فشل الرهان على التبرعات لدعم قطاع الصحة في مصر

نجاح مستشفيات العمل الخيري في مصر دفع بالسلطات إلى اعتماد أسلوب التبرعات: العديد من المستشفيات التعليمية، وهي مستشفيات حكومية تتبع وزارة التعليم العالي، باتت تقع ضمن قائمة مستشفيات التبرعات، مثل مستشفى القصر العيني ومعهد الأورام... حدث هذا "التوسع" قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، لكن قطاع الصحة بأكمله يبدو مهدداً ليس بسبب أزمة الدولة الاقتصادية فحسب وإنما لتعسر المتبرعين أنفسهم.
2022-09-07

وليد صلاح

صحافي من مصر


شارك
مسنشفى سرطان الاطفال، القاهرة - مصر.

في العام 1999، في احتفال حظي بتغطية إعلامية كبيرة، وضعت سوزان مبارك قرينة الرئيس الأسبق حجر الأساس لمستشفى"57357" (1) لسرطان الأطفال، كأول مستشفى مصري يعتمد في إنشائه وتشغيله على التبرعات فقط، ليتم افتتاح المستشفى للعمل رسمياً في 2007. مع هذا المشروع بدأت مرحلة "مستشفيات بالتبرعات" في مصر. تعتمد هذه المستشفيات على تبرعات المواطنين، وتديرها جمعيات أهلية لاقت التأييد والدعم من السلطات التي راهنت على أن هذه المستشفيات سترفع عن كاهلها عبئاً ضخماً.

أدى ذلك إلى التوسع في إنشاء هذه المستشفيات، وبلغت القائمة التي تضم أسماءها والمتاح التبرع لها لدى البنوك الحكومية المصرية 116 مستشفى، من بينها مستشفيات حكومية.

سقط هذا الرهان سريعاً مع اضطرار مؤسسة "57375" إلى إخلاء فرع المستشفى في طنطا، وإيقاف العمل به تخفيضاً للنفقات، بعدما عانى من نقص التبرعات لعامين متتاليين بسبب أزمة جائحة "كوفيد 19"، والظروف الاقتصادية.

قرار تجميد المستشفى أثار ضجة سياسية دفعت محافظ الغربية إلى عقد اجتماع عاجل مع المسؤولين عن المستشفى ورئيس جامعة طنطا، انتهى إلى تسليم المستشفى إلى جامعة طنطا لإدارتها، كونها تحتاج سنوياً لتشغيلها إلى ما يزيد عن 130 مليون جنيه مصري (6.8 مليون دولار).

مع مشروع مستشفى"57357" لسرطان الأطفال، المعلن عنه في العام 1999، بدأت مرحلة "مستشفيات بالتبرعات" في مصر. تعتمد هذه المستشفيات على تبرعات المواطنين، وتديرها جمعيات أهلية لاقت التأييد والدعم من السلطات التي راهنت على أن هذه المستشفيات سترفع عن كاهلها عبئاً ضخماً. 

هذه المستشفيات القائمة على التبرعات هي الوحيدة في مصر التي تقدم خدمة مجانية بنسبة 100 في المئة على عكس باقي المستشفيات، ومنها حتى المستشفيات الحكومية، التي تطلب في الأغلب مستلزمات وأدوية من المرضى.

قوائم انتظار وتوقف مشروعات

ورد على موقع مستشفى "57357" أن سبب تأسيس المستشفى كان اصطدام مؤسسها الطبيب شريف أبو النجا بالأوضاع السيئة لـ "المعهد القومي للأورام" الذي عمل فيه، ما دعاه إلى التواصل مع شخصيات عامة للتبرع للمعهد المنوي إنشاؤه قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويطلع هناك على مستشفيات المجتمع المدني.

ولكن تلك المستشفيات التي تأسست على هذا المنهج تعاني من أزمات مالية كبيرة، بدليل فترات الانتظار الطويلة. ففي "مركز د.مجدي يعقوب لقلب الأطفال" في أسوان، كانت فترة الانتظار قبل الأزمة لا تتجاوز 15 يوماً ولكنها بعد الأزمة وصلت إلى 6 أشهر، ما دفع جراح القلب الشهير إلى مقابلة بابا الفاتيكان لتوقيع بروتوكول مع "جمعية الطفل يسوع"، لتوفير الأدوية ومستلزمات العمليات للأطفال.

نجاح مستشفيات العمل الخيري في مصر دفع بالسلطات إلى اعتماد أسلوب التبرعات: العديد من المستشفيات التعليمية، وهي مستشفيات حكومية تتبع وزارة التعليم العالي، باتت تقع ضمن قائمة مستشفيات التبرعات، مثل مستشفى القصر العيني ومعهد الأورام... حدث هذا "التوسع" قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، لكن قطاع الصحة بأكمله يبدو مهدداً ليس بسبب أزمة الدولة الاقتصادية فحسب وإنما لتعسر المتبرعين أنفسهم.

دعمت السلطات مستشفيات التبرعات في أوقات سابقة بإعفائها من فاتورة المرافق، إلا أن هذا الإعفاء انتهى. فمثلاً مركز مجدي يعقوب فوجئ بمديونية مليون جنيه للكهرباء، بينما وجدت مستشفى "57357" نفسها مديونة بنحو 735 ألف جنيه.

الإنفاق الحكومي على الصحة 

ينص الدستور المصري المقر في العام 2014، على أن حجم الإنفاق على الصحة من إجمالي الناتج المحلي ينبغي أن يصل إلى 3 في المئة منه على الأقل. ولكن الإنفاق لم يبلغ هذه النسبة، وهذا أولاً، وثانياً جرى تخصيص الجزء الأكبر منه على الأجور والمكافآت. وقد أعلن البنك الدولي أن 72 في المئة من الإنفاق على قطاع الصحة في مصر يأتي من جيب المواطن المصري.

توسّع إنشاء هذه المستشفيات، وبلغت القائمة التي تضم أسماءها والمتاح التبرع لها لدى البنوك الحكومية المصرية 116 مستشفى، من بينها مستشفيات حكومية. لكن هذا الرهان سقط سريعاً مع اضطرار مؤسسة "57375" إلى إخلاء فرع المستشفى في طنطا، وإيقاف العمل به تخفيضاً للنفقات، بعدما عانى من نقص التبرعات لعامين متتاليين بسبب أزمة جائحة "كوفيد 19"، والظروف الاقتصادية.  

بحسب مناقشة الموازنة العامة المصرية في حزيران/يونيو 2022، فإن موازنة الصحة زادت بنحو 19 مليار جنيه، لتصل إلى 128 مليار جنيه بدلاً من 108 مليار في العام الماضي، خصص منها نحو 55 مليار جنيه للأجور والمكافآت.

نسبة الإنفاق على الصحة من إجمالي الناتج المحلي انخفض من 1.55 في المئة إلى 1.4 في المئة. وكان من المفترض أن يرصد 276.5 مليار جنيه لتصل النسبة إلى 3 في المئة من الناتج المحلي ليطابق الإعلان الدستوري.

ما مصير مشاريع المبادرات الرئاسية؟

لا يتوقف الاعتماد على التبرعات عند المستشفيات فقط، فالعديد من المبادرات الرئاسية في القطاع الصحي في السنوات الأخيرة اعتمدت على التبرعات، ولكن ليس عبر جمعيات أهلية كما الحال في المستشفيات، بل من خلال صندوق "تحيا مصر" الذي دشنه الرئيس السيسي عبر تبرعه بنصف راتبه في تموز/يوليو 2014.

وبحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، فقد شارك الصندوق القائم على التبرعات في العديد من المبادرات الصحية، منها مبادرة 100 مليون صحة الخاصة بمكافحة مرض التهاب الكبد الوبائي المعروف ب"فيروس سي"، ووفر الصندوق الجرعات العلاجية لنحو 363 ألف مريض مجاناً، فضلاً عن استفادة مليون و200 ألف مواطن من خدمة الكشف المجاني للفيروس، وتوفير الكواشف الطبية المستخدمة في الكشف. كما أنشأ "مركز تحيا مصر لعلاج أمراض الكبد" بالمجان في محافظة الأقصر، واعتبرت وزارة الصحة والسكان أن المركز هو الأول على مستوى المراكز المشاركة في حملة 100 مليون صحة.

ينص الدستور المصري المقر في العام 2014، على أن حجم الإنفاق على الصحة من إجمالي الناتج المحلي ينبغي أن يصل إلى 3 في المئة منه على الأقل. ولكن الإنفاق لم يبلغ هذه النسبة، وهذا أولاً، ثم وثانياً جرى تخصيص الجزء الأكبر منه على الأجور والمكافآت. وقد أعلن البنك الدولي أن 72 في المئة من الإنفاق على قطاع الصحة في مصر يأتي من جيب المواطن المصري. 

أطلق الصندوق مبادرة "يوم جديد" لتوفير حاضنات الأطفال المبتسرين، ووفّر 500 حضانة بمشتملاتها من أجهزة تنفس وحاضنات محمولة، بالإضافة إلى تطوير وتجهيز وحدة رعاية الأطفال المبتسرين بـ "مستشفى أبو الريش".

وبحسب الهيئة أيضاً، فإن الصندوق ينفذ المبادرة الرئاسية "كلنا جنبك" لإحلال وتجديد أجهزة الغسيل الكلوي بالمستشفيات العامة بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان، وكذلك المبادرة الرئاسية "نور حياة" لمكافحة مسببات ضعف وفقدان الإبصار بين البالغين وتلاميذ المرحلة الابتدائية... وبغض النظر عن العناوين المزدهرة والأسماء ذات الرنين، فما الذي ينتظر هذه المبادرات فيما لو شحت التبرعات إلى حد النفاد؟ 

______________________

1-  والاسم يطابق رقم الحساب البنكي للمستشفى! 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه