الطاقات المتجددة: أحلام السوريين بالضوء مؤجّلة!

أدت الحرب الدائرة الى انخفاض نسبة وصول السوريين إلى الشبكة الكهربائية، من أكثر من 98 في المئة من السكان في العام 2011 إلى 30 في المئة منهم حالياً. طال الدمار البنى التحتية ومحطات توليد الطاقة فخرجت من الخدمة أربع محطّات من أصل 11 حتى العام الحالي. وتصل ساعات قطع التيار الكهربائي إلى عشرين ساعة يومياً.
2021-03-25

كمال شاهين

كاتب وصحافي من سوريا


شارك
توليد الكهرباء من الرياح في حمص، سوريا.

أدى النزاع الدائر في البلاد الى انخفاض نسبة وصول السوريين إلى الشبكة الكهربائية إلى 30 في المئة بعدما كان في العام 2011 يغطي أكثر من 98 في المئة من السكان، وذلك بسبب الدمار الذي طال البنى التحتية ومحطات توليد الطاقة التي خرجت منها أربع محطّات من أصل 11 من الخدمة حتى العام الحالي. وقد تحوّلت الكهرباء إلى ورقة ضغط لدى الفرقاء المتصارعين. وبالمقابل فقد ذهبت أدراج الرياح الآمال الموضوعة على الطاقة المتجددة (الشمسية والريحية والحيوية) باعتبار إمكانات البلاد الهائلة في هذا المجال.

وقد زاد الوضع سوءاً مع انخفاض حاد في إنتاج الكهرباء إلى 3 آلاف ميجاوات من أصل 7 آلاف ميجاوات تحتاجها البلاد، بسبب نقص إمدادات الغاز والفيول، وخروج عدد من آبار الغاز عن العمل بسبب اﻷعمال القتالية. وأدّى هذا إلى ارتفاع ساعات قطع التيار الكهربائي إلى عشرين ساعة قطع يومياً، وهو ما هدّد فعلياً الحلول المؤقتة التي عاش بها السوريون سنواتهم السابقة لجهة قدرتهم على تأمين إنارة منازلهم ليلاً عبر شحن المدخرات (البطاريات) المستخدمة فقط للإنارة، وحتى التزوّد بالأمبيرات في قطاع اﻷعمال والخدمات والصناعة والبيوت لم يعد متوفراً بكثرة، في ظل شح الوقود الكافي لتشغيلها، لتبدو عبارة وزارة الكهرباء الحكومية "تخيّل حياتك بدون كهرباء" التي ساقتها في سنوات سابقة تحت عنوان ترشيد استهلاك الكهرباء، واقعاً حقيقياً.

أمام العجز الحكومي الواضح في تأمين الكهرباء والوقود، فإن عدداً من السوريين أعاد ترتيب أولوياته باتجاه الحصول على طاقات بديلة لتيار الحكومة المركزية الكهربائي، عبر التوجه إلى الطاقات التي لا تحتاج إلى الوقود اﻷحفوري، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك الوقود الحيوي.

مقالات ذات صلة

وقد يكون نشر تكنولوجيا الطاقات المتجددة في سوريا مخرجاً أساسياً ﻷمن الطاقة في البلاد الذي لن تكون نهاية الحرب الحالية سبباً في عودته لوضعه السابق، مع الحاجة إلى زمن طويل لاستعادة قطاع الطاقة جاهزيته وقدرته على اﻹنتاج وتغطية حاجات البلاد المتزايدة سنوياً بمعدّل 20 في المئة على اﻷقل.

صورة الواقع

ثلثا إنتاج الكهرباء في سوريا يتم باستخدام الغاز الطبيعي (طاقة نظيفة) في محطات التوليد الرئيسية، حيث وصل استهلاك الغاز فيها إلى 21 مليون متر مكعّب يومياً في العام 2011، ولكنها انخفضت العام الماضي، بعد تطبيق "قانون قيصر"، إلى 8 مليون متر مكعب وفق تصريح وزير الكهرباء السوري منذ أسابيع، دون حساب الطاقة الكهرومائية التي تراجعت نسبة مساهمتها إلى 3 في المئة العام 2019 بعدما كانت 15 في المئة العام 2014، بسبب بناء تركيا السدود على منابع اﻷنهار الكبرى التي تجري إلى سوريا، مما أدّى إلى انخفاض نسبة المياه الواردة، وتوقف ثلاث عنفات من أصل أربعة عن اﻹنتاج في سد الفرات، السد اﻷكبر في البلاد.

تبدو عبارة وزارة الكهرباء الحكومية: "تخيّل حياتك بدون كهرباء"، التي ساقتها في سنوات سابقة تحت عنوان ترشيد استهلاك الكهرباء، واقعاً حقيقياً. 

ووفقاً لتصريحات سابقة أطلقها مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة -تابع لوزارة الكهرباء- للصحافة المحلية، فإن سوريا من "أغنى عشر دول حول العالم في تنوع مصادر الطاقات المتجددة"، وفيها مساحة 56 ألف كيلو متر مربع تصلح كمصدر لطاقة الشمس حيث تصل شدة السطوع الشمسي فيها إلى 5 كيلوواط على المتر المربع، وعدد أيام السطوع تتجاوز 312 يوماً في العام، وكذلك لديها مساحة مماثلة كمصدر لطاقة الرياح تمتد من إدلب وحلب ومناطق الغاب والسفوح الشرقية لجبال الساحل، وأكثرها إنتاجية يقع فيما يسمّى فتحة حمص، وفي هذه المنطقة تم تركيب أوّل عنفة ريحية في البلاد العام 2018.

ولكنّ هذه اﻷرقام الكبيرة نظرياً يقابلها على أرض الواقع أرقام خجولة جداً، إذ أنّ مساهمة الطاقة المتجددة ككل (رياح وشمس ووقود حيوي) في قطاع الطاقة الكلي لم تتجاوز 1 في المئة، بما يعادل 13 ميغاواط فقط في العام 2017، وفق دراسة أجرتها "لجنة اﻷمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا" (الإسكوا).

أمام العجز الحكومي الواضح في تأمين الكهرباء والوقود، فإن عدداً من السوريين أعاد ترتيب أولوياته باتجاه الحصول على طاقات بديلة لتيار الحكومة المركزية الكهربائي، عبر التوجه إلى الطاقات التي لا تحتاج إلى الوقود اﻷحفوري، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك الوقود الحيوي.

وإذا أضفنا إنتاج المحطات اﻷخيرة (محطة الكسوة التي دشنت العام 2018، والعنفة الريحية في حمص التي دشنت أيضاً في العام 2018)، فإن الرقم سيصبح 17 ميغاواط، وهو كذلك رقم متواضع مقارنةً مثلاً مع اﻷردن الذي أنتج 564.7 ميغاواط من الطاقة المتجددة العام 2017 رفعها حتى العام 2020 إلى 1700 ميغاواط.

توطين صناعات الطاقة البديلة

يوجد في البلاد معمل قطاع مشترك (خاص وعام) ﻹنتاج ألواح الخلايا الكهروضوئية اللازمة لمشاريع الطاقة الشمسية في ريف دمشق، تملك وزارة الكهرباء الحكومية ثلثه، وهو المساهم الرئيسي في معمل الكسوة (ريف دمشق) بصفته أول معمل دخل التنفيذ الفعلي ﻹنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. كما يوجد معمل ﻹنتاج المراوح الريحية غربي حمص يتبع القطاع الخاص، قام حتى اﻵن بتركيب عنفة ريحية واحدة باستطاعة 1.2 ميغاوات، وهو بصدد تركيب الثانية في غضون أسابيع، إلا أن وعود الشركة العامة لتوليد الكهرباء باستجرار الكهرباء المنتجة توقفت حالياً ﻷسباب غير معلنة.

أدى بناء تركيا السدود على منابع اﻷنهار الكبرى التي تجري إلى سوريا، إلى انخفاض نسبة المياه الواردة، وتوقف ثلاث عنفات من أصل أربعة عن اﻹنتاج في سد الفرات، السد اﻷكبر في البلاد.

مشكلة توطين صناعات الطاقة البديلة في سوريا، لا تختلف عن مشكلات الصناعة السورية اﻷخرى في كون المواد اﻷولية اللازمة لعملية اﻹنتاج يتم استيراد أغلب أجزائها، مثلها مثل معامل إنتاج المدّخرات والليدات التي تأتي في الغالب من الصين عبر مستوردين، مع العلم أن المواد اﻷولية اللازمة لهذه الصناعة ليست مشمولة حتى اﻵن بالعقوبات اﻷميركية على البلاد، وتعامل معاملة تفضيلية في قوانين الاستيراد.

انتشار الطاقة الشمسية في البلاد

على الرغم من أن غالبية المباني السورية غير مصممة لاستخدامات الطاقة الشمسية التي تأخذ مساحات أفقية كبيرة تبعاً ﻷحجام اﻷلواح (يحتاج المنزل الواحد إلى 13 متر مربع مساحة لوضع اﻷلواح)، إلا أن ظاهرة تركيب ألواح شمسية انتشرت بشكل متفاوت، وخاصة في اﻷماكن التي تقتضي طبيعة عملها استمرار التيار الكهربائي لأربع وعشرين ساعة، مثل المشافي والمعامل والورش، وبشكل أقل في البيوت والمحلات التجارية. وتنتشر هذه الألواح بشكل ملحوظ في مناطق إدلب وريف حلب التي لم تتلق التيار الكهربائي الحكومي منذ أكثر من خمس سنوات بعد تدمير محطتي "زيزون" و"الزارة"، أكبر المحطات السورية، وكذلك، في مناطق الجنوب السوري حيث تعرّضت الشبكة العامة ﻷضرار كبيرة. أما في مناطق سيطرة السلطة في دمشق، فإن الظاهرة هي في حدها اﻷدنى انتشاراً وغالبيتها تستخدم ﻷجل تسخين المياه، بعدد أجهزة يقدّر بـ 20 ألفاً.

