في نهاية العام 2021 أعلنت القاهرة عن بدء تداول ديونها المحلية في بورصة يورو كلير الأوروبية (1)، ما أثار جدلاً واسعاً في الشارع المصري ووسط مجموعات من المعارضة تخوفت من أن تقع مصر تحت ما أسموه "الاحتلال الاقتصادي"، واصفين تلك الإجراءات بأنّها تهدد السيادة والأمن القومي للبلاد.
كانت البداية في نيسان/أبريل 2019، حينما وقعّت وزارة المالية المصرية "مذكرة تفاهم" مع شركة الخدمات المالية الأوروبية "يورو كلير" كخطوة أولى لربط وتسجيل أدوات الدين المحلي الحكومي، من سندات وأذون الخزانة بالجنيه المصري (2). وفي أيار/مايو 2021، صرح وزير المالية بأنّه بحلول نهاية العام نفسه، ستكون الديون المحلية المصرية قد باتت مؤهلة للمقاصة الأوروبية وبيعها أمام المستثمرين الأجانب. لكن سرعان ما أُعلن عن تأجيل عملية الطرح عدة أشهر إضافية.
لقطة أولى
أعلن الرئيس المصري، أثناء افتتاح مشروعات سكنية في مدينة "بدر" الجديدة في آب/ أغسطس 2021، عن تخطيط السلطات لطرح أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة (تبعد عن العاصمة الحالية 45 كلم شرقي النيل) في البورصة المصرية، بهدف استثمارها، متوقعاً أن تصل قيمة أصولها إلى ما يقارب 4 تريليون جنيه خلال العامين المقبلين. وجاءت العاصمة الإدارية كأضخم مشروع للسلطة الحالية منذ تولي السيسي الحكم.
لقطة ثانية
عقب إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم في العام 2013، تلقت القاهرة حزمة من المساعدات الاقتصادية قدرت بنحو 12 مليار دولار: من المملكة العربية السعودية (5 مليار دولار)، والإمارات العربية المتحدة (4 مليار دولار)، والكويت (3 مليار دولار)، وجاءت 50 في المئة من قيمة تلك المساعدات على شكل منح نقدية لا ترد وأخرى عينية على شكل مشتقات بترولية. ووفقاً لبيان حكومي، فإن السعودية قد أودعت في آذار/مارس 2016، ملياري دولار لدى البنك المركزي المصري، بينما وضعت الإمارات والكويت 4 مليار دولار أخرى في صورة ودائع تُردّ لكن دون فائدة. ووفقًا لبيانات حديثة للبنك المركزي المصري، فقد أودعت السعودية في تشرين الأول/أكتوبر 2021 وديعة لدى البنك المركزي بقيمة 3 مليار دولار وجددت ودائع قديمة تقدر ب 2.3 مليار دولار، وفي آذار/مارس 2022، أودعت وديعة جديدة بقيمة 5 مليار دولار، بينما توقفت الإمارات عن المساعدات النقدية منذ العام 2019، وكانت هناك بعض الأخبار التي تفيد عن غضب إماراتي وتساؤلات حول آلية السلطات في صرف أموال المساعدات.
وقد أعلن السيسي خلال مقابلة تليفزيونية وقت ترشحه للانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2014 أنّ مجموع الأموال التي تلقتها مصر من دول خليجية كمساعدات اقتصادية قد بلغ عقب العام 2013 نحو 20 مليار دولار، ما أثار جدلاً في الأوساط المصرية بخصوص تضارب البيانات الرسمية (3) حول حجم المساعدات الخليجية لمصر وإلى أين تذهب!
لقطة ثالثة
بنهاية آذار/ مارس من العام الجاري 2022، أعلن البنك المركزي المصري أنّ رصيد الاحتياطي الدولي للنقد الأجنبