إسرائيل تمد أوروبا بسرقاتها من الغاز العربي

هذه قصاصات من دفتر أحوال تجريف الثروات العربية في ظل غياب المحاسبة والمساءلة وتراجع الحلم بـ"ربيع عربي"، حيث إسرائيل - التي ترفض التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 - هي الرابح الأكبر دائماً مع كل تراجع لأحلام المواطن العربي في "حياة كالحياة".
2022-08-09

صفاء عاشور

باحثة وصحافية من مصر


شارك
حقل ظُهر

"وعد من لا يملك لمن لا يستحق" عبارة وصفت قديماً إعلان بلفور من قبل الحكومة البريطانية عام 1926، والذي أدى إلى احتلال الأراضي الفلسطينية، وزرع دولة إسرائيل في الجسد العربي.

واليوم تنطبق العبارة نفسها على الدولة المحتلة، إسرائيل، التي وعدت بتصدير الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي المصرية، متجاهلة النزاعات بينها وبين دول الجوار- الخفية منها والمعلنة - على حقول الغاز الطبيعي، في ظل تعنت واضح من قبلها في ترسيم الحدود البحرية، ورفض التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.

إعلان تصدير إسرائيل للغاز العربي إلى الاتحاد الأوروبي جاء خلال توقيع مذكرة تفاهم بمشاركة مصر منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي، والتي بموجبها سيعبر الغاز في الأراضي المصرية لإسالته أولاً.

مدة الاتفاق ثلاث سنوات، تجدد تلقائياً لعامين، والتعاون يأتي تحت مظلة "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي يضم سبعة أعضاء مؤسِّسين، بينهم ثلاث دول عربية هم: مصر والأردن وفلسطين.

بدائل الغاز الروسي

تهدف تلك المذكرة إلى توفير بدائل عن الغاز الروسي الذي كان يؤمن ما يزيد عن 40 في المئة من الاحتياجات الأوروبية قبل وقوع الحرب الأوكرانية، التي تسببت في انخفاض ضخ الغاز الروسي، وبخاصة من خلال خط أنابيب "نورد ستريم"، ما أدى إلى زيادة أسعار الغاز بنسبة تراوحت ما بين 44 إلى 167 في المئة في عدد من الدول الأوروبية.

وعلى الرغم من التفاوت الكبير بين ما تملكه كلٌ من روسيا وإسرائيل من احتياطي الغاز، فالأولى تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم (1) بنسبة احتياطي تصل إلى 19 في المئة من الغاز العالمي، بينما تصنف اسرائيل في المرتبة 69 على مستوى العالم، بنسبة احتياطي تصل إلى 0.3 في المئة من الغاز العالمي، إلا أن اتفاقية التعاون تعد واحدة من مصادر عدة ستلجأ إليها دول الاتحاد الأوروبي للتقليل التدريجي من الاعتماد على الغاز الروسي، الذي بلغت إمداداته 155 مليار متر مكعب خلال العام الماضي.

مقالات ذات صلة

لكن لماذا لجأ الاتحاد الأوروبي للغاز الإسرائيلي وليس المصري، على الرغم من أن مصر تتقدم فيما تملكه من احتياطي الغاز عن إسرائيل لتحتل المرتبة ال 14عالمياً؟ (2) الإجابة توردها بيانات الموقع الأمريكي World Population Review الذي يظهر التقارب بين أرقام ما تنتجه مصر من غاز طبيعي وبين ما تستهلكه، بعكس إسرائيل.  ففي حين تستهلك مصر 98 في المئة من إنتاجها، ليتبقى منه فائض يقرب من المليار متر مكعب، لا يزيد استهلاك إسرائيل عن نسبة 0.05 في المئة من إجمالي إنتاجها، ليتبقى 10.7 مليار متر مكعب للتصدير.

تحتل روسيا المرتبة الثانية على مستوى العالم بنسبة احتياطي تصل إلى 19 في المئة من الغاز العالمي، بينما تُصنّف اسرائيل في المرتبة 69 على مستوى العالم، بنسبة احتياطي تصل إلى 0.3 في المئة من الغاز العالمي. وتتقدم مصر فيما تملكه من احتياطي الغاز على إسرائيل لتحتل المرتبة 14عالمياً. 

وتمتلك مصر أيضاً خبرة واسعة في إسالة الغاز الطبيعي، حيث عمدت إلى إسالة الغاز وإعادة تصديره الى ما يقرب من 21 دولة وفقاً لما ذكره تقرير صادر عن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بداية العام الحالي، الذي أشار إلى  زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال خلال الربع الأول من العام الماضي، بعد إعادة تشغيل مصنع دمياط للإسالة عقب توقف دام ثماني سنوات.

جوانب خفية

لكن الأرقام والتقارير الموثقة والرسمية لا تكفي وحدها لإيضاح جميع الجوانب الغامضة لقصة العلاقات المصرية-الإسرائيلية فيما يخص ملف الغاز الطبيعي. فهناك زاويا أخرى في القصة تكشفها المطالبات الشعبية المصرية بوقف التعامل بين الجانبين في هذا الملف الحساس، فيما تلوح ملامح تشكيك في النوايا الاسرائيلية يتماشى مع الذهنية المصرية تجاه أي تعاون مع دولة الاحتلال، عملاً بالمثل المصري "لو كان خير ما كان رماه الطير".

لذا سنورد هنا ثلاثة أحداث  تطرح علامات استفهام تثير المخاوف حول إمكانية التلاعب بالبيانات والأرقام للتحجيم من ثروة مصر الحقيقية في مجال الغاز الطبيعي.

ودون ترتيب زمني، سنتوقف عند الحدث الأول عام 2012، حين رفع عدد من الشخصيات المصرية المشهود لها بالنزاهة، على رأسهم السفير الراحل إبراهيم يسري - وكيل وزارة الخارجية الاسبق - دعوى قضائية حملت رقم 7039 لسنة 67 قضائية، تطالب بإلغاء قرار الحكومة المصرية بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية، التي وقعتها مصر مع قبرص عام 2003.

إعلان تصدير إسرائيل للغاز العربي إلى الاتحاد الأوروبي جاء خلال توقيع مذكرة تفاهم بمشاركة مصر منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي. بذا تحاول دول الاتحاد الأوروبي التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي، الذي بلغت إمداداته 155 مليار متر مكعب خلال العام الماضي. لكن لماذا لجأ الاتحاد الأوروبي للغاز الإسرائيلي وليس المصري؟ 

وتتهم الدعوى، التي اعتمدت على دراسات ووثائق جادة، أن الاتفاقية تَرتَّب عليها استحواذ قبرص وإسرائيل على حقول غاز طبيعي مثل حقل "ليفياثان" الإسرائيلي، وحقل "أفروديت" المملوك لقبرص، الذي يدخل في عمق منطقة امتياز "نيميد" التي كانت مصر قد منحتها لشركة "شل" عام 2004، والتي بدورها انسحبت قبل استكمال الاكتشافات بالمنطقة عام 2011 دون مبررات منطقية.

وعلى الرغم من محاولات السلطة المصرية تجاهل ما جاء في تلك الدعوى، إلا أنه خلال عام 2015 أعلن عن اكتشاف حقل "ظُهر" بمنطقة "نيميد" نفسها، الواقعة على الحدود البحرية لمصر وقبرص، كواحد من أكبر حقول شرق البحر المتوسط، عقب توقيع الاتفاقية الإطارية لتقسيم مكامن الهيدروكربون بين مصر وقبرص عام 2013.

الاكتشاف الذي من شأنه قلب معادلة الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط لصالح مصر، نجح في سد عجز طلب السوق المصري من الغاز الطبيعي عام 2017، وأوقف القرار المزعج باستيراد الغاز من إسرائيل عام 2018 - وفقاً لبيان مجلس الوزراء المشار إليه.

الخبير الدولي دكتور نائل عمارة يؤكد أن العجز المصري المفاجئ في مجال الغاز يعد "لغزاً" ينبغي التوقف عنده. فمصر تلجأ إلى شركة "وود ماكنزي" منذ عام 2003 لعمل تقديرات سنوية حول احتياطي الغاز كل عام، وفى آخر تقاريرها عام 2010 أكدت تلك الشركة أن الاحتياطي المصري يكفي 28 عاماً. فهل جاء العجز  بسبب التصدير الجائر لإسرائيل خلال فترة حكم مبارك؟ 

اكتشاف حقل "ظهر" دلالة على اهتمام مصر باسترداد جزء من ثروتها من الغاز الطبيعي على الحدود البحرية القبرصية، وإنْ كانت توجهات السلطة ما زالت غير واضحة فيما يخص حدودها البحرية مع إسرائيل، التي بدورها تماطل في ترسيم الحدود البحرية مع أي من دول الجوار، كما يليق بدولة تتخذ من محو الآخر شرعية لوجودها.

القرار رقم 100

أما الحدث الثالث في مسألة الغاز المصري فجاء عام 2008، بصدور الحكم التاريخي  في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل، وإلغاء القرار رقم 100 لعام 2004 من قبل وزارة البترول في هذا الشأن.

علماً بأن قرار وزارة البترول المشار إليه لم يُنشر بالجريدة الرسمية كعادة القرارات الحكومية، وحاولت السلطة التكتم عليه.

لكن عُدِّل الحكم عام  2010 بالتراجع عن وقف التصدير لعدم الاختصاص، مع تعديل سعر بيع الغاز إلى إسرائيل ليتساوى مع قيمته العالمية. كل ذلك والغاز المصري يتعرض لاستنزاف مستمر دون رقيب، قبل أن  تتحول مصر فجأة إلى مستورد للغاز الطبيعي عام 2014.

خلال عام 2015 أعلن عن اكتشاف حقل "ظُهر" بمنطقة "نيميد" الواقعة على الحدود البحرية لمصر وقبرص، كواحد من أكبر حقول شرق البحر المتوسط، عقب توقيع الاتفاقية الإطارية لتقسيم مكامن الهيدروكربون بين مصر وقبرص عام 2013. 

حينها وصل العجز في الغاز الطبيعي إلي 0.2 مليار متر مكعب، بعدما سجل حجم الإنتاج: 46.8 مليار متر مكعب، مقابل الاستهلاك: 47 مليار متر مكعب، فلجأت مصر إلى إسرائيل، ووصلت قيمة استيراد مصر من الغاز عام 2016 إلى 1.8 مليار دولار وفقاً لورقة بحثية صادرة عن مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية.

دكتور نائل عمارة الخبير الدولي، أكد في فيديوهات سابقة نُشرت على يوتيوب، أن العجز المصري المفاجئ في مجال الغاز يعد لغزاً ينبغي التوقف عنده، فمصر تلجأ إلى شركة "وود ماكنزي" منذ عام 2003 لعمل تقديرات سنوية حول احتياطي الغاز كل عام، وفى آخر تقاريرها عام 2010 أكدت تلك الشركة أن الاحتياطي المصري يكفي 28 عاماً. 

فهل جاء العجز  بسبب التصدير الجائر لإسرائيل خلال فترة حكم مبارك، أم أن التقارير المشار إليها شابها عدم الدقة؟ وهل يُعقل أن دولة بدأت في استخراج الغاز الطبيعي من أراضيها منذ عام 1967 ليس لديها تقديرات مسبقة عن العجز المحتمل؟

لا إجابة حاضرة الآن، خاصة أن أياً من المسؤولين عن قرارات تصدير الغاز لإسرائيل لم يتعرضوا للعقاب، وحصل جميعهم على أحكام بالبراءة عام 2016.

ثروات مهدرة

للبنان أيضاً نصيب من التعدي الإسرائيلي على ثروته من الغاز الطبيعي، عبر حقل "كاريش" بحدوده الجنوبية، الذي اكتشف عام 2013. وكخطوة استفزازية معهودة، تحركت إسرائيل لبدء استخراج الغاز منه بداية حزيران/ يونيو الماضي، متجاهلة الوساطة الأمريكية، وتهديدات حزب الله بالرد.

