ملعون أي صوت يعلى صوت المعركة
ملعون أي كلمة تسلبني الحركة
ملعونة المداين.. ملعونة الجناين
ملعون أي خاين.. يرعش يوم النضال.. ملعون
***
خرجت مجموعة "أولاد الأرض" من أرض المعركة رافضةً واقع الهزيمة، وتلعن الخيانة بكلمات أشعلت روح المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي على الأراضي المصرية. فعلى أنغام اَلة "السمسمية"(1) وجهت الفرقة نداء الأمل إلى كل أبناء الوطن.
بدأت الفرقة الفدائية مسيرتها من مدينة السويس المناضلة في أعقاب هزيمة 1967 لتجوب المحافظات وتقيم الحفلات في معسكرات التهجير، حيث كانت بمثابة إذاعة جماهيرية متنقلة تطوف الجامعات وتجمعات العمال والفلاحين في المدن والقرى.
في منطقة القناة والتي تضم مدن السويس والإسماعيلية وبورسعيد، كان الفن الشعبي حاضراً دوماً في ظروف الحرب وفترات المواجهة مع الاستعمار. إذ ارتبطت الحالة الفنية بملاحم البطولة في مواجهة قصف ورصاص العدو، وقد اكتسب فن "السمسمية" بجانب "الطنبورة" زخماً في هذه المناطق حيث تعددت فرق الغناء الشعبي.
الكابتن غزالي.. حكاية ابن الأرض
"نِفسي في وطن.. زي شهقة الفجر الجميل.. بلا أي اَه.. بلا مستحيل..
نِفسي في وطن.. يسمح لي أكون.. يسمح لي أقول.. بعلو صوتي لأ.."
تلك الكلمات عبرت عن اَمال شاعر ومناضل عاش يحلم بوطن حر. إنه "محمد أحمد غزالي" أو "الكابتن غزالي" كما لقّبه رفاقه ومحبوه. بدأ مشواره في الرياضة فاحترف لعبة المصارعة وعمل مدرباً لها إلى جانب اهتمامه بالحركة العامة، كما شارك الفدائيين في معركة "كفر أحمد عبده" عام 1951 ضد الوجود البريطاني، وهي إحدى أهم معارك السويس الشاهدة على تاريخها النضالي.
أبطال منسيون، لولا تضحياتهم لسقطت المدينة في قبضة القوات الإسرائيلية. وقد أراد زمن التطبيع أن يصبحوا طي النسيان بعد أن تحول العدو إلى حليف.
غزالي الذي امتهن الرسم والخط أيضاً، انضم إلى مجموعات المقاومة الشعبية التي خرجت من رحم الهزيمة، والتي قُدّر لها أن تكون بداية مرحلة جديدة من الصمود الأسطوري بفعل البطولة والتضحية. فتعددت المهام بين العمليات النوعية والحراسات والقيام بأعمال الاستطلاع، وصولاً إلى الاستبسال في الدفاع عن المدينة في معركة 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وإفشال مخطط العدو لاختراق السويس.
جاءت فكرة "أولاد الأرض" للكابتن خلال فترة عمله بالحراسات مع باقي أفراد المقاومة حيث استدعى اَلة "السمسمية" التراثية لتقديم الأغنية، فأسس فرقة قوامها الطبقة العاملة من شباب العمال وصغار الحرفيين، إيماناً منه بأنّ سلاح الكلمة لا يقل أهمية عن سلاح البندقية.
تركة السادات: ذكريات مراهقين مصريين
30-07-2020
أغنياتٌ تؤرخ لمدينة لطالما ارتبط اسمها بالنضال، تنقل للأجيال صورة عن تضحيات أبنائها من البسطاء. كان تأثير كلماته في الجمهور حافزاً مهماً للاستمرار ومواصلة الكتابة. كلماته التي ترددت مرة أخرى في ميادين الثورة المصرية مشعلةً حماس المتظاهرين خلال أحداث "ثورة يناير 2011" ومنها: "عضم اخواتنا.. نلمه نلمه.. نسنه نسنه.. ونعمل منه مدافع وندافع.. ونجيب النصر.. هدية لمصر.. ونكتب عليه أسامينا".
بساطته جعلته يقف على النقيض من بعض مثقفي العاصمة ومن التعالي والانفصال عن الناس، فقال لهم: "يا شعرا.. يا كُتاب.. يا نضال على القهاوي.. يا صُم يا بُكم.. يا سبب البلاوي.. امتى تغيروا دا الوطن بيئن.. والراية الغريبة على القنال بتزن".
بدأت الفرقة الفدائية مسيرتها من مدينة السويس المناضلة في أعقاب هزيمة 1967، لتجوب بعد ذلك المحافظات وتقيم الحفلات في معسكرات التهجير، حيث كانت بمثابة إذاعة جماهيرية متنقلة تطوف الجامعات وتجمعات العمال والفلاحين في المدن والقرى.
جاءت فكرة "أولاد الأرض" للكابتن خلال عمله بالحراسات مع باقي أفراد المقاومة، فاستدعى اَلة "السمسمية" التراثية لتقديم الأغنية، وأسس فرقة قوامها العمال الشباب وصغار الحرفيين، إيماناً منه بأن سلاح الكلمة لا يقل أهمية عن سلاح البندقية.
تحدث "كابتن غزالي" بمرارةٍ قبل رحيله عن التجاهل الرسمي لدور السويس البطولي في المقاومة، والتي اعتبرها مدينة تحمل لمصر قدراً كبيراً من الإخلاص وأنها تمثل كل نجوع وقرى البلاد. فعن تضحيات شعبها في معاركه التاريخية يقول: "كان لنا شعب لم ينهزم، من الممكن أن يخسر معركة أو أكثر لكنه لا ينهزم.."، بينما تضحيات الشعب الفقير سرقتها قيادات الأنظمة الحاكمة. ولثورة يناير 2011 نصيبٌ من شعره فكتب لها: "25 يناير يا مسطّر بالدماء.. يا نبض قلب شعبي.. وصدقه على الفداء.. طالعه يا مصر طالعه.. على مين يعاديكي والعه.. دايسه على من تجبّر"..
توحيد المُهَجَّرين
"بكرة هترجع تاني لبيتك ولغيطك يا خال.. وهتلقى الرملة خضرا على طول القنال.. وهتلقى شجرك عالي.. والفاكهة فيه بتلالي.. وبتنده لك تعالالي.. أنا غالية ومهري غالي.. من دم الرجال"..
كانت هذه الكلمات من ضمن أغاني "أولاد الأرض" التي غناها بصوت واحد كل من غزالي وسيد كابوريا وسعيد الخطيب "الفلسطيني"، ومعهم باقي رفاقهم من أعضاء الفرقة، إلى أهالي السويس المُهَجَّرين في أماكن التهجير من أسوان إلى الاسكندرية وذلك لبث الأمل في نفوسهم، بعد معاناتهم ويلات العدوان وتحول المدينة إلى ساحة حرب، فجاء قرار التهجير بإعادة تسكينهم في مناطق أخرى.
أولى حفلات الفرقة خارج السويس كانت في كلية الهندسة جامعة الاسكندرية، فاستقبلتهم جموع الطلاب بالتفاعل الحماسي مع أغنياتهم. وبعد أن ذاع صيت الفرقة تشكلت في المحافظات مجموعات غنائية على غرار "أولاد الأرض" حملت الاسم نفسه، كما توالت في تلك الفترة المشاركة في المؤتمرات السياسية والحفلات التي رافقت فيها الفرقة تجربة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم.
"نِفسي في وطن زي شهقة الفجر الجميل، بلا أي اَه.. بلا مستحيل. نِفسي في وطن يسمح لي أكون، يسمح لي أقول بعلو صوتي لأ..". كلمات "الكابتن غزالي"، كما لقّبه رفاقه ومحبيه. وهو امتهن الرسم والخط أيضاً. وكان انضم إلى مجموعات المقاومة الشعبية التي خرجت من رحم الهزيمة، ومثلت مرحلة جديدة من الصمود الأسطوري الذي أفشل مخطط العدو لاختراق السويس.
خلال جولات معسكرات التهجير بالمحافظات، غنت الفرقة لرفع الروح المعنوية لكل أبناء الشعب المصري في ربوع الوطن. ففي إحدى الحفلات بمدينة أسوان قدمت التحية للأهالي وأنشدت أغنية تقول: "سلامات يا رجال السد العالي.. أهلاً كوم أمبو يا رجالة.. يا عرقانين يا شغالة.. عشان بلدنا تزيد هالة.. قيموا المدافع في الغيطان.. سلامات سلامات".
السمسمية والبندقية
طوال أحداث المعارك مع العدو الصهيوني بالسويس، لعبت الفرقة دوراً حيوياً في تعبئة المقاومين والجنود على جبهة القتال. فتبوأت "السمسمية" مكانة هامة كأداة للمقاومة لا تقل عن البندقية والمدفع بل امتزجت ألحانها بصوت طلقات البندقية، وكان أبرز أغانيها:
"غني يا سمسمية لرصاص البندقية.. ولكل ايد قوية حاضنة زنودها المدافع.. غني للمدافع واللي وراها بيدافع.. ووصي عبد الشافع يضرب في الطلقة ميه.. غني لكل دارس في الجامعة والمدارس.. لمجد بلاده حارس من غدر الصهيونية".
في الوقت ذاته، كانت العمليات الفدائية تصل إلى عمق سيناء، وبدأ غزالي بكتابة "يوميات الجبهة" ليغنيها مع فرقته على اَلة السمسمية. فيقول: "أدركنا أهمية اللعب على العامل النفسي، فكنا نذهب إلى الحدود نغني ونصفق والعدو على بعد خطوات حتى يشعر بأعداد كبيرة على الحدود". وكنا نردد في عز الحرب: "اتعلمنا منك كيف الموت ينحب.. واتعلمنا منك وقت الشدة نهب.. واتعلمنا ندوس الصعب.. نمد الخطوة ندق الكعب.. واتعودنا شهيدك يبقى عريس.. واتعودنا اليوم الكاكي ونوم الخندق لأجل حماكي.. يا أغلى مدينة وناس.. ينباس ترابك ينباس يا سويس".
خلديهم يا بلدنا
"خلديهم يا بلدنا.. لما نصرك يبقى عيد.. علي محرم ابن قلبك.. مصطفى وأخوه سعيد.. وقيدي منهم نور صباحك.. خلدوكي هما قبلا.. لأجل ما تعودي لبراحك.. إبراهيم سليمان وأشرف.. أحمد أبو هاشم في أشرف.. ملحمة والمولى حافظ"..
أبطال منسيون لولا تضحياتهم لسقطت المدينة في قبضة القوات الإسرائيلية، وقد أراد زمن التطبيع أن يصبحوا طي النسيان بعد أن تحول العدو إلى حليف. سقط الشهيد "مصطفى أبو هاشم" صاحب المسيرة النضالية بعد أن دكت طائرات "الفانتوم" ملعب نادي السويس. ولم يكن يعرف الكابتن غزالي بماذا يجيبه حين سأله قبل استشهاده عن مستقبلهم بعد انتهاء الحرب، فيجيبه بالشعر: "من سكات.. من سكات مات مصطفى.. وكان لما يحكي لي أحلامه.. أو اللي شافه في منامه.. أضحك أنا.. وأقول إن شاء الله بعد النصر.. يا هل ترى هتكوني فاكرانا يا مصر؟!".
أولى حفلات الفرقة خارج السويس كانت في كلية الهندسة جامعة الاسكندرية، فاستقبلتهم جموع الطلاب بالتفاعل الحماسي مع أغنياتهم. وبعد أن ذاع صيت الفرقة تشكلت في المحافظات مجموعات غنائية على غرار "أولاد الأرض" حملت الاسم نفسه.
زفت الفرقة الشهداء إلى قبورهم وغنت تخليداً لهم: "سلطان.. يوسف حسين.. يا نجمتين ضي.. من قلب السويس.. يا فرج يا عويس.. يا كل الشهداء.. يا ولاد بلدي.. يا ناقشين سعادتي بدمكم.. اكمنكم أصدق وأشرف مننا.. طول عمركم".
***
من أشعار الكابتن غزالي في عشق الوطن:
مصر يا ندهتي في الضيق..
وغنوتي على الريق.. عاشقك حقيقي..
ناقشك على زنودي بيارق نصر..
مهما تدور الدواير..
الكل فاني.. وانتي باقية يا مصر..
1- السمسمية آلة وترية مصرية محلية لها جذورها في مصر القديمة، وأصلها هي آلة الكنارة الفرعونية.