المناطق الصناعية المؤهلة كمختبرات للعولمة الاقتصادية في الأردن

خضعت المناطق الصناعية المؤهلة لعدد من الدراسات العلمية، في أغلب الأحيان بهدف تقييم كمي واقتصادي كلي لتأثيرها على النمو الاقتصادي وميزان المدفوعات وخلق فرص العمل، أو لفحص دورها في «حل الصراع» مع «إسرائيل». تهدف هذه الورقة إلى عرض نوع وشكل الاقتصاد الموجود في هذه المناطق، وبشكل أكثر تحديدًا، عرض آثار التحايل على القانون العام على تنظيم الإنتاج والعمل داخلها.
2022-08-18

شارك
المناطق الصناعية المؤهلة كمختبرات للعولمة الاقتصادية في الأردن عاملات في أحد مصانع الألبسة في الأردن عام 2016. عن موقع Better Work

تضاعفت المناطق الصناعية الحرة في جميع أنحاء العالم على مدار الخمسين عامًا الماضية، بينما تنوعت أشكالها. ومع ذلك، فإن لهذه المناطق المبدأ ذاته، وهو تعليق العمل بجزء من القانون العام الساري للسماح بالإنتاج منخفض التكلفة. يعكس وجود هذه المناطق رغبة الدول في زيادة جاذبية مناطق معينة، لتشجيع الشركات على نقل كل إنتاجها أو جزء منه إليها. وتستفيد هذه الشركات من الحالة الاستثنائية في الجمارك والضرائب والعلاقات التجارية، وأيضًا في بعض الأحيان في قانون العمل. وعليه، فرضت هذه المناطق نفسها على مر السنين كنموذج تنموي جديد في الغرب والشرق والجنوب والشمال.

ليس الهدف من هذه المناطق اقتصاديًا فحسب. فقد تم نشر المناطق الحرة (maquiladoras) في المكسيك في الستينيات. وكان الهدف من إنشاء الشركات في هذه المناطق استكمال النشاط الموسمي الذي يقوم بها المكسيكيون في الولايات المتحدة ووضع حد لهجرتهم شمالًا. لذلك، كان الهدف هو الإنتاج بتكلفة منخفضة وكذلك تنظيم موجات الهجرة.

خضعت المناطق الصناعية الحرة للعديد من الدراسات التي سلطت الضوء على دورها الحاسم في انفتاح البلدان، في الجنوب تحديدًا، على اقتصاد السوق العالمي. فمن وجهة نظر المروجين لها، توصف هذه المناطق بأنها مراكز نمو، تولد وظائف جديدة، وتعزز تبادل التقنيات بين الشركات والبلد المضيف، كما تعزز عملية التصنيع في البلدان النامية. ومع ذلك، تدعونا العديد من التجارب والدراسات النقدية إلى التشكيك في هذه الرؤية المثالية للمناطق الحرة، حيث لم تكن الآثار الإيجابية على الاقتصادات المضيفة دائمًا ملموسة.

في الدول العربية أيضًا يتم تقديم هذه المناطق كنموذج يجب اعتماده من أجل التنمية. فقد أصبحت المنطقة الحرة لجبل علي التي تم إنشاؤها في عام 1985 في الإمارات رمزًا لاستراتيجية اقتصادية تم تعميمها على مدار ثلاثين عامًا، وتتمحور حول جذب رأس المال الأجنبي والانفتاح على التجارة الدولية. وانتشار العديد من المناطق الحرة على مستوى الإقليم يشهد على محاولات الاستفادة من التموضع في فضاء التدفقات الدولية.

تأمل «إسرائيل» وتركيا والأردن ومصر وكذلك دول الخليج في الاستفادة من التطور السريع في التجارة مع القارتين الآسيوية والإفريقية. تتنافس هذه البلدان فيما بينها -رغم بعض المشاريع المشتركة- لفرض نفسها كساحة رئيسية لحركة المرور العالمية، بينما تبقى التجارة الإقليمية متواضعة وأكثر تقلبًا.

