عن "نيرة".. شابة لم ينحرها قاتلها وحده

"عمره ما يعمل كده".. في شريط فيديو مصور انتشر عبر مواقع التواصل، يتحدث أحد جيران القاتل ويصفه بأنه يتحلى بالأخلاق، وأنه لا يُسمع صوته إلا حين يضرب والدته وشقيقاته البنات! ولنا أن نتصور كم من الناس داخل مجتمعاتنا يرون أن الاعتداء على النساء أمرٌ عادي بل مرغوبٌ به من باب التهذيب واللجم.
2022-06-29

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
هافي كهرمان - العراق

جريمة مروعة في وضح النهار شهدتها مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية المصرية بعد أن أقدم أحد طلاب الجامعة على طعن زميلته "نيرة أشرف" (21 عاماً) وذبحها بالقرب من بوابة كلية الآداب. ولم تتضح دوافع القتل إلا بعد مرور ساعات على الجريمة إذ تبين أنّ القاتل أراد الارتباط بالقتيلة، ولكنها رفضته أكثر من مرة. سقطت نيرة في بحر من الدماء بعد تلقيها طعنتين ونحر رقبتها بحسب تقرير الطب الشرعي.

هو الشعور بالاستحقاق كأحد امتيازات الذكور الاجتماعية التي تسببت في وصول العنف ضد النساء والفتيات إلى حد الوقاحة، والجريمة أحياناً. ألغى هذا الشعور عند أصحابه فكرة الحق في الرفض أو القبول من قاموس العلاقات الاجتماعية، ولعل عبارة "ابننا مايترفضش" التي نستمع إليها دوماً ما هي إلا تجسيد يعكس مدى تغلغل الاستحقاق في جسد المجتمع.

ما قبل الجريمة

أوضحت أسرة "نيرة" أن القتيلة تعرضت للابتزاز الالكتروني من القاتل عدة مرات بعد رفضها الارتباط به، حيث قام بإنشاء عدة حسابات تحمل صور القتيلة على مواقع التواصل الاجتماعي، واستمر في اللجوء إلى التشهير بها. كما كشفت تحقيقات النيابة العامة عن وجود رسائل تهديد من القاتل على هاتفها المحمول أثناء فحصه، تضمنت تهديدات بالذبح إذا لم تتزوجه.

وعلى الرغم من لجوء الضحية إلى القانون وتحرير محاضر بعدم التعرض لها، لحمايتها من ملاحقات قاتلها، إلا أنها كانت محاولات بلا جدوى، فالمحاضر لم تنفذ. يقول "ياسر سعد" المحامي بالاستئناف وعضو بمكاتب المساندة القانونية، أن القانون المصري لا يُلزم الجهات القضائية وجهات التحقيق بالتحرك في محاضر إثبات الحالة. فبمجرد وصول المحاضر إلى النيابة يتم حفظها، وبالتالي لا توفر وزارة الداخلية حماية للمواطنين من الملاحِقين.

وهكذا يستنكف القانون عن منع الجريمة، ومع تفاقم معدلات العنف الموجه ضد المصريات، هناك نساء يفتقدن الحماية التي يحتجنها أكثر من أي وقت مضى.

الحجاب أو القتل

بعد انتشار فيديو الجريمة، أصبحت الواقعة حديث وسائل التواصل الاجتماعي، بين ردود أفعال غاضبة وأخرى صادمة. فيقول أحد المعلقين: "صورتها اللي بشعرها دي كفيلة تطمسها في جهنم"، ويصفها معلق آخر بأنها "متبرجة" ولا يجوز الترحم عليها لأنها لا ترتدي الحجاب!!

في مصر، وفي أكثر من واقعة عنف ضحيتها امرأة، يتم توجيه اللوم إلى الضحية بدلاً من الجاني. هذه الخطابات المكتظة بالكراهية والمنغلقة دينياً لا تختلف عن القاتل في ارتكابه جريمته، وكأنّ الضحية تُقتل مرتين. الملفت أيضاً أن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي قاموا بالتلاعب بصورة نيرة لتظهر مرتدية الحجاب، كما وُضعت لها صورة بالحجاب أيضاً في مكان الجريمة رغم أنها ليست محجبة.

"اتحجبي عشان تعيشي" و"اخرجي من بيتك بقفة". بعد وقوع الحادثة خرج الداعية "مبروك عطية" في مقطع فيديو عبر صفحته الشخصية، موجهاً للفتيات أثناء حديثه ما يمكن اعتباره تهديداً، حيث دعا الفتاة إلى ضرورة الالتزام بالحجاب وعدم ارتداء الملابس الضيقة وإلا سيقتلها الرجال، معتبراً أن الفتاة هي التي تتحمل المسؤولية. فإذا تصرفت المرأة على عكس ذلك، عليها أن تدفع ثمن حريتها.

تطبيع مع الجريمة

بحثت الصحف المحلية عن الإثارة على حساب الضحية. فعلى سبيل المثال نشرت إحدى الصحف على موقعها الالكتروني تساؤلاً عن سبب ذهاب الطالبة إلى الجامعة في ذلك اليوم، وتحت عنوان "مفاجأة كبرى"، تقول أن الطالبة لم يكن لديها امتحان في اليوم نفسه! كما تم نشر تصريحات منسوبة للقاتل خلال التحقيقات يقول فيها: "ادفنوني معاها"، في محاولة بائسة (ومقزِّزة) لجلب التعاطف والتأثير على الرأي العام.

"عمره ما يعمل كده".. في شريط فيديو مصور انتشر عبر مواقع التواصل، يتحدث أحد جيران القاتل ويصفه بأنه يتحلى بالأخلاق، وأنه لا يُسمع صوته إلا وهو يضرب والدته وشقيقاته البنات! ما يفسر أن للعنف الواقع ضد المرأة حاضنة مجتمعية، إذ لا يستنكر جار القاتل اعتداءه على أهل منزله من النساء. ولنا أن نتصور كم من الناس داخل مجتمعاتنا يرون أن الاعتداء على النساء أمرٌ عادي بل مرغوب به من باب التهذيب واللجم، بينما يستهوي المجتمع ثقافة النيل من الضحية وتبرير الفظائع باسم الدين.

***

حَوّل العنف المتصاعد حياة النساء في مصر إلى كابوس، وقد أعادت قضية مقتل نيرة الحديث عنه إلى الواجهة من جديد. فتحْت عنوان "أنا الضحية القادمة"، دونت مجموعة من المصريات، مؤكدات على أنّ الواقعة لن تكون الأخيرة بحق النساء في ظل تداول عدد من التعليقات المسيئة للضحية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.  

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه