مقابلة مع حمزة حموشان*
أجرتها سلمى قاسمي**
تواجه الجزائر، رغم ما لديها من مواردَ شمسيةٍ وافرة وبرنامج إنتاج طاقاتٍ متجددة طموح في أفق العام 2030، مصاعبَ منذ عقد في إطلاق انتقالها الطاقوي الأخضر. فلا انخفاض سعر خام النفط منذ سنوات 2014 إلى 2020، ولا تبعيةُ الاقتصاد الوطني الشديدة لصادرات المحروقات، حثَّ السلطات الجزائريةَ على مضاعفة الجهود بقصد تطبيق برنامج طاقاتٍ متجددة من شأنه ضمانُ أمن الجزائر الطاقوي وحتى تصدير طاقة نظيفة عند الاقتضاء.
ما الحائل دون إطلاق هذا الانتقال الطاقوي؟ كيف يمكن إرساءُ نموذج انتقالٍ طاقويٍ مرافقٍ لانتعاش اقتصادي، وصائنٍ للمصالح الوطنية، وضامنٍ للبلد مكانةً في الرقعة الجيوستراتيجية للطاقات المتجددة، لا سيما الشمسية؟
يمدنا د. حمزة حموشان، الباحثُ والمناضل في مجال العدالة البيئية، بتحليله لما يجب أن يكونَهُ انتقالٌ طاقويٌّ عادل بالجزائر(1).
- قبل تخصيص الحديث لخطة الطاقات المتجددة في الجزائر، يُستحسن تناول مسألة الأزمة المناخية وأثرها على الجزائر وعلى منطقتنا، أفريقيا الشمالية، بصورة عامة.
حمزة حموشان: لقد باتتْ آثارُ تغير المناخ واقعاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تُقوِّض الأسس الاقتصادية-الاجتماعية والايكولوجية للحياة في المنطقة. وينزل وقْع هذه الأثار بنحو غير متناسب على كاهل الأشخاص المهمشين في المجتمع، لا سيما صغارِ المزارعين ومربّي الماشية والصيادين. ويضطر بعض الأشخاص إلى مغادرة أراضيهم بسبب الجفافِ والزوابع الشتوية الأشد قوةً وتواتراً، وزحف الصحراء وارتفاعِ مستوى البحار. المحاصيل غير كافية ومخزونات المياه في انخفاض، ما يؤثر بقوة على إنتاج الأغذية.
يتوقع علماء المناخ إمكانَ تغير مناخِ قسمٍ كبيرٍ من المنطقة لدرجة تهديد وجود سكانها. وقد تُحيل موجات الحر المديدة، وعواصف غبار الصحراء بعض المناطق غير صالحةٍ للسكن. وتُمثِّل الحرائق المدمرة التي فتكتْ بالجزائر في صيف العام 2021، مخلفةً 90 قتيلاً، ومُحْرقةً عشرات آلاف الهكتارات، ومسبِّبةً ضياع وسائل معيشة مئات الأسر، مثالاً بليغاً عن عنف الاختلالات المناخية التي يعيشها سكان المنطقة حالياً. وتتطلبُ مواجهة هذه الأزمة المناخية العالمية تقليصاً صارماً سريعاً لانبعاثات غازات الدفيئة، وبات الانتقال نحو طاقات متجددة محتوماً.
- كيف تنظرون إلى برنامج الطاقات المتجددة الرسمي؟
حمزة حموشان: قبل الحديث عن المشروع بحد ذاته، يتعين التساؤل عن أُطرِ تصور انتقالٍ طاقويّ. فكيف يمكن أن يكون جوابٌ عادلٌ على الأزمة المناخية بأفريقيا الشمالية؟ هل يعني قطعاً جذرياً مع النظام الرأسمالي؟ هل يعني حريةَ الحركة، وفتح الحدود صوب أوروبا، وسداد الدين المناخي وإعادة توزيع الثروات - من قِبَلِ الحكومات الأوربية والشركات متعددة الجنسية أو من قِبَلِ النخب المحلية؟ ماذا سيكون مصير المحروقات الأحفورية بأفريقيا الشمالية المستخرجة حالياً من قبل شركات غربية؟ ماذا يعني التكيف مع تغير المناخ؟ ومن يحدد معالمه ويستفيد منه؟
تتحدث الطبقات الحاكمة الجزائرية منذ عقود عمَّا بعد النفط بإثارة مسألة الانتقال نحو الطاقات المتجددة دون إتْيانِ فعلٍ ملموس. وفي الواقع، تُلاحَظ أوجه تأخرٍ هامة في تطبيق الخطط الراهنة، ما يُعبّر بنظري عن غياب أيّ رؤيةِ انتقالٍ جدية ومتماسكة. جرى على سبيل المثال تأخيرٌ لعامين لطلب العروض الأخير بشأن إنشاء قدرة طاقة شمسية 1 جيغاوات GW. إن خُطط الجزائر الرامية إلى بلوغ مقدرة إنتاج طاقة شمسية 15 جيغاوات في أفق العام 2030 غير واقعيةٍ بالنظر إلى كون البلد يحوز مقدرةً شمسيةً في حدود 423 ميغاوات MW في نهاية السنة الماضية (2021)، حسب الوكالة الدولية للطاقات المتجددة (IRENA). وحسب كل المصادر جُملةً، لا تتجاوز قدرات الطاقات المتجددة القائمة حالياً 500 ميغاوات. ما أبعدنا إذاً عمَّا جرى التطبيل له في العام 2011، أي بلوغ 22 جيغاوات في العام 2030. لقد خفضت وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، المحدّثةُ في العام 2020، هذه الأهداف إلى 4 جيغاوات في أفق العام 2024، و15 جيغاوات في أفق العام 2035. ومع ذلك، يظلّ هذا بنظري تفاؤلاً مُغالياً.
باختصار، يتعين على الجزائر أن تُسرّع خُطى التوجه صوب الطاقات المتجددة، لأنَّ يومَ كفِّ الزبائن الأوروبيين عن استيراد محروقاتها الأحفورية لأهداف طاقوية قادمٌ. يقوم الاتحاد الأوروبي بتوسيعِ انتقاله الطاقوي وتسريعِه، وهذا تحولٌّ أضفتْ عليه الحرب الروسية الأوكرانية طابعَ الاستعجال. وطبعاً، سيُواصل الاتحاد الأوروبي في الأمد القصير استيراد الغاز، وسيُنوِّع مصادره، لكنه سيبذل في الأمد البعيد قُصار جهده للابتعاد عن المحروقات الأحفورية. ويُمثِّل هذا الواقع خطراً وجودياً على بلدان تظلُّ تابعةً للنفط والغاز كالجزائر. لذلك، ليس الانتقال العاجل إلى انتاج الطاقات المتجددة (أساساً، ومع أسبقية للسوق المحلية) الأمر الجيد الواجب على صعيد ايكولوجي وحسب، بل هو ضرورةٌ استراتيجية ومسألةُ حياةٍ أو موت.
- جرى الغاء قاعدة 51/49 المُلزِمة لكلَّ مستثمرٍ أجنبي في الجزائر بالعمل بشراكة مع نظير جزائري يحوز أغلبيةً، ما خلا في أنشطة معتبرة استراتيجيةً. ما الأثرُ المحتمل لهذا على الطاقات المتجددة؟
حمزة حموشان: يتجه المنحى العامّ صوبَ إضفاء الليبرالية على الاقتصاد، ونحو منح القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب مزيداً من الامتيازات. وإنَّ حالات قوانين الميزانية لعامي 2020-2021 وقانون المحروقات الجديد لبليغةٌ بهذا الصدد. فقانون المحروقات الجديد محابٍ جدا للشركات متعددة الجنسية، وواهبٌ لها تحفيزاتٍ وامتيازاتٍ أكثر. ويُمهد أيضاً طريقَ مشاريعَ مدمرةٍ من قبيل استغلالِ الغاز الصخري في الصحراء وموارد في عرض البحر الأبيض المتوسط.
أما قانونا مالية 2020-2021، فيفتحان الباب للقروض الدولية، ويفرضان تدابيرَ تقشفٍ قاسية بإلغاء بعضِ نفقاتِ الدعم. وقد أقدما، باسم حفز الاستثمارات الأجنبية المباشِرة، على إعفاء الشركات متعددةِ الجنسية من الجمرك والرسوم، وزادت حصَّتها في الاقتصاد الوطني بإلغاء قاعدة 51/49 التي تُبقي حصةَ المستثمر الأجنبي في حد 49 في المئة في كل شركة محكومة بالقانون الجزائري، موغلةً بذلك في نسفِ السيادة الوطنية. والآن، يحل دور قطاع الطاقة.
إن خصخصة الطاقة ميلٌ عالمي. وقد سار المغرب على هذا النهج، وكذا تونس. ويُمارَس ضغطٌ هائل على قطاع الطاقات المتجددة في تونس بغية منح المستثمرين الأجانب تحفيزاتٍ لإنتاج الطاقة، وحتى للتصدير. ويرخص القانون التونسي لعام 2015 (رقم 2015-12) الخاصّ بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة (معدَّل في 2019) حتى لاستعمال أراضٍ زراعية لإنشاء مشاريع متجددة في بلد يعاني من تبعية غذائية حادةٍ تجلتْ مرة أخرى في أثناء الجائحة والحرب الروسية-الأوكرانية. يحق التساؤل: من المستفيد من الانتقال الطاقوي؟
غالباً ما يجري الحديث، عند تطبيق المشاريع المتجددة في بلدان الجنوب، عن نقصِ الخبرة التكنولوجية. لماذا؟ أليس الأمر مرتبطاً بعلاقات السيطرة وتملّكِ الثروة؟ أَلا يُعزى ذلك إلى احتكار التكنولوجيا، وإلى نظام الملكية الفكرية؟ يجب أن يكون نقلُ التكنولوجيا حجر ناصية لكلِّ انتقالٍ طاقوي عادل، وإلاَّ نبقى أسرى تبعيةٍ دائمة.
تستلزم العدالةُ المناخية اعترافاً بمسؤوليةِ الغرب التاريخية في التسبب في احترار المناخ، وفيما تواجه بعض بلدان الجنوب ضعف حصانة غير متناسب. كما أن تعترف بدور علاقات السلطة غير المتكافئة في التسبب في تغير المناخ وبكونها تحدد من يتحمل عبئَه. تفترض العدالة المناخيةُ القطع مع منطق "العمل وِفق المعتاد" الذي يحمي النخب العالمية والشركات متعددة الجنسية والأنظمة العسكرية، وإرساءَ عملية تحويل اجتماعي وايكولوجي جذرية.
فمن ذا الذي يجب أن يتحمل كلفة عملية الانتقال هذه؟ يجب سداد التعويضات والديون المناخية لبلدان الجنوب من قبل بلدان الشمال الغنية، ليس في شكل قروض وديون إضافية، بل في شكل ترحيل للثروة وللتكنولوجيا، وإلغاء الديون، ووقف تدفقات الرساميل غير المشروعة، ونهب الموارد المستمر. ويجب أن يأخذ الانتقال الطاقوي بالحسبان الخسائر والاضرار الراهنة والقادمةَ التي باتت تُضرُّ بنحو غير متناسب ببلدان الجنوب، وسيتطلب استثماراتٍ عامة هامة. وأخيراً، نحن بحاجة كذلك إلى تغيير طريقة تفكيرنا في الطاقة. إذ يجب اعتبارها حقاً لا سلعة.
- أنتم تنتقدون في أبحاثكم فكرةَ اعتبارِ أفريقيا الشمالية معمل طاقة لتزويد أوروبا. هل لكم أن تشرحوا لنا الدواعي؟ أليس استغلال الطاقات المتجددة باسم برنامج "أخضر" بحد ذاته شكلاً من الاقتصاد الاستخراجي؟
حمزة حموشان: غالبا ما تُعطى عن الصحراء صورة أرضٍ شاسعة وقليلةِ السكان، وجنّة للطاقات المتجددة، وفرص ذهبية لتزويد أوروبا بالطاقة كي تتمكن من مواصلة نمط حياتها الاستهلاكي المكلف والمفرط. هذا خطابٌ مخادع، إذ يتجاهل مسألة الملكية والسيادة، ويطمس علاقات السيطرة التي تُيسِّر نهبَ الموارد وخصخصةَ الممتلكات المشتركة.
الطاقات المتجددة في المغرب
02-11-2017
تُبرز أمثلةٌ عديدة بأفريقيا الشمالية كيفيةَ إعادة إنتاج الاستعمار الطاقوي والممارساتِ الاستخراجية حتى في الانتقالات نحو الطاقات المتجددة. نتناول مثال المغرب، الأكثر تقدماً في انتقاله الطاقوي، فنجد أن الرباط وضعت نصبَ عينها رفع حصتها من الطاقة المتجددة إلى ما يفوق نسبة 50 في المئة في أفق العام 2030. لكن محطة "ورزازات" الشمسية المنطلقة في العام 2016، لم تنفع سكان محيطها. وقد جرى استعمال أراضي تشييدها (3000 هكتار) دون موافقة السكان المحليين. فضلاً عن الاستناد الى دين 9 مليار دولار من البنك العالمي وبنك الاستثمار الأوروبي ودائنين آخرين على ضمانات من الحكومة المغربية، ما يعني ديْناً عمومياً كبيراً على عاتق بلد فائق الاستدانة. ويسجل المشروع منذ انطلاقه في العام 2016 عجزاً سنوياً يبلغ زهاء 80 مليون يورو يتم سدُّه بأموال عمومية. وأخيراً، يَستعمل هذا المشروع الطاقة الحرارية المركزة التي تستوجب استعمال كميات ماءٍ كبيرة لتبريد النظام وتنظيف الألواح. وإنَّ تغيير وجهة الماء عن غايات الاستهلاك والزراعة في منطقة شبه جافة ك"ورزازات"، لفضيحة.
ذلك أيضا شأن مشروع "تونور" في تونس، وكذا المشروع المقترح من رئيس مدير عام Tesco (من أهم مجموعات توزيع الأغذية وسلع الاستهلاك بالمملكة المتحدة) لربط جنوب المغرب بالمملكة المتحدة بأسلاك لنقل الكهرباء في عمق البحر. إنها، مرةً أخرى، يجري الحفاظ على علاقات الاستخراج نفسها، وعلى ممارسات الاستحواذ على الأراضي نفسها، وفيما سكان منطقتنا بلا اكتفاء ذاتي طاقوي، تجري هذه الترسيمة الاستعمارية المألوفة أمام أنظارنا: تدفقٌ بلا حد للموارد الطبيعية (حتى الطاقة الشمسية) من الجنوب صوب الشمال الغني.
وتتوطدُ أيضا العلاقات الاستعمارية الجديدة بواسطة مشاريع يحبكها الاتحاد الأوروبي لجعل أفريقيا تُنتج الهيدروجين الأخضر وتصدِّرُه إلى أوروبا. وإن استراتيجيةَ الاتحاد الأوروبي في مجال الهيدروجين - في إطار الاتفاق الأوروبي الأخضر- خارطةُ طريق طموحةٌ للانتقال إلى الهيدروجين الأخضر في أفق العام 2050. وتقترح أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من تأمين قسم من تموينه مستقبلاً من أفريقيا الشمالية التي تتيح في الآن ذاته مقدرات طاقة متجددة وقرباً جغرافياً أكيداً.
