"الخط": معجزة معمارية أم كارثة كاملة؟!

هل هي جنة من صنع البشر (والمال) أم كارثة جحيمية؟ وهل تكفي الرغبة بالابهار لتبرير الفكرة؟ وأي خبثاء من "المعماريين العالميين" باعوا الفكرة لمن رؤوا فيه "بدوي" (بالمفهوم الغربي المتعالي) بالغ الثراء..
2022-08-04

شارك
تصور رقمي بصري لمدينة الخطّ

تبدو تلك المدينة غير العمليّة بالمرّة وكأنها تصميم خيال علمي أوعز به شخص لا يتجرأ أحد على رفض طلب له... هكذا يتداول عدد من النقاد آراءهم حول مشروع مدينة "الخطّ" (بالمناسبة، تعرِّف بها صفحات "نيوم" على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "ذا لاين" بالعربية - لا "الخط") التي ينوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المعروف بطموحه الجامح ومخططه المستقبلي "رؤية 2030" للمملكة، إقامتها في الصحراء، كجزء من "نيوم"، مدينته "النموذجية" في منطقة "تبوك" على البحر الأحمر. ترك الفيديو الترويجي لمدينة "الخطّ" والصور التي نُشرت الأسبوع الماضي عنها، المعماريين والمهندسين ومصممي المدن في حالة ذهول مما يقترحه هذا المشروع: مدينة هي عبارة عن ناطحتي سحاب عملاقتين متوازيتين، يبلغ ارتفاع كل منهما 500 متر (أي أنها ستكون من أعلى الإنشاءات في العالم)، مغلّفتين بمرايا هائلة على كامل مساحة حيطانهما! لا يفصل بينهما عرضاً سوى 200 متر، ويمتدّان طُولاً على مسافة 170 كلم من البحر الأحمر وعبر الصحراء وصولاً إلى الجبال.

المدينة التي تنوي إيواء 9 ملايين شخص بشكل عامودي كثيف (الوحدات السكنية ومراكز الترفيه والتسوق والمدارس والحدائق كلها مصممة بشكل عامودي)، من المتوقع أن تتجاوز تكلفتها 1 ترليون دولار. عند إطلاق المشروع، صرح ولي العهد محمد بن سلمان: "لا يمكننا تجاهل أزمة البيئة وكذلك أزمة طريقة الحياة اللتين تواجهان مدن العالم. ولذا نسعى في "نيوم" أن نكون في طليعة من يقدمون حلولاً جديدة ومبتكرة. ونحن اليوم عازمون على تنفيذ فكرة البناء إلى الأعلى، من خلال مجموعة من ألمع العقول في الهندسة المعمارية والبناء على مستوى العالم". في الإعلان الترويجي، يسمون المدينة "ثورة حضارية"، أولوياتها الصحة والاستدامة. وبفخر يٌقدَّم الذكاء الاصطناعي كحلّ سحري "لحفظ الوقت والجهد".

تبدو المدينة من كل النواحي طالعة من كتاب خيال علمي "ديستوبي"( بمعنى الكئيب والمخيف والذي يقض المضاجع، والdystopia هي نقيض ال utopia!)، تعد بجنّة على الأرض، لكنها فعلياً أشبه بممرّ تغلقه وتغلّفه ناطحات السحاب من كل حدب وصوب، ويترك الاحتمالات مفتوحة أمام كل السيناريوهات الكارثية التي لا تعيرها نشوة إعلان المشروع وصوره وبصرياته المغرية أي اهتمام. ماذا لو اضطرت المدينة للتعامل مع وباء مثل كوفيد 19، مع إشكاليات الأمن والنقل، مع أنسنة بشر يعيشون في كبسولة طوليّة ضيقة، مع أسئلة الطبيعة المحيطة، أسراب الطيور المهاجرة التي تمتد ناطحات السحاب ل170 كلمتراً في فضائهم وقد تقتل تنوعاً بيولوجياً مهماً... إلى ذلك من أسئلة؟… هل هي جنة من صنع البشر (والمال) أم كارثة جحيمية؟ وهل تكفي الرغبة بالابهار لتبرير الفكرة؟ واي خبثاء من "المعماريين العالميين" باعوا الفكرة لمن رؤوا فيه "بدوي" (بالمفهوم الغربي المتعالي) بالغ الثراء... يا لبؤسنا!  


وسوم: العدد 511