يظهر هذا كله بشكل خاص في الأردن، حيث تتبع الدولة برنامج الانفتاح على العولمة الاقتصادية الذي بدأ في أواخر الثمانينيات، والذي يتضمن، من بين أمور أخرى، انتشار المناطق المعفاة من الضريبة ومن القانون العام: المناطق التجارية، أو السياحية، أو الصناعية، أو المناطق الحرة الخدمية، أو المستودعات الجمركية، أو المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة.

من بين هذه المبادرات، هناك تجربة تستحق الدراسة بمزيد من الدقة وهي تجربة المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)، وهي في الأصل نتيجة لقرار أمريكي بتوسيع الإعفاء الجمركي المطبق على المنتجات الإسرائيلية ليشمل الصادرات من مناطق جغرافية محددة في الأردن؛ قرار يأتي في أعقاب توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994 بهدف تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين. كما يهدف هذا المخطط إلى خلق فرص عمل ونمو يحتاجه الأردن بشدة.

للمناطق الصناعية الحرة في جميع أنحاء العالم المبدأ ذاته، وهو تعليق العمل بجزء من القانون العام الساري للسماح بالإنتاج منخفض التكلفة.

هذه التجربة قديمة بما يكفي لتحقق نتائج يمكن ملاحظتها ودراستها. أدت المناطق الصناعية المؤهلة -التي تم إنشاؤها في أواخر التسعينيات- إلى تطوير صناعة الألبسة المخصصة بالكامل للتصدير إلى الولايات المتحدة؛ صناعة لها خصوصية كونها غير مرتبطة الى حدٍ كبير بالاقتصاد المحلي. استبدل بالعمال الأردنيين العمال المهاجرون، الذين يمثلون الآن أكثر من ثلاثة أرباع القوة العاملة في هذه المناطق، كما أن العديد من المستثمرين هم أجانب.

ومع ذلك، لا تزال المناطق الصناعية المؤهلة تحتل مكانة مركزية في المشهد الصناعي الأردني. فتتفوق صادراتها على صادرات القطاعات الأخرى، بما في ذلك الصناعات الاستخراجية (البوتاس، الفوسفات) وهي التي تسمح للأردن بتحقيق تبادل تجاري متوازن مع الولايات المتحدة. بالتالي، تحظى هذه المناطق الصناعية باهتمام خاص من الدولة الأردنية التي تعتبرها أداة مميزة للاندماج في فضاء التجارة الدولية، وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب، وخلق فرص العمل للعمالة الأردنية.

خضعت المناطق الصناعية المؤهلة لعدد من الدراسات العلمية، في أغلب الأحيان بهدف تقييم كمي واقتصادي كلي لتأثيرها على النمو الاقتصادي وميزان المدفوعات وخلق فرص العمل، أو لفحص دورها في «حل الصراع» مع «إسرائيل».

تهدف هذه الورقة إلى عرض نوع وشكل الاقتصاد الموجود في هذه المناطق، وبشكل أكثر تحديدًا، عرض آثار التحايل على القانون العام على تنظيم الإنتاج والعمل داخلها.

المسألة التي أود التأكيد عليها هي أنه على الرغم من تأثيرها الاقتصادي المحدود، فإن المناطق الصناعية المؤهلة لا تزال تشكل مختبرات لسياسة الاندماج في العولمة في الأردن. أي أن هذه المناطق الصناعية الحرة ليست بأي حال من الأحوال هامشية في الاقتصاد الأردني، وأنها تسهم في تحويل النظام الاقتصادي والاجتماعي العام. فعلى سبيل المثال، تُطرح شخصية العامل المهاجر «النشيط» و«المنضبط» الذي يعمل في هذه المناطق من قبل أرباب العمل وفي الخطاب العام في الأردن، لاستنكار «الكسل» و«نقص الانضباط» لدى العامل الأردني.

أقدم هنا بعض نتائج دراسة ميدانية أجريت في عام 2018، بعد الحصول على منحة من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمان، قمت خلالها بزيارة هذه المناطق ومقابلة شخصيات مختلفة (مدراء الشركة، عدد من العمال، ممثلو النقابات، وأشخاص فاعلون في القطاع العام).

المناطق الصناعية المؤهلة كقطاع استثنائي في الأردن

تم إنشاء أول منطقة حرة أردنية في عام 1973 في العقبة لتسهيل الترانزيت عبر مينائها البحري. وظهرت لاحقًا أشكال أخرى من المناطق الاقتصادية. في عام 2014، حل القانون رقم 30 المتعلق بالاستثمار نظريًا محل الإجراءات السابقة وسرى في مختلف المناطق الحرة الموجودة في البلاد.

وفقًا لهذا القانون، هناك نوعان من المناطق «ذات الفائدة» الاقتصادية: أولًا، «المناطق الحرة» التي تُعفى فيها الشركات من الرسوم الجمركية وكذلك من أي ضريبة على الأرباح والمبيعات. وثانيًا، «المناطق التنموية» الموجودة داخل الحدود الجمركية الأردنية، ولكنها تقدم أيضًا للشركات مستوى معينًا من الإعفاء الجمركي والضريبي.

عام 2018، كان هناك ست «مناطق حرة» حكومية و38 شركة مصنفة كمنطقة حرة خاصة، بالإضافة إلى 16 «منطقة تنموية» (أربع منها قيد الإنشاء). يضاف إلى ذلك «منطقة اقتصادية خاصة» تأسست عام 2001 وتشمل محافظة العقبة بأكملها (375 كم²) والتي تتمتع بمزايا «المناطق التنموية» بالإضافة إلى الاستقلال الإداري والمالي.

أما بالنسبة للمناطق الصناعية المؤهلة، فهي لا تصنف كـ«مناطق حرة»، لكنها تستفيد من اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» في عام 1985. وبموجب هذه الاتفاقية، يمكن لمنتج من «إسرائيل» الوصول بحرية إلى السوق الأمريكية إذا كان لديه على الأقل 35% قيمة مضافة إسرائيلية. اعتبارًا من عام 1996، منحت المنتجات من المناطق الصناعية المؤهلة نفس المعاملة بشرط أن تمثل حصص القيم المضافة الأردنية والإسرائيلية على التوالي ثلث هذه النسبة نفسها البالغة 35%، وذلك بموجب تشريع أمريكي عرف بنظام الـQIZ أو الكويز.

رغم أن الاتفاقية التجارية نفسها بين الأردن و«إسرائيل» والولايات المتحدة لم تعد فاعلة بعد عام 2010، إلا أن المناطق الصناعية المؤهلة لا تزال موجودة كقطاع محدد، أي صناعة المنسوجات والملابس المخصصة للتصدير إلى الولايات المتحدة.

لذلك، يجب على الشركة المستفيدة أن تتواجد في هذه المناطق، وأن تزود السلطات الأردنية والإسرائيلية بمعلومات مفصلة عن تكلفة وأصل مدخلاتها، وأن تثبت أن منتجها النهائي يتوافق مع الشروط. وبعد ذلك تحصل على ترخيص ساري المفعول لمدة عام واحد، مما يسمح لها بالاستفادة من الدخول المعفى من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة. وتمتلك هذه الشركات أيضًا تصريح «دخول مؤقت» للمدخلات المستخدمة في إنتاجها (الأقمشة، والإكسسوارات، والتغليف). كما تحصل على مزايا أخرى (الإعفاءات الضريبية، الإعانات المختلفة، التسهيلات الإدارية) مخصصة لجذب رأس المال وكذلك لخلق فرص العمل.

يمكن للشركات التي تصدر بموجب نظام الكويز أن تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الإلكترونيات أو المجوهرات أو العبوات البلاستيكية. ومع ذلك، أثبتت المنسوجات والملابس نفسها على أنها القطاع الرئيسي ثم الوحيد للنشاط منذ عام 2010.

أحد أسباب ذلك هو أن استيراد منتجات المنسوجات والملابس يخضع للضرائب الباهظة عند الدخول إلى الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، أن هذا الاستيراد خضع حتى عام 2005 لكوتا (في إطار اتفاق الألياف المتعددة، وهو اتفاق دولي هدفه حد الواردات في قطاع المنسوجات والملابس لحماية الصناعة في دول الغرب). لذا، فإن إمكانية دخول منتجات شركات المناطق الصناعية المؤهلة بحرية إلى السوق الأمريكية – معفاة من الرسوم الجمركية ومن الكوتا- تشكل في حد ذاتها ميزة كبيرة. وهي كافية لتشجيع المستثمرين الأجانب -خاصة الآسيويين- على نقل مصانعهم إلى الأردن الذي كان حتى ذلك الحين غير موجود على خريطة مصدري المنسوجات العالميين.

ومع ذلك، فإن نجاح الكويز بقي محدودًا، فمن بين 13 منطقة تم نشرها بين عامي 1997 و2010، هناك سبع مناطق فقط تشهد نشاطًا كمناطق صناعية مؤهلة، في حين أن المناطق الأخرى لا تتلقى الاستثمارات المتوقعة. اثنتان من هذه المناطق هي حكومية وتقع تحت مسؤولية «شركة المدن الصناعية الأردنية»، وهي شركة مملوكة جزئيًا للحكومة، مسؤولة عن تطوير وإدارة المناطق الصناعية، في حين أن المناطق الأخرى مملوكة ومدارة من قبل شركات خاصة.

ومن ناحية أخرى، فإن العديد من الشركات المتواجدة في هذه المناطق لا علاقة لها بنظام تصدير المناطق الصناعية المؤهلة، إذ سعت ببساطة للعثور على بنية تحتية مناسبة لأنشطة الإنتاج والتخزين والتصدير، أو حتى الاستفادة من الإعفاءات والمزايا الأخرى الخاصة بهذه المناطق. تستضيف مدينة الحسن الصناعية، التي تعد واحدة من المناطق الصناعية المؤهلة الرئيسية في البلاد، الصناعات الغذائية الزراعية والكيماوية والصيدلانية والمعدنية والإلكترونية -بالإضافة إلى المنسوجات- التي تصدر إلى وجهات مختلفة.

حلت اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مباشرة بين الأردن والولايات المتحدة (JUSFTA) أخيرًا محل نظام الكويز بعد عام 2010، مما يعني أن المصدرين إلى السوق الأمريكية معفون الآن من الالتزام بدمج القيمة المضافة الإسرائيلية في بضائعهم. كما أنهم لم يعودوا مجبرين على التواجد في المناطق الصناعية المؤهلة.

ومع ذلك، فقد اختاروا عدم مغادرة هذه المناطق، حيث يستمرون بالاستفادة من أسعار العقارات المواتية والبنية التحتية المناسبة والاستيراد المعفى من الرسوم الجمركية لمدخلاتهم. لذلك تستمر هذه الشركات في التميز عن غيرها من شركات المنسوجات والملابس في الأردن، بما في ذلك من حيث توزيعها في البلد. أدى ذلك إلى الحد من العلاقات مع الموردين الآخرين خارج المناطق الصناعية المؤهلة، ومنع ظهور صناعة فرعية محلية لإنتاج المدخلات.

بالنهاية، تشغل المناطق الصناعية المؤهلة مساحات محددة جغرافيًا، ولكن تشكل أيضًا نظامًا خاصًا للإنتاج المتحرر من القانون العام الأردني. ورغم أن الاتفاقية التجارية نفسها بين الأردن و«إسرائيل» والولايات المتحدة لم تعد فاعلة بعد عام 2010، إلا أن المناطق الصناعية المؤهلة لا تزال موجودة كقطاع محدد، أي صناعة المنسوجات والملابس المخصصة للتصدير إلى الولايات المتحدة.

بقية التقرير على موقع "حبر".

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...