____________
من دفاتر السفير العربي
مدن سوريا
____________

تتفاوت أسعار ألواح الطاقة الشمسية في مناطق الحكومة، تبعاً لطاقتها، حيث يتراوح سعر اللوح الواحد استطاعة 100 واط بين 50 ـ 80 دولاراً، واللوح استطاعة 150 واط بين 120 ـ 140 دولاراً، ويأتي الجزء اﻷكبر منها استيراداً نظامياً برسوم جمركية 1 في المئة حسب التعرفة الجمركية الرسمية. لكن اﻷتاوات التي تفرض على التجار والمستوردين تزيد من سعر التكلفة، في حين يسيطر التهريب على مناطق أخرى. ففي الجنوب تأتي اﻷلواح من اﻷردن وفي الشمال ومناطق ريف إدلب من تركيا.

مشكلة توطين صناعات الطاقة البديلة في سوريا لا تختلف عن مشكلات الصناعة السورية اﻷخرى. إذ تستورد أغلب أجزاء المواد اﻷولية، في الغالب من الصين، عبر مستوردين، مع العلم أن هذه المواد اﻷولية ليست مشمولة بالعقوبات اﻷميركية على البلاد حتى اﻵن، وتعامل معاملة تفضيلية في قوانين الاستيراد.

كما تختلف أسعار مكونّات نظام الطاقة الشمسية بين منطقة وأخرى، مثل المدخرات ورافعات الجهد ومنظمات الشحن. وإجمالاً، وبتكلفة وسطية تقريبية، يبلغ سعر تركيب دارة طاقة شمسية لأغراض الاستخدام الخفيف التي لا تتطلب استطاعات وجهداً عالياً، نحو 200 دولار (600 ألف ل.س حالياً)، أما دارة طاقة شمسية تولد الكهرباء مثل الشبكة العامة، فتبلغ أكثر من ألف دولار (3 ملايين ل.س). وبالمثل، فإن العنفات الريحية ذات تكلفة عالية جداً، حتى على الشركات الكبرى التي تحتاج الكهرباء بشكل دائم، إذ تبلغ تكلفة العنفة الواحدة التي تنتج 2.5 ميغاواط سنوياً، وبإمكانها إنارة ما بين 3000 إلى 5000 منزل، حوالي مليوني دولار، في حين يكلف التوربين السكني قرابة خمسة آلاف دولار. ولذلك، فإن الاتجاه العام في سوريا للطاقات البديلة يميل إلى الطاقة الشمسية كونها أقل تكلفة رغم أنها ليست أكثر إنتاجية من طاقة الرياح.

حتى اﻵن، لم تتحول الطاقات البديلة إلى ظاهرة في حياة السوريين، وهي تقتصر على المقتدرين اقتصادياً. وحتى في عالم رجال اﻷعمال وأمراء الحرب، فإنها لم تتحول إلى ظاهرة اقتصادية يمكن أن تساهم في التخفيف من الواقع الراهن على الصعيد العام. أما على الصعيد الفردي، فإن التكلفة لغالبية السوريين كبيرة في ظل تضخم اقتصادي كبير بينما وسطي الرواتب (حكومية وقطاع خاص) لا يتجاوز ثلاثين - خمسين دولاراً شهرياً، ما يشكل مانعاً حقيقياً في استخدامها. وقد غاب أي دعم حكومي مثل تقديم القروض طويلة اﻷمد، وهو ما كان موجوداً قبل اﻷزمة عبر تقديم قروض لتسخين مياه المنازل ولكنه توقف كلياً.

***

مع كل عجز جديد في تأمين الكهرباء والوقود، تتنازل الحكومة عن احتكارها لقطاع الطاقة، فترخص لشركات جديدة يقودها عدد من المستثمرين، حيث منحت وزارة الكهرباء ثلاثة عشر ترخيصاً لتوليد الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة منذ تموز/يوليو 2020، توزّعت على محافظات السويداء وحماة وطرطوس وريف دمشق، بقيمة إنتاجية متوقعة تقترب من 1500 كيلواط (1.5 ميغاوات) من الطاقة الشمسية إضافة إلى 7 ميغاوات من طاقة الرياح في حمص.

يقتصر استخدام الطاقات البديلة على المقتدرين اقتصادياً. وحتى في عالم رجال اﻷعمال وأمراء الحرب، فإنها لم تتحول إلى ظاهرة اقتصادية يمكن أن تساهم في التخفيف من الواقع الراهن على الصعيد العام. أما على الصعيد الفردي، فإن التكلفة لغالبية السوريين كبيرة في ظل تضخم اقتصادي كبير، بينما وسطي الرواتب لا يتجاوز 30 الى 50 دولاراً شهرياً.

المشكلة اﻷساسية والمعرقلة لأي توسع في هذا المجال هي غياب ضمانات أن تبقى هذه المشاريع على قيد الحياة في حال توقفت الحرب وعاد إمداد الغاز والفيول في البلاد إلى سابق عهده، عدا عن أن التشريعات المناسبة لاستجرار اﻹنتاج الممكن ما تزال دون الحد التشجيعي.  

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه