أطلقت منصة "أخبار الساحة" المستقلّة يوم 15 حزيران / يونيو 2022 أرشيفاً كبيراً من المواد البصرية، من صور وفيديو، بالإضافة إلى بيانات ونصوص توثّق التحركات الاحتجاجية والمطالب والانتهاكات بحق المحتجين في لبنان منذ عام 2019، بدءاً بـ"حراك المخيمات" الفلسطينية في تموز/ يوليو 2019 اعتراضاً على قرار وزارة العمل حينها بمنع ومكافحة "العمالة الأجنبية" في لبنان، ووصولاً إلى احتجاجات "17 تشرين" من العام نفسه وما تلاها من تحركات واسعة شملت كامل البلاد بمدنها وأطرافها.
أرشيف تعاوني
تأتي أهمية المشروع من جِهة باعتنائه بجانبٍ قلّما التُفت إليه في الأرشفة - الشحيحة أصلاً - في بلدٍ كثيف الأحداث والمتغيرات، ومن جهة أخرى لكونه جهداً يستند إلى شبكة واسعة ولامركزية وتعاونية من المراسلين أو المشاركين بالاحتجاجات، تضمّ مواطنين وناشطين وصحافيين لبنانيين وفلسطينيين ولاجئين، يغذّون الأرشيف بمواد غالباً ما لا تجد طريقاً لها إلى منصّات الإعلام التقليدية. وقد أسفر هذا الجهد الجمعي عن أرشيف ضخم، جُمع على مدى سنتين، يضمّ 10 آلاف مادة عن الاحتجاجات في لبنان (6900 فيديو، 2450 صورة، 600 بوستر، 79 نصاً)، ويدعو الجميع إلى مشاركة أرشيفهم الخاص من المرحلة، فاتحاً الباب أمام ممارسات أرشيفية أكثر تشاركيةً وتعاونية.
ولعلّ أداء المؤسسات الإعلامية التقليدية في لبنان التي "ساهمت قصداً بتشويه الواقع والتحريض على المحتجات/ين"، حسبما ذكرت المنصة نفسها على موقعها الالكتروني، شكّل حافزاً أساسياً لفكرة تأسيس هذا الأرشيف. تعتبر منصة "أخبار الساحة" أن غاية وجود هكذا أرشيف هي حفظ الذاكرة ومحاولة ضمان رواية أكثر دقة للتاريخ النضالي. وهي تأخذ في الاعتبار إتاحة الأرشيف بشكل خام لجميع الراغبين بالاطلاع عليه منعاً لمحاولات السلطات المستمرة طمس الانتهاكات أو تجاهلها. تحاول المنصة "تقديم سرديّة للأحداث من وجهة نظر صانعيها وليس السلطة"، وهي بهذا لا تدعي حياداً، بل انحيازاً لوجهة نظر تجعل من حراك المخيمات الفلسطينية واحتجاجات المناطق المهمشة والتحركات الطلابية والنسوية على أنواعها في صلب الاهتمام وأخباراً أساسية لفهم التحركات الشعبية بخطها الزمني وسيروراتها، أدوارها وأطوارها.
عن حراك المخيمات
"استكشِف الأرشيف"
يتيح الموقع الإلكتروني لأرشيف الاحتجاجات البحث عن المواد بناء على العناوين، طبيعة المواد (صورة، فيديو، بوستر، نصّ)، المحافظة، المدينة/ البلدة، المَعْلَم (بمعنى أماكن الاحتجاج الرئيسة)، وبشكل أكثر تفصيلاً، بناء على التواريخ، الهتافات، الشخصيات، المصادر، الناشر، والكلمات المفتاحية التي اختيرت بعناية لتعكس أبرز مواضيع وجوانب الاحتجاجات. عند البحث عن صور متعلقة بتاريخ محدد على سبيل المثال، يتمّ فرز النتائج بحسب الصور الأكثر مشاهدة أو بحسب الأقدمية. تقدم المنصة مواداً إخبارية خام، تمرّ بالتدقيق والتحقق من صوابها لكن دونما تدخل – إلّا بما يضمن مجهولية بعض الأشخاص أحياناً لحمايتهم من الملاحقة - وتبقي الأبواب مشرّعة لنموّ الأرشيف بمساهمات المتابعين والمراسلين والمهتمين، واعدة باستمرار العمل على أرشفة الاحتجاجات التي قد تلي أيضاً.
تحت عنوان "عن الأرشيف"، تشارك المجموعة رؤيتها لأهمية فعل الأرشفة بالقول: "نسعى، عبر موقع إلكتروني، إلى تعميم هذه المواد لتكون متاحة للجميع، إيماناً منا بأهمية الذاكرة، والتجارب الحالية والسابقة، في تعزيز إمكانيات الاحتجاج ومراكمة خبراته وفعاليته". يتموضع المشروع بين صفوف الناس المحتجين إذاً، ويعلن عن رغبته في الإسهام في إفادة الحركة الاحتجاجية ومسارها، إذ يتيح قراءة وإعادة قراءة للأحداث التي توالت في تاريخنا القريب وبالتالي مراجعتها ونقدها والبناء عليها في المستقبل.
كانت منصة "أخبار الساحة" على فيسبوك بالذات قد نشطت خلال احتجاجات "17 تشرين 2019" بشكل جدّي وحثيث، في نقل الأخبار والفيديوهات والصور ساعة بساعة من كل ساحات الاحتجاج. وهي إذ تستمر بنقل الخبر كممارسة يومية على مواقع التواصل الاجتماعي، تمكّن منصّة الأرشيف المطلقة حديثاً بالموازاة من الإفادة من التحديث والزيادة، بما يضمن أرشيفاً حياً يتسع باتساع حركات الاحتجاج والمطالبات الشعبية، وفي الوقت نفسه يتحرر من رقابة مواقع التواصل مثل فيسبوك أو يوتيوب على المحتوى الذي قد يتم حظره لأي سبب أو حجّة، وبالتالي تحفظ هذا المحتوى وتعممه دون عائق.
الجدير بالذكر أن أرشيف الاحتجاجات في لبنان نال بعد أيام قليلة على إطلاقه، في 20 حزيران / يونيو، تنويه لجنة التحكيم في جائزة Ars Electronica 2022 عن فئة "المجتمعات الرقمية"، من ضمن 395 مشروعاً مقدماً.