

اعتبرت أسرة "أحمد دومة" أن الفترة التي يقضيها أحمد في سجن "بدر" هي أسوأ فترة تمر عليه خلال تسع سنوات من السجن، متسائلة: "يعني ايه بني اَدم يقعد 24 ساعة في زنزانة فيها أربع كشافات لِيد وكاميرا، يعني ايه يقعد من غير علاج ولا أكل حالته الصحية بتسمح بيه، يعني ايه يشرب مياه فيها رمله وهو بيعاني تضرر شديد في الكلى ومن غير حتى علاج".

الوضع قاتل

الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب "مصر القوية"، والذي تمّ نقله من سجن المزرعة إلى سجن بدر من دون متعلقاته الشخصية،وصف وضعه بأنه "قاتل". وقد امتنع عن قبول زيارة الأهل بعد أن وجد أنها تجري من خلال حاجز زجاجي.

يُحْرم "أبو الفتوح"، البالغ من العمر 71 عاماً، من تقديم الرعاية الصحية له داخل محبسه، حيث تعرّض لعدة نوبات قلبية أثناء فترة احتجازه. وقد ذكر نجله - نقلاً عن والده - أن السجن يفتقد لأبسط مقومات الحياة الكريمة، ويضيف: "اللي أخد ونفّذ قرار نقل أبويا من سجن المزرعة لسجن بدر متجرد من كل شيء ويتحاكم بتهمة القتل العمد، نُقل بدون ملابس ولا غطاء ولا أي متعلقات شخصية، نُقل باللبس اللي لابسه فقط، نُقل لزنزانة انفرادي بمرتبة على الأرض بلا أي تجهيزات، بدون سرير ولا حتى كرسي ولا ثلاجة ولا كانتين. فقط أكل التعيين.. زنزانة مراقبة بالكاميرا 24 ساعة، وإضاءة 24 ساعة".

وفيما يتعلق بالحق في الزيارة، تتعنت إدارة السجن مع الأهالي في زيارة ذويهم على الرغم من رواية السلطة القائلة بتنظيمها على أساس متطور وإتاحة أماكن مُجهزة لاستقبال أسر السجناء. إلا أن عدداً من أسر المحبوسين قد تقدموا ببلاغات رسمية لـ "المجلس القومي لحقوق الإنسان" بعد حرمان ذويهم من حقوقهم القانونية، مطالِبين فيها بالتمكن من الاطمئنان عليهم والسماح لهم بإدخال الطعام والمستلزمات الضرورية.

رسائل بعض السجناء السياسيين المسربة إلى خارج السجن تؤكد على أن الأمن الوطني يحكم قبضته على السجن بالكامل، بعد أن أصبح الاحتجاز فيه لا يختلف كثيراً عن الاحتجاز في المقرات التابعة لذلك الجهاز، حيث يتم منع التريّض خارج الغرف كما كان الحال في "العقرب".

إهمال طبي حتى الموت

على الرغم من كل القوانين والمواثيق الدولية الملزِمة للحكومة المصرية، التي نصت على الحق في الرعاية الصحية داخل أماكن الاحتجاز والسجون، إلا أن الواقع يختلف تماماً داخل السجون المصرية، فالحصول على الخدمة الطبية هو أمرٌ في غاية التعقيد، ولا تجري تحقيقات جادة فيما يخص حالات الإهمال الطبي التي قد تُفضي إلى الموت.

"اللي أخد قرار نقل أبويا من سجن المزرعة لسجن بدر متجرد من كل شيء ويتحاكم بتهمة القتل العمد. نُقل بدون ملابس ولا غطاء ولا أي متعلقات شخصية، نُقل باللبس اللي لابسه فقط لزنزانة انفرادي بمرْتبة على الأرض بلا أي تجهيزات، بدون سرير ولا حتى كرسي ولا ثلاجة ولا كانتين. فقط أكل التعيين، وزنزانة مراقبة بالكاميرا 24 ساعة، وإضاءة 24 ساعة".

انتهاك خصوصية السجناء بوجود كاميرات مراقبة داخل الزنازين تعمل طوال اليوم، هو وضع لم يكن موجوداً في السجون القديمة. كما تستخدم إدارة السجن أساليب تعذيب جماعية ومنها تسليط مصادر ضوئية بشكل مستمر داخل الغرف، تتسبب في الحرمان من النوم والتأثير على الجهاز العصبي.

 وفق التقرير الشهري "أرشيف القهر" الصادر عن مركز "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" لشهر تشرين الأول/ أكتوبر العام الحالي، تمّ تسجيل حالَتي وفاة داخل أماكن الاحتجاز تلك، بالإضافة إلى 17 حالة إهمال طبي متعمَد.

 مُنع "السيد عبد الحميد الصيفي" (61 عاماً) المصاب بسرطان المعدة في سجن "بدر3" من تلقي العلاج ليلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن تفاقمت حالته الصحية، ولم يصدر أي تعليق من وزارة الداخلية بشأن ظروف وفاته. وبعد أقل من شهر، سُجلت ثاني حالة وفاة في السجن نفسه لـ "علاء السلمي" (47 عاماً) خلال خوضه إضراباً مفتوحاً عن الطعام، وهو لم يتلقَ متابعة طبية طوال فترة إضرابه من قبل إدارة السجن التي تجاهلت تدهور صحته. ومنذ عام 2017، لم تستطع أسرة "السلمي" زيارته حيث كان محتجزاً في سجن "العقرب" قبل أن يُنقل إلى مركز بدر.

وكانت حملة "حتى اَخر سجين" قد وثّقت بدء عددٍ من سجناء "بدر3" الإضراب عن الطعام والامتناع عن استلام وجبات السجن ("الطعام الميري") اعتراضاً على تدني الأوضاع منذ وصولهم إلى السجن في حزيران/ يونيو الفائت. وفي بيان سابق، أكدت الحملة على أن الممارسات الأمنية التي تنتهجها السلطة تقوم على الانتقام من السجناء السياسيين، وهي مستمرة بشتى الطرق ولم تتغيّر على الرغم من الدعاية الإعلامية.   

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...