دمار للإيجار.. مرحبا بكم في ستوديوهات سوريا!

2022-07-21

شارك
مشهد مرعب من ذاكرة حصار مخيم اليرموك اللصيق بالحجر الأسود

هل تحتاجون إلى موقع تصوير لأفلام عن الحروب والنزاعات والمآسي؟ إذاً لا تبحثوا طويلاً، فهذه المناطق السورية وقد صار ستوديوهات عملاقة مفتوحة للقاصي والداني. هنا، محلّ ما عاش بشرٌ تجارب عمرهم، تعلّموا، تزوّجوا، ربّوا أولادهم، حزنوا وفرحوا... هذه - أحياؤهم وبيوتهم وكل مكانٍ لهم فيه ذِكرى - مشاعٌ للمشاهدين، وقبلهم للمنتجين السينمائيين الباحثين عن "توفير قرشين" بالتصوير في مواقع جاهزة بدل تصميمها. فمهما اجتهدوا في تصميم الخراب، لن يستطيعوا إنجاز ما أنجزته 11 سنة من الحرب في هذا البلد المنهك، سوريا.

هذا هو الواقع المرّ الذي طال منطقة الحجر الأسود في ريف دمشق، حيث يتمّ حالياً تصوير فيلم سينمائي بعنوان Home Operation من إنتاجٍ صيني-إماراتي مشترَك، منتجه الرئيسي النجم الصيني ذائع الصيت، جاكي شان. موضوع الفيلم لا يتعلق بسوريا، بل يصوِّر عملية إجلاء لأكثر من 600 مواطن صيني بالإضافة إلى ديبلوماسيين أجانب من بلد وهمي يدعى "بومان". القصة مستوحاة من أحداث حقيقية للإجلاء الطارئ الذي أجرته الصين من اليمن بعد اندلاع الحرب فيها عام 2015. ويستخدم الفيلم بالإضافة إلى الممثلين الصينيين ممثلين سوريين أُلبِسوا الزي اليمني وقُلّدوا أسلحة ليكونوا محاربين يمنيين. فبلد "بومان" هذه قد تكون سوريا أو اليمن أو أياً من بلداننا المنكوبة، لا فرق، طالما الخراب حاضر! و"بناء أماكن مشابِهة مكلِفٌ جداً. هنا يوجد ستوديو جاهز ومناسب لأي شخص يرغب بتصوير أي مشهد مرتبط بالحرب". هكذا صرّح المخرج المنفّذ في سوريا رواد شاهين لوكالة "فرانس برِس"!

ممثلون سوريون باللباس اليمني أمام لافتة وضعها طاقم فريق التصوير تقول حب وسلام (المصدر AFP)

والمنطقة التي يتكلّم عنها، الحجر الأسود، محاذيةٌ لمخيّم اليرموك. كانت والمخيّم منطقة حصارٍ محكم من قبل قوات النظام السوري، رافقه قصف وغارات بين عامي 2013 و2018، بالإضافة إلى تجويع وظروف مرعبة أفضت إلى واحدةٍ من أقسى الصور وأكثرها حفراً في الذاكرة خلال سنوات الحرب في سوريا... تلك التي يظهر فيها بحر من البشر يملؤون كل شبر من الشارع، منتظرين الحصول على الغذاء.

الصورة أبلغ من أي فيلم، فأين هم أهلها اليوم وماذا تبقّى لهم؟

قد يكون أغلبهم يعيش في الأثناء في مخيمات نزوح شمال غرب سوريا، منتظرين العودة إلى منازلهم. وقد يكون آخرون لجأوا إلى أماكن أخرى في بلاد الجوار أو بلاد الله الواسعة...

تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع الخبر، وعبّر سوريون كثر عن غضبهم من تحوّل شوارعهم وبلداتهم وبيوتهم المدمرة إلى ديكور لأفلام تجارية وطريقة للتكسّب الرخيص، دونما اعتبار لكل أولئك الذين كانت حياتهم بين جنبي هذه الأرصفة والجدران. فيما اعتبر آخرون أن الخطوة تلفت الأنظار إلى سوريا مجدداً وتشجع "الحياة الطبيعية" فيها! هي نفس تلك "الحياة الطبيعية" التي يُظهّرها الرئيس بشار الأسد رفقة عائلته عندما يظهرون متأنقين في زيارة هي الأولى إلى مدينة حلب منذ عام 2011، يمشون صفاً واحداً في شوارع مدينةٍ منكوبة، سيّاحاً، أو أبطالاً لفيلم "أبوكاليبسي" لا ناس فيه.  

مقالات من العالم العربي

انهيار التعليم العام في منطقتنا

تتصل مسألة التعليم بشكل مباشر بالوعي الجماعي والتعاون الاجتماعي في أي مجتمع، أي وباختصار بعملية َتشكّله. وهذه مقاربة أولى تسجِّل المعطيات الموضوعية لتراجع التعليم العام في منطقتنا بل وانهياره. فما...