ويندرج كذلك مشروع Desertec 3.0 في هذا الاتجاه. ويرتئي حتى استعمال البنية التحتية لأنابيب الغاز الراهنة لتصدير هيدروجين أفريقيا الشمالية. يدعو هذا المشروع، في الجوهر، إلى مجرد تغيير مصدر الطاقة مع الحفاظ على الديناميات السياسية الاستبدادية وإبقاء تراتبيات النظام الدولي على حالها.
- يُعاد، والحالة هذه، إنتاج الاستعمار الطاقوي بالكيفية نفسها في عمليات الانتقال إلى الطاقات المتجددة. أليس الأمر كذلك؟
حمزة حموشان: الأمر أكيد، فـ"الاستعمار الأخضر" يتقدمُ في أفريقيا الشمالية. وقصدي بهذا المفهوم استمرار العلاقات الاستعمارية القائمة على النهب ونزع الملكية (وكذا تجريدِ الآخر من إنسانيته) ونقل الكُلفة الاجتماعية البيئية الى البلدان الطرَفية. لكن ذلك يجري هذه المرة باسم الانتقال نحو الطاقات المتجددة. ونحن نواجه في الواقع النظامَ ذاتَه، لكن مع مصدر طاقة مغاير: نَقلونا من المحروقات الأحفورية إلى الطاقة الخضراء، فيما يجري الحفاظ على نماذجِ الإنتاج والاستهلاك نفسها، شديدة الكثافة الطاقوية، وتبقى بلا تغيير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية ذاتها المولِّدة للتفاوتات والإفقار ونزع الملكية.
يقوم الانتقال اللامتكافئ نحو الطاقات المتجددة، الجاري حاليا بصورة رئيسية في بلدان الشمال، على استخراج مستمر لمعادن نادرة (من قبيل الكوبالت، والليثيوم، والنحاس، والنيكل الخ) بقصد صنع الألواح الشمسية ومولِّدات الطاقة الريحية والمروحات والبطاريات الكهربائية. ما مصدر هذه الموارد؟ إنها جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوليفيا والشيلي (على سبيل المثال فقط) حيث يحتدُّ تدميرُ البيئة واستغلال العمال.
لقد وُضِعَتْ اقتصاديات بلدان الأطراف في الجنوب في موقعٍ خاضعٍ ضمن قسمة العمل الدولية غير العادلة بنحو عميق: من جهة، بما هي مزوِّد بالموارد الطبيعية واليد العاملة الرخيصة، وكسوق للاقتصاديات المصنَّعة ذات التكنولوجيا العالية من جهة أخرى. تبعاً لذلك، يتطلب تجاوز المحروقات الأحفورية تفحصاً عن كثب للروابط بين هذه الأخيرة والاقتصاد بالمعنى الواسع، وتناول علاقات السلطة والأنماط الإمبريالية والتراتبيات في النظام الطاقوي العالمي.
- تستعملون في أعمالكم مفهوم "الانتقال الطاقوي العادل". لماذا هذا النعت؟
حمزة حموشان: كان المفهوم الأصلي للانتقال الطاقوي راسخاً في بناء تحالفات بين عمال الصناعات الملوِّثة وجماعات السكان في الخط الأمامي. واكتسب المفهوم شعبيةً بما هو إطارٌ قويّ، قادرٌ على التعبير عن مطالب العمال في علاقة بالنزاعات البيئية، وعلى توحيد مختلف أشكال مقاومة النموذج الاقتصادي والسياسي المدمِّرِ للكوكب والمركِّز للثروات والمستغلِ للبشر الأشدّ عرضةً للتهميش.
نعرفُ أن النظام الاقتصادي الراهن يُقوِّض أنظمة بقاء الحياة على الكوكب، وسينتهي إلى انهيار. لذا بات الانتقال محتوماً بينما العدالة ليست كذلك.
