لا يعد مرض السرطان غريباً على أبناء الوادي في مصر والسودان، فالدراسات الحديثة أثبتت إصابة العديد من الأشخاص القاطنين بالقرب من نهر النيل بالمرض في العصور القديمة قبل 3 آلاف عام من الميلاد. وقد أعلن عن هذا الطبيب المصري القديم "إيمحوتب" عبر تشخيصه أول إصابة موثقة بسرطان الثدي، دوّنها في مخطوطة عرفت فيما بعد باسم "بردية إدوين سميث" (1). وافترضت دراسة حديثة أجراها باحثون بجامعة "ويسترن أونتاريو" الكندية، أنه على الرغم من ثبوت وجود الأورام السرطانية منذ تلك العصور القديمة، إلا أن عدد الحالات المكتشفة كان ضئيلاً للغاية، ما يطرح تساؤلات حول دور المتغيرات المساهمة في تفشي السرطان في المجتمعات الحديثة، وكيف للسرطان بأنواعه المختلفة - وخاصة سرطان الثدي - أن يتزايد في منحنى تصاعدي واضح في مصر ودول المنطقة العربية.
السرطان ابن الجهل والفقر
"تركت عملية استئصال الثدي الجذري ندوباً مشوهة تحت ثوب نوم أمي. بدت بمظهر مخيف أرعبني منذ ذلك الحين، فأتخيل الأمر وكأن هذا سيحدث لي، أذهب بشكل دوري إلى الطبيب لفحصي ومعرفة ما إذا كانت هناك احتمالات لإصابتي بمثل هذا النوع من السرطان، فلا أريد لأطفالي في المستقبل أن يعانوا مثلما عانيتُ مع أمي".. كلمات الابنة الكبرى لقريبة لي توفيت منذ عشر سنوات إثر إصابتها بسرطان الثدي، ذكرتني بخوضها لرحلة علاج قصيرة انتهت وقد انتشر السرطان في أجزاء أخرى من جسدها، لتموت بعد عامين ونودعها وهي في سن الأربعين.
حظيت السيدة بقدر كبير من التعليم، ومستوى اقتصادي جيد، لكنها كانت لا تزال تحتفظ بعادات تأصلت في أذهان مصريات من الطبقتين المتوسطة والفقيرة، تشي بجهل شديد بشأن زيارة الطبيب وفحص الجسد قبل أن يتآكل. وعلى الرغم من كون قريبتي متعلمة، لم يدفعها تعليمها لأن تلجأ إلى طبيب مختص حين شعرت بألم في ثديها، فهناك مناطق محرمة في أجساد النساء في مصر. لم تكن ظروفها الاقتصادية سبباً لعدم لجوئها إلى الفحص، عكس واقع ملايين النساء المتخم بالفقر والذي يكون عاملاً رئيسياً في عدم الكشف المبكر عن المرض. إلا أن "العيب" هو ما جعلها تتأخر وتفقد حياتها.
كانت تجربة قريبتي ميسورة الحال على النقيض تماماً من عبير الشابة السودانية الثلاثينية، التي أجبرتها الظروف الاقتصادية والسياسية القاسية على النزوح شمالاً في رحلة برية استغرقت 30 ساعة تقريباً حتى وصلت إلى العاصمة القاهرة، بعد أن ضاقت بها الحال في بلدها ولم تستطع تلقي العلاج. كان العلاج في القاهرة أملها الوحيد، على الرغم من مستوى دخلها المنخفض، إلا أنه بالنسبة لها كان أقل تكلفة من بلدها. فقد تلقت العلاج في معهد الأورام بالقاهرة وتحملت جزءاً من النفقات. واستمرت في العلاج حتى تماثلت للشفاء أو هكذا ظنت. ففي آذار/ مارس من العام 2020 كانت تهم بالعودة إلى الخرطوم، لكن قراراً من السلطات السودانية بتعليق السفر البري والجوي مع مصر إثر تفشي وباء كورونا (كوفيد-19)، جعلها حبيسة القاهرة. وكان الحظ إلى جانبها - مثلما تصف - فقد عاودها المرض بعد أشهر، تقول: "لو رحلت إلى السودان ربما لم أكن لأتمكن من العودة ثانية، لكن الآن أنا في مصر أعمل ومستمرة في العلاج إلى حين الشفاء".
وما بين مصر والسودان، يقف سرطان الثدي كالوحش الذي يغزو أجساد النساء بلا توقف، وبحسب بيانات لمنظمة الصحة العالمية في العام 2020، فقد بلغت وفيات سرطان الثدي في السودان 3.071 حالة ما يمثل 1.41 في المئة من إجمالي عدد الوفيات، بمعدل وفيات 24.70 لكل 100.000 من السكان، ما يجعل السودان في المرتبة 29 عالمياً في ترتيب الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي (يمثل 20 في المئة من إجمالي حالات السرطان التي تصيب النساء في السودان)، بينما هو المسبب رقم 7 في حالات الوفيات في السودان. فيما بلغت وفيات سرطان الثدي في مصر في العام نفسه حوالي 9.180 حالة ما يمثل 1.71 في المئة من إجمالي الوفيات، بمعدل 24.04 لكل 100.000 من السكان، ما يضع مصر في المرتبة 33 في العالم من حيث ترتيب الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي. وبهذا فإن سرطان الثدي رقم 9 من حيث ترتيب أسباب الوفاة داخل مصر.
غير أن مصر التي تعددت مراكز العلاج فيها وبدا أن حكومتها قد اتخذت مؤخراً على عاتقها مكافحة سرطان الثدي كجزء من استراتيجية كبرى، كانت أفضل حالاً من السودان التي تعاني نساؤه من ضعف التوعية والتثقيف داخل المجتمع على المستويين الشعبي والحكومي (غالباً ما تطلق الدولة حملات التوعية بالمرض فقط في شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، وهو المخصص عالمياً للفت الانتباه للمرض وضرورة الاهتمام بالفحوصات الدورية للنساء). وربما يرجع ذلك إلى الاهتمام بالأمراض المعدية والمدارية الأخرى على حساب الأمراض غير السارية كالسرطان. ونظراً لعدم توافر سجل وطني شامل للسرطان، تستند التقديرات بشكل عام إلى سلسلة حالات المستشفيات والمراكز التي تستقبل حالات الأورام.
مصر
في مصر يمتزج الألم بالأمل، في كل صباح يرتص آلاف المرضى أمام بوابات المستشفيات الحكومية المخصصة لعلاج الأورام، في محاولة للحاق بالأمل، بعضهم قد اكتشف للتو إصابته والبعض الآخر خاض رحلة علاج طويلة امتدت لسنوات. بصوت باكٍ حدثتني هند وهي تعلن عن شعور ربما يخفي خلفه قصة يجب أن تُروى. قصة مؤلمة فقدت خلالها اثنتين من خالاتها إثر إصابتهما بسرطان الثدي، بينما تحارب أمها في رحلة علاج طويلة بدءاً من العام 2011. وتخوض باقي العائلة حربها مع أنواع أخرى من السرطان اقتنصت أقارب من الدرجة الأولى والثانية وحتى الرابعة، وبالكاد تبقت هي وبضعة أقارب لم يصبهم أي نوع من السرطان. لكنها تتوجس خيفة أن يزورها في أي وقت مثلما زارهم جميعاً.
بلغت وفيات سرطان الثدي في مصر في العام 2020 حوالي 9.180 حالة تمثل 1.71 في المئة من إجمالي الوفيات، بمعدل 24.04 لكل 100.000 من السكان، ما يضع مصر في المرتبة 33 في العالم من حيث ترتيب الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي. وياتي سرطان الثدي في المرتبة التاسعة من حيث ترتيب أسباب الوفاة داخل مصر.
بدأت تجربتها مع أمها حينما اكتشفت مصادفة ظهور تكتل في ثديها، فاتجهت لمستشفى خاص لتلقي العلاج، وبعد الفحص ظهر أن هناك ورماً خبيثاً، لتخضع وقتها إلى عمليتين متتابعتين، ويتم استئصال الورم وجزء من الثدي المصاب، ثم تتابع جلسات من العلاج الكيميائي ثم الإشعاعي. تضيف: "شفيت بعد العلاج حتى العام 2017، حين ظهر فجأة تكتل في ثديها الآخر، لكن الطبيبة المعالجة أخطأت في تشخيص حالتها، ليعود السرطان مرة أخرى وتعيد الكرة".
تتقاطع تجربة أم هند مع تجربة سارة الشابة العشرينية، حيث الإهمال الطبي والخطأ في تشخيص الحالة. سارة التي تلقت خبر حملها في طفلها الأول، كانت قد بدأت تشعر بتوعك شديد وظهر تكتل غريب في ثديها الأيسر، فذهبت إلى طبيبة النساء التي طمأنتها وأكدت أنها أعراض طبيعية للحمل. وبعد أن وضعت طفلتها بأشهر قليلة عاد الألم والتكتل من جديد بشكل لافت، فاصطحبها زوجها إلى طبيب آخر ليخبرها بإصابتها بسرطان الثدي. خاضت بعد ذلك رحلة من البحث عن مكان للعلاج داخل المؤسسات الخاصة بالسرطان، لكن ولأنها لم تتجاوز الأربعين من عمرها بعد فقد لاقت صعوبات، حيث أن عدداً من تلك المؤسسات لا يقبل النساء قبل سن الأربعين، لكن في النهاية استطاعت حجز مكان لها في مستشفى "بهية"، وتلقت العلاج كاملًا وبالمجان.
جهود
في العام 2015، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إدراج الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة ضمن خطة التنمية للمنظمات الدولية حتى العام 2030، من خلال تبني خطط للتنمية تسهم في حل مشكلات مثل: الفقر والجوع والصحة والتعليم وتغيير المناخ. وقد تبنت الحكومة المصرية تلك الأهداف مع إطلاق "رؤية مصر 2030"، ثم أعلنت "الاستراتيجية الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار" في العام 2016، والتي تهتم بالبحث العلمي وتطوير سوق العمل والقطاعات الخدمية كالصحة (2). ومن أبرز الأهداف التي حددتها دراسة مسببات وأنماط ومعدلات الإصابة بأنواع السرطانات المختلفة في مصر، والسعي لاكتشاف علاج لها.
في مصر يمتزج الألم بالأمل. في كل صباح يرتص آلاف المرضى أمام بوابات المستشفيات الحكومية المخصصة لعلاج الأورام، في محاولة للحاق بالأمل. وقد خصصت السلطات 36 مركزاً لعلاج أورام الثدي بالمجان، منها 14 مركزاً تابعاً لوزارة الصحة، و14 مركزاً تابعاً للمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مع مشاركة 102 مستشفى في تقديم الرعاية الصحية للنساء.
وحسب بيانات رسمية، قدّرت نسبة الإصابة بسرطان الثدي في مصر ما بين 32.4 إلى 35.1 في المئة من إجمالي الأورام التي تصيب النساء بمعدل 23 ألف حالة سنوياً (3) (عدد الإناث في مصر وفقاً لأحدث البيانات الرسمية 49 مليون و940 ألف و183 امرأة). وحتى العام 2018، فإن 59 في المئة من النساء اللاتي تم تشخيصهنّ بسرطان الثدي كنّ في مرحلة متأخرة. بينما انخفضت النسبة بعد "المبادرة الرئاسية لصحة المرأة" والتي انطلقت ضمن حملة "100 مليون صحة" في العام 2019، لتصل إلى 29 في المئة، وهذا يعد دليلاً على ارتفاع درجة الوعي لدى النساء فيما يخص الكشف المبكر عن سرطان الثدي. وتستهدف تلك المبادرات الكشف المبكر عن أورام الثدي في المحافظات المختلفة، وتؤدي جميع الخدمات للسيدات بالمجان، بما يشمل العلاج والتوعية الكاملة بخصائص المرض وآليات الفحص الذاتي للنساء من سن 18 عاماً. وبالفعل فحصت المبادرة بدءاً من انطلاقها 17 مليون سيدة، وقدمت التوعية لـ12 مليون سيدة أخرى (4).
فشل الرهان على التبرعات لدعم قطاع الصحة في مصر
07-09-2022
العلاج على نفقة الدولة.. سند الغلابة في مصر
09-10-2019
كما خصصت السلطات 36 مركزاً لعلاج أورام الثدي بالمجان، تقدم العلاج من خلال 14 مركزاً تابعاً لوزارة الصحة، إضافة إلى 14 مركزاً تابعاً للمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مع مشاركة 102 مستشفى في تقديم الرعاية الصحية للنساء، خاصة في المراحل المتقدمة من المرض. ويعد المعهد القومي للأورام أكبر الأماكن الحكومية التي تقدم رعاية طبية بالمجان، إضافة إلى مركز علاج الأورام بالإشعاع والطب النووي بـ "مستشفى المنيل" الجامعي، و"معهد ناصر"، ومستشفى 500 500، التابع لمعهد الأورام الجديد، ومستشفى سرطان الثدي الجديد أيضاً، ومركز أورام جامعة المنصورة، ومركز أورام طنطا.
وقد أطلق "المجلس القومي للمرأة مبادرة "بهية" لحث السيدات على جمع التبرعات المادية لعلاج مريضات سرطان الثدي وحملات الكشف المبكر بالمجان، وبلغ عدد المستفيدات من المبادرة 134 ألف سيدة، وأيضاً مبادرة "سيدات مصر" للتخفيف من قوائم الانتظار والمشاركة في تقديم الدعم المادي والعيني لمستشفى "بهية" (وهو أول مستشفى متخصص في علاج سرطان الثدي في مصر)، ومبادرة "احمي عيلتك احمي مصر بهية في ضهرك" لتيسير وصول العلاج الهرموني للمريضات مع تفشي وباء كورونا.
وقد توسعت منظمات المجتمع المدني في مشاريعها في القطاع الطبي لتصبح الملجأ الثاني إلى جانب المنظومة الصحية الرسمية التي تعج بزيادة أعداد مرضى الأورام سنوياً، وتستقطب ملايين الحالات من محدودي الدخل. ومن أبرز المستشفيات الخيرية، "مستشفى بهية" الذي تأسس في العام 2015، ويعتمد الاكتشاف المبكر وعلاج سرطان الثدي بالمجان من خلال برامج علاجية متطورة، أهمها برامج العلاج (الكيماوي، الإشعاعي، والتدخل الجراحي والهرموني)، كما أن لديه صيدلية إكلينيكية، ووحدة علاج الألم، وخدمات متابعة نفسية للمرضى وذويهم. وحسب الأرقام المعلنة هذا العام عبر موقعه الرسمي؛ فقد استقبل 205 ألف و 753 حالة، وأخضع للعلاج الإشعاعي ما يقارب 210 ألف حالة، كما أجرى عمليات جراحية لما يزيد عن 14 ألف سيدة. كما يستقبل يومياً نحو 800 حالة، ما بين كشف للاطمئنان، وبين محارِبات يتلقين البروتوكول الخاص بالعلاج بالمجان.
السودان
لعل الوضع الخاص بالرعاية الصحية لمريضات سرطان الثدي يبدو مقلقاً خاصة مع الانخفاض الملحوظ في عدد المراكز والمستشفيات الحكومية المتخصصة. فيوجد في السودان 3 مراكز رئيسية لعلاج سرطان الثدي وذلك في العاصمة "الخرطوم"، ومدينة "شندي" شمال السودان، ومدينة "ود مَدَني" وسط السودان، مع أقسام متخصصة في عدد من المستشفيات. ويضاف إليها مركز الإشعاع والنظائر بالخرطوم والمعهد الوطني للسرطان في جامعة "الجزيرة" المتخصصان في علاج السرطان ويقدمان خدمات العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي لجميع الولايات. وفي العام 2010 افتتح أول مركز غير حكومي غير ربحي لمتابعة وعلاج سرطان الثدي وهو مركز الخرطوم للعناية بالثدي، كما توجد بعض الأقسام في مستشفيات خاصة ترتفع فيها نفقات العلاج، وكل هذا لا يكفي لتقديم خدمات صحية ملائمة للسودانيات، خاصة مع ندرة المراكز المخصصة لعلاج السرطان في المناطق الريفية المختلفة.
أرجعت الدراسات السبب الرئيسي في تزايد الإصابات إلى نمط الحياة الاجتماعي للنساء العربيات حالياً، مثل تناول موانع الحمل الفموية، وتأخر الحمل الأول لما بعد سن الثلاثين، وقلة النشاط البدني، والتدخين، وزواج الأقارب مما يركز العامل الوزاثي. كذلك تعد السمنة من العوامل المساهمة في الإصابة بالسرطان. كما تتزايد معدلات الإصابة بسبب عوامل بيئية مثل استخدام الأسمدة والمبيدات على نطاق واسع.
وعلى الرغم من أن سرطان الثدي أقل انتشاراً في البلدان الإفریقیة مقارنة بالبلدان المتقدمة، إلا أن اكتشاف المرض غالباً ما یكون في مراحله الأخيرة؛ ما يؤدي إلى وفاة كثير من النساء بسبب انخفاض مستوى الوعي وصعوبة الوصول إلى أساليب الفحص الدقيقة وارتفاع تكلفتها. وقد وضعت عدد من المنظمات الأهلية يدها على تلك الأسباب لتبدأ في محاولات جادة، عن طريق التوعية وتوفير سبل العلاج للنساء، خاصة من الطبقات الفقيرة التي لا تملك ثمن العلاج.
لماذا التزايد؟
لكن على الرغم من تلك الجهود، يبقى التساؤل الملح: لم تتزايد حالات الإصابة بسرطان الثدي بين النساء، على الرغم من التقدم الطبي؟
أظهرت الأبحاث العلمية تنوعات جينية لدى مرضى سرطان الثدي العرب لم تكتشف في الشعوب الأخرى في المورثتين (BRCA1 و BRCA2) المكلفتين بالسيطرة على معدل انقسام الخلايا. ووفق معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، كان معدل الإصابة بسرطان الثدي في العام 2016 بين النساء في المنطقة العربية (28/ 100،000) أي أقل من المتوسط العالمي (46/ 100،000). وهذا ما يثير الجدل بين باحثين يرون أن ربما تكون الأرقام المسجلة لإصابات سرطان الثدي في الدول العربية غير دقيقة وأن هناك كثيراً من الحالات لم تكتشف أولم تسجل بعد.
ووفقاً للأرقام المعلنة منذ العام 2010، يحتل سرطان الثدي صدارة الإصابات السرطانية بين النساء، وحسب دراسة لـ "المركز العربي للدراسات الجينية" في العام 2010، كانت نسبة الإصابة بسرطان الثدي في اليمن 23 في المئة، وفي مصر 33 في المئة من إجمالي عدد الإصابات السرطانية. ويعد الأكثر شيوعاً بين النساء في دول "مجلس التعاون الخليجي، وتتصدرها البحرين بواقع 64.4 إصابة لكل 100 ألف شخص. وهو منتشر أيضاً في الأردن ولبنان وليبيا وتونس والمغرب والسودان حيث يحتل سرطان الثدي الصدارة بين النساء. وقد سجل لبنان وفق بيانات العام 2016، أعلى نسبة إصابة بين الدول العربية. وأوضحت الوكالة الدولية لبحوث السرطان تقديرات الإصابة بسرطان الثدي للعام 2018، في: لبنان (97.6)، سوريا (67.3)، الأردن (57.4)، العراق (38.4)، اليمن (24.9)، وليبيا (23.2)، بالنسبة لعدد الإصابات لكل 100 ألف مواطن. كما جاء ترتيب دول عربية في مراكز متقدمة في قائمة أعلى معدل وفيات بين النساء في العالم عام 2020 نتيجة سرطان الثدي، وهي: الصومال في المركز السابع بمعدل 33.65 لكل 100 ألف نسمة، وسوريا في المركز التاسع بمعدل 31.59 /100 ألف نسمة، ولبنان في المركز 12 بمعدل 29.51 /100 ألف نسمة.
وتبدأ أعراض سرطان الثدي في سن مبكرة في المنطقة العربية، فيتم تشخيص ما يقرب من نصف المصابات في سن أقل من 50 عاماً، بمتوسط 49-52 عاماً مقارنة بمتوسط 63 عاماً في دول أوروبا وأمريكا الشمالية. وعلى سبيل المثال، في سلسلة كبيرة من حالات سرطان الثدي في لبنان، كان متوسط العمر أقل من سن الخمسين في حالة 50 في المئة من النساء. ومتوسط العمر عند التشخيص لدى الفلسطينيات 51.5 سنة. على النقيض من ذلك، فإن معدلات الإصابة لدى النساء العربيات الأكبر سناً (60 وما فوق) أقل بكثير. ويمكن أن تفسر الأسباب الثقافية انخفاض معدلات الإصابة بسرطان الثدي المبلّغ عنها بين هؤلاء النساء المسنات، فتنتشر ثقافة "العيب" والخجل من الكشف عن أمراض الثدي وغيرها من الأمراض المرتبطة بالنوع.
وأرجعت الدراسات السبب الرئيسي في تزايد الإصابات، إلى أن نمط الحياة الاجتماعية التي تتبناها النساء العربيات حالياً، مثل: تناول موانع الحمل الفموية، وتأخر الحمل الأول لما بعد سن الثلاثين، وقلة النشاط البدني، والتدخين. كذلك تعد السمنة من العوامل الأخرى المساهمة في الإصابة بالسرطان، وقد كشفت البيانات الخاصة بالمراهقين الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً في 16 بلد في المنطقة عن مستويات عالية من زيادة الوزن والسمنة في كل من مصر والبحرين والأردن والسعودية والكويت والإمارات (وفق منظمة الصحة العالمية، فإن انتشار زيادة الوزن والسمنة في هذه البلدان يتراوح ما بين 74 - 86 في المئة عند الإناث). وقد تبدو الحياة القاسية نتيجة مؤثرات اقتصادية من أسباب الإصابة أو الوفاة. فعلى سبيل المثال أفادت حوالي 40 في المئة من النساء المصابات بسرطان الثدي في مركز الأورام في مصر بأن نوعية الحياة الفقيرة التي يحيونها هي التي تدفعهم لعدم الكشف المبكر أو استكمال مراحل العلاج ما يؤدي إما لوصول الحالات لمراحل متأخرة أو الى وفاتهن.
بلغت وفيات سرطان الثدي في العام 2020 في السودان 3.071 حالة بمعدل 24.70 لكل 100.000 من السكان، وهي تأتي في المرتبة السابعة لحالات الوفيات في البلاد، ما يجعلها في المرتبة 29 عالمياً في ترتيب الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي. ويوجد في السودان 3 مراكز رئيسية لعلاج سرطان الثدي في "الخرطوم"، ومدينة "شندي" شمال السودان، ومدينة "ود مَدَني" وسط السودان...
وتتزايد معدلات الإصابة في بعض مناطق السودان بسبب عوامل بيئية مثل استخدام الأسمدة والمبيدات على نطاق واسع في مشروع زراعة "منطقة الجزيرة" في بداية الألفية الثالثة، خاصة وأن السودانيات يمثلن نسبة كبيرة من العمالة الزراعية. وأبلغت دراسات حكومية قليلة عن عوامل خطر الإصابة بالسرطان بسبب الغذاء وهو العامل المشترك أيضاً مع مصر. أما في اليمن، فلا تزال مسألة تمويل مكافحة الأمراض مثل السرطان ضئيلة للغاية، ولا تمتلك السلطات سجلات دقيقة خاصة بأعداد المصابين بسرطان الثدي، نظراً لأن معظم الحالات لا يتم تشخيصها، خصوصاً في المناطق الريفية، فلا تستطيع كثير من الحالات في المحافظات اليمنية أن تصل إلى مراكز العلاج بسبب تكاليف ومشقة التنقل مع تدمير شبكات الطرق والمواصلات التي تربط بين المناطق المختلفة. ويبقى "المركز الوطني لعلاج الأورام" الذي افتتح في العام 2005 هو الوجهة الأساسية لعلاج اليمنيين والوحيد على مستوى اليمن الذي يمتلك قسماً للعلاج الإشعاعي. ولكن بسبب قلة الموارد والعجز الرسمي عن توفير نفقات المركز فقد أعلن توقف توزيع الأدوية المجانية للمرضى في العام 2020.
وفي الإمارات، فقد يبدو الوضع أكثر إيجابية، فوفق دراسة حديثة أجرتها "جمعية الإمارات للأورام"، تراجعت خلال أربع سنوات (5) حالات الإصابة بسرطان الثدي في المرحلة المتقدمة، بنسبة بلغت 3.1 في المئة، بسبب تنامي الوعي حول أهمية الكشف المبكر عن المرض. ويشكل سرطان الثدي نحو 36 في المئة من جميع أنواع السرطانات التي تصيب النساء، حسب بيانات رسمية للعام 2019. وتشير التقديرات إلى أن أعداد الإصابة بسرطان الثدي في الإمارات في تزايد. وبمقارنة عدد الإصابات في العامين 2014 و2019، فقد وصل عدد الإصابات إلى 883 حالة في سنة 2019، مقارنة بـ 768 حالة في سنة 2014. كما أن 21 في المئة من المصابات تحت سن الـ40، ونسبة المصابات بين سن الـ 25 والـ 45 هي 69 في المئة.
فيما تشير أرقام رسمية لوزارة الصحة المغربية إلى تصدّر سرطان الثدي عند النساء المغربيات بنسبة 36 في المئة، وقد أطلقت الحكومة حملاتها للكشف عن سرطان الثدي لتستفيد منها نحو مليون و600 ألف إمرأة. ولا يتوفر في المغرب سوى 9 مراكز لعلاج السرطان، إضافة إلى مركزين متخصصين في الأورام النسائية. وعلى الرغم من تزايد حالات السرطان في منطقة "الريف" المغربية، إلا أنه لا يوجد فيه أي مستشفى لعلاج السرطان والذي كان قد بدأ في الانتشار نتيجة الغازات السامة التي استخدمها الجيش الإسباني للقضاء على المقاومة (تشير تقديرات إلى أن 80 في المئة من حالات السرطان في المغرب تأتي من منطقة "الريف" في المنطقة الشمالية).
بينما في قطاع غزة، يشكل سرطان الثدي نسبة 32 في المئة من الأمراض السرطانية المشخصة عند النساء في القطاع. وتعاني النساء في غزة بشكل خاص، حيث لا تتوفر علاجات للسرطان في القطاع المحاصر فيقعن ضحايا سياسات الاحتلال وتعقيداته في إصدار تصاريح المرور للمرضى عبر معبر بيت حانون (إيرتز) شمال قطاع غزة. ولا يجدن سوى مساعدات من مؤسسات أهلية مثل "الجمعية الفلسطينية لرعاية مرضى السرطان"، وبعض نصائح وحملات تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ("الأونروا").
يحتل سرطان الثدي صدارة الإصابات السرطانية بين النساء. وحسب دراسة لـ "المركز العربي للدراسات الجينية" في العام 2010، كانت نسبة الإصابة بسرطان الثدي في اليمن 23 في المئة، وفي مصر 33 في المئة من إجمالي عدد الإصابات السرطانية. ويعد الأكثر شيوعاً بين النساء في دول "مجلس التعاون الخليجي، وتتصدرها البحرين. وهو منتشر أيضاً في الأردن ولبنان وليبيا وتونس والمغرب...
تبدأ أعراض سرطان الثدي في سن مبكرة بالمنطقة العربية، فيتم تشخيص ما يقرب من نصف المصابات في سن ما قبل ال50 عاماً، بمتوسط 49-52 عاماً مقارنة بمتوسط 63 عاماً في دول أوروبا وأمريكا الشمالية. وعلى سبيل المثال، في سلسلة كبيرة من حالات سرطان الثدي في لبنان، كان متوسط العمر أقل من سن الخمسين لدى 50 في المئة من النساء.
وحسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة السعودية، احتل سرطان الثدي المرتبة الأولى من بين الإصابات بالسرطان في المملكة وفق أحدث إحصاءات السجل السعودي للأورام في عام 2016، بنسبة 30.4 في المئة من مجموع السرطانات لدى النساء. وتشجع المملكة المستثمرين على بناء مستشفيات لعلاج الأورام، كما تطلق حملات للكشف المبكر مثل حملة "لا تنتظري الأعراض، افحصي الآن"، خاصة أن أكثر من 55 في المئة من الحالات يتم اكتشافها في مراحل متأخرة. بينما أتت الجهود العُمانية بنتيجة إيجابية في السنوات الأخيرة بعد تقديم "برنامج الفحص الوطني العماني"، فكشفت البيانات الرسمية للعام الجاري انخفاضاً بنسبة 41 في المئة في عدد حالات الإصابة المكتشفة بسرطان الثدي في المرحلة الرابعة، وزيادة بنسبة 86.15 في المئة في الحالات المكتشفة في المرحلة الأولى من المرض.
«ذاك المرض» الذي استوطن البصرة
28-05-2014
سوريا: الواقع المرعب لمرضى السرطان
14-04-2021
ووصف باحثون أن معدل انتشار المرض في دول الخليج العربي في تزايد، وتعد ثقافة زواج الأقارب المنتشرة في المنطقة عاملاً قوياً في استمرار زيادة معدلات الإصابة، نتيجة تركز العامل الوراثي. كما يعد انخفاض الوعي بأعراض المرض وأهمية الكشف المبكر عاملاً رئيسياً. ووفق دراسة حديثة، ظهر أنه في العام 2014، كان هناك 43.1 في المئة فقط من النساء في الكويت من اللواتي شاركن في دراسة استقصائية تتعلق بمدى وعيهنّ حول سرطان الثدي، لديهنّ معرفة جيدة عامة فيما يتعلق بالأعراض وعوامل الخطر وفحص الثدي. وجدت الدراسة أن ما يقرب من 2.5 في المئة من النساء الكويتيات من المتوقع أن يتوفين بسبب سرطان الثدي إذا لم يتم التدخل من قبل الحكومة. كما أن 7.8 في المئة فقط من النساء بين سن 40 و69 عاماً شاركوا في فحص التصوير الشعاعي للثدي في الكويت بين عامي 2014 و2019. كما وجد أن 46 في المئة فقط من الإماراتيات يطبقن الفحص الذاتي و28 في المئة خضعن للفحص السريري.
البحث العلمي
بشكل رئيسي، تعد مسألة عدم إدراك القطاعين الحكومي والخاص لأهمية البحث وتخصيص ميزانية للمؤسسات الأكاديمية، والافتقار إلى التعاون المؤسسي المحلي والتمويل لأبحاث السرطان، مسببين رئيسيين لتزايد معدل انتشار السرطان داخل الدول العربية. وبالنظر إلى الأبحاث الطبية بشكل عام في المنطقة العربية، فإن إنتاجيتها ضعيفة ولا تتعدى ربع المتوسط العالمي، فبلغ إنتاج الدول العربية من الأبحاث الطبية 76978 ورقة بحثية منشورة بين العامين 2007 و2016. وتصدرت مصر الترتيب بنسبة 32.1 في المئة، تليها السعودية 28.4 في المئة، وتونس 11.4 في المئة، ثم لبنان 5.9 في المئة، فالمغرب 5.2 في المئة، ثم الإمارات 5.1 في المئة. فيما قُدِّرت الأبحاث الطبية المتعلقة بالسرطان في الفترة ما بين العامين 2005 و 2019، بحوالي 26656 بحثاً، مثلت 1.52 في المئة فقط من الدراسات العالمية خلال تلك الفترة. نشرت مصر العدد الأكبر من تلك الدراسات بواقع8.917 دراسة، تليها المملكة العربية السعودية (6.589 دراسة). أي أن البلدان، من بين الدول العربية، يساهمان بحوالي 58.2 في المئة من إجمالي الأبحاث المنشورة المتعلقة بالسرطان. علاوة على ذلك، كانت هناك بلدان عربية لا تهتم بالبحث العلمي مثل جيبوتي وموريتانيا والصومال، وقد حصدوا المركز الأخير فلم يقدم ثلاثتهم سوى 4 أبحاث فقط في تلك الفترة، فيما لم تقدم جزر القمر أي بحث.
1- في العام 2013، أجريت دراسة في 27 موقعاً أثريّاً مختلفاً في مصر والسودان، وتم الكشف عن 46 حالة لهياكل عظمية ومومياوات يُشتبه في إصابتهم بالسرطان، كما كشفت جامعة "جين" الإسبانية في دراسة لها في العام 2015، عما اعتبرته أقدم حالات الإصابة بسرطان الثدي لسيدة ترجع إلى عصر الأسرة السادسة (2345-2181 قبل الميلاد)، وعُثر عليها في مقبرة غربي مدينة أسوان على بُعد نحو 900 كيلومتر جنوب العاصمة القاهرة.
2- للاطلاع على الاستراتيجية كاملة: http://www.crci.sci.eg/wp-content/.pdf
3- https://gate.ahram.org.eg/News/2271577.aspx
4- أظهرت دراسات حديثة أن المرأة المصرية تستغرق في المتوسط 4.4 شهراً من وقت ظهور أعراض المرض حتى تقوم بالفحص وبدء العلاج المناسب. ويختلف الرقم حسب نوع الرعاية الصحية والتي تتنوع بين القطاع العام والخاص، ففي معظم الحالات الوقت المستغرق من ظهور الأعراض حتى بدء العلاج أكثر من 6 أشهر، وهو وقت كافٍ لأن يصبح السرطان في مرحلة متقدمة ويمثل خطراً على المصابة.
5- حسب الدراسة، فإن معدل الإصابة بسرطان الثدي في المراحل المتقدمة كان 10.1 في المئة في سنة 2014، وانخفضت النسبة إلى 8.7 في المئة في سنة 2015، ثم انخفضت إلى 7 في المئة في عام 2017، بما يعادل 3.1 في المئة خلال إجمالي الفترة الزمنية.