على الرغم من أن كل ما تكتشفه إسرائيل من ثروات طبيعية يعود للشعب الفلسطيني في الأساس، بما فيه الغاز الطبيعي بالطبع، إلا أن السلطة الفلسطينية بدورها سعت للحاق بزمرة دول شرق البحر المتوسط المكتشِفة لحقول الغاز، عن طريق اكتشاف حقلي "غزة مارين" و"بوردر فيلد" عام 1999. لكن تعنت الاحتلال الإسرائيلي حال دون استخراج الغاز بالحقلين. 

لوري هاتيان، الخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز قالت أن الحكومة اللبنانية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لإثبات حقها في حقل "كاريش"، من ضمنها تعديل المرسوم 6433 - الخاص بتعديل الحدود البحرية للبنان -.

مقالات ذات صلة

مضيفة ان التنازع على الحدود البحرية مع اسرائيل في البلوك رقم 8 و9 يعد من العوامل غير المشجعة لشركات التنقيب العالمية، ومن ضمنها شركة "توتال" الفرنسية التي ترهن الاستكشاف في بلوك رقم 9 لصالح الجانب اللبناني لحين الحصول على ضمانات كافية.

علماً بأن اكتشافات الغاز الطبيعي لن تكون الحل السريع لمشكلة الطاقة للبنان وفقا لهاتيان، فالأمر يتطلب أيضاً التوسع في بناء محطات الكهرباء ووجود استراتيجية واضحة وتنظيم قطاع الطاقة من قبل الدولة.

على صعيد دولة فلسطين المحتلة، نجد أن نجاح السلطة الفلسطينية في استخراج الغاز الطبيعي من شأنه إحداث طفرة في مجال الطاقة، والحد من التبعية الفلسطينية لإسرائيل في مجال الكهرباء، وذلك وفقاً لورقة بحثية صادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

وعلى الرغم من أن كل ما تكتشفه إسرائيل من ثروات طبيعية تعود للشعب الفلسطيني في الأساس، بما فيها الغاز الطبيعي بالطبع، إلا أن السلطة الفلسطينية بدورها سعت للحاق بزمرة دول شرق البحر المتوسط المكتشفة لحقول الغاز، عن طريق اكتشاف حقلي "غزة مارين" و"بوردر فيلد" عام 1999. لكن تعنت الاحتلال الإسرائيلي حال دون استخراج الغاز بالحقلين، بقيمة غاز تقدر ب 8 مليارات، وفقاً للورقة البحثية الفلسطينية المشار إليها.

مصر بدورها دائماً ما تلوح بتأييد الحق الفلسطيني في استغلال غاز الحقلين، ضمن إطار منتدى غاز شرق المتوسط الذي تعد فلسطين من مؤسسيه، لكن النوايا الطيبة لا تترجم على أرض الواقع منذ  ما يقرب من ثلاث سنوات هي عمر تأسيس المنتدى، الذي يتخذ من مصر مقراً له.

ما سبق ذكره ما هو إلا قصاصات من دفتر أحوال تجريف الثروات العربية في ظل غياب المحاسبة والمساءلة وتراجع الحلم بـ "ربيع عربي". أما إسرائيل فهي الرابح الأكبر دائماً مع كل تراجع لأحلام المواطن العربي في "حياة كالحياة".  

______________________

1  - وفقاً لتقديرات الموقع الأمريكي World Population Review
2 - وفقاً للمرجع نفسه

مقالات من العالم العربي

ميلادٌ آخر بلا عيدٍ

2024-12-26

وجّه الأب "منذر إسحق" رسالة الميلاد من بيت لحم إلى العالم، قائلاً: "احتفالات الميلاد ملغاة. لا وجود لشجرة ميلاد، للأضواء، للاحتفالات في الشارع... من الصعب تصديق أننا نعيش ميلاداً آخر...

للكاتب نفسه