يمثل الانتقال العادل في هذا السياق انتقالاً مُنْصفاً نحو اقتصادٍ مستدام ايكولوجياً، ومنصف وعادل لكل أعضائه. ويعني الانتقال العادل انتقالاً من نظام اقتصادي قائم على استخراج الموارد واستغلال الأشخاص، إلى نظام بالأحرى مُهيكل حول استرجاع وإحياء مجالات الحياة والحقوق وكرامة البشر.
إن رؤيةً جذرية للانتقال العادل تُدرك تدمير البيئة والاستخراج الرأسمالي والعنف الامبريالي، واللامساواة والاستغلال والتهميش وفق محاور العِرق والطبقة والنوع الاجتماعي، وتحلِّلُها بما هي مفاعيل متزامنة لنظام شامل يستدعي التغيير.
طبعاً، يتخذ الانتقال العادل أشكالاً متباينة بحسب الأمكنة. في الواقع، أفضِّل الحديث عن انتقالات بصيغة الجمع لأخذ هذا البُعد بالحسبان. يجب أن نكون، والحالة هذه، حسَّاسين لكون التفاوتات العالمية والتاريخية جزءاً مما يجب تحويله لبلوغ مجتمعٍ عادل ومستدام. ما يعني أنَّ انتقالاً عادلاً قد يدلُّ على أمور بالغة التباين حسب الأمكنة. فما قد يُناسب أوروبا ليس بالضرورة قابلاً للتطبيق في أفريقيا. وما قد يُلائم مصر قد يكون غير ذلك في افريقيا الجنوبية. وما قد يُناسب المناطق الحضرية بالمغرب قد لا يكون مناسباً في المناطق القروية. يجب إذاً أن نتبنّى مقاربة غير مركزية استناداً على نصائح السكان المحليين أنفسهم.
يجب أيضاً، في هذا الإطار، جعل مسألة السلطة محورَ التحويل. أي بعبارة أخرى: من يتحكم ويستفيد من استعمال المجتمع لموارده في علاقة مع النظام الطاقوي. وهذا يعني ضرورة الاعتراف بأن النظام العالمي الراهن يُركز السلطة وامتيازات استعمال الموارد بأيدي عدد محدود نسبياً من الفاعلين، مع تحميل الأغلبية التكاليف، لكن مع أثر أكبر على الأشخاص الأشد عرضة للتهميش مثل العمال والنساء والمجموعات المصنفة عرقياً.
أخيراً، لا يقتصر أمر الانتقال على الطاقة. إذ تمثِّل الزراعة الصناعية مكانَ التقاء آخر بين السيطرة الامبريالية وتغير المناخ. فهي ليست إحدى محركات تغير المناخ وحسب، بل تُبقي بلدان الجنوب أسيرةَ نموذجٍ زراعي غير مستدام ومدمِّر، قائم على تصدير منتجات زراعات ريعية وعلى استنزاف الأراضي والموارد المائية النادرة في مناطق جافة وشبه جافة، مثل مصر وتونس والمغرب (وكذا الجزائر أكثر فأكثر).
- كيف يجب أن تتهيأ الجزائر لإنجاح انتقالها الطاقوي؟
حمزة حموشان: ستتأثر بشدة اقتصاديات شمال أفريقيا المطبوعة بتبعية للمحروقات الأحفورية (الجزائر وليبيا أساساً) عندما ستُقلِّص أوروبا بنحوٍ كبير في العقود القادمة وارداتِ المحروقات الأحفورية من المنطقة. لذا، يلزم نقاشٌ جديٌ للتفكير في الانتقالات نحو الطاقات المتجددة، وللتخلي تدريجياً عن الطاقات الأحفورية.
لا يمكن فصل رهانِ الانتقال الطاقويّ العادل عن مسائل إضفاء الديمقراطية والسيادة الشعبية على الأرض والماء وسائر الموارد الطبيعية. كيف يمكن للناس، في ظل الدكتاتوريات العسكرية والأنظمة الفاسدة، مثل الجزائر ومصر (حيث ستُنظم المفاوضات المقبلة حول المناخ "كوب 27")، أن يقرروا مستقبلهم الطاقوي بدون ديمقراطية في بلدانهم؟
يجب أن يكون الانتقال الطاقوي في الجزائر، كما في سائر بلدان أفريقيا وسائر بلدان الجنوب، مشروعاً قائماً على السيادة، موجهاً أساساً نحو الداخل، وقاصداً أولاً تلبيةَ الحاجات المحلية قبل النظر في إمكان التصدير. لا يمكنُ أن نستمر في الإنتاج لصالح أوروبا، وإطاعة إملاءاتها في مجال الطاقة، لا سيما سعيها الراهن إلى التحرر من تبعيتها إزاء الغاز الروسي بتنويع مصادر تزوّدها منها. إن أولويتنا هي نزع الكربون عن اقتصادنا. وعلى سبيل المثال تجري الحركة الراهنة من أجل الهيدروجين الأخضر في أفريقيا الشمالية بحفزٍ من الخارج، من قِبلِ شركات أجنبية وحكومات أوروبية. الضغوط هائلة، لكن إذا بدأنا بالإنتاج لأجل التصدير، سيؤدي ذلك إلى تأخير انتقالنا الأخضر في أفريقيا. يجب أن نرفع تركيبتنا الطاقوية الداخلية إلى نسبة 70-80 في المئة من الطاقات المتجددة، حتى قبل التفكير في التصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
وإنه لمن الضروري، فضلاً عن ذلك، بناءُ تحالفات بين الحركات النقابية وغيرها من الحركات ومنظمات العدالة الاجتماعية والبيئية، وإيجاد وسائل ادماج عمال صناعة النفط في النقاشات حول الانتقال وفرص العمل الخضراء. لن تقوم قائمةٌ للانتقال بدونهم. ومن جهةٍ أخرى، ليس لدى بلدٍ مثل الجزائر، منغلقٍ في نموذج تنمية استخراجي وافتراسي، الوسائل المالية ولا الدِّرايةُ الكافيةُ لإنجاح انتقال طاقوي سريع. هذا ما يستوجب إنهاء احتكار التكنولوجيا والمعارف الخضراء على صعيد عالمي، ووضعها رهن إشارة بلدان الجنوب وسكانه.
مشكلات كبرى تتسبب بها الطاقة الشمسية في اليمن
07-11-2021
الطاقات المتجددة: أحلام السوريين بالضوء مؤجّلة!
25-03-2021
ويجب أيضاً على الجزائريين أن يضعوا في الحسبان دروسَ الانتقالات الجارية، وألاَّ يُعيدوا الأخطاء نفسها وأوجه انعدام العدالة. إن الأزمة البيئية والانتقال الضروري يتيحان لنا - من أوجه عدة - فرصةً لإعادة تكييف السياسة. لذا يجب أن يكون النضال من أجل انتقال عادل وعدالة مناخية ديمقراطيّاً عبر دمج مجموعات السكان الأكثر تضرراً والاستجابة لحاجات الجميع. المقصود بناء مستقبل يتيح للجميع الكفاية من الطاقة وبيئةً نظيفة وآمنة، ومستقبل منسجم مع المطالب الثورية للانتفاضات الافريقية والعربية، مطالب السيادة الشعبية والحرية والعدالة الاجتماعية.
ترجم النص من الانجليزية اسماعيل المانوزي، المغرب.
* مناضل وباحث جزائري، منسق برنامج شمال أفريقيا في معهد "ترانسناشونال" (TNI).
** سلمى قاسمي مناضلة نسوية من الجزائر ومترجمة وصحافية في عدة وسائل اعلام عالمية.
[1] ستنشر قريباً صيغة معدلة وأكثر تفصيلاً لهذه المقابلة في كتاب:
Algérie: l’avenir en jeu, Essai collectif sur les perspectives d’un pays en suspens", ouvrage collectif coordonné par Raouf Farrah, chez les Editions Chihab, librairie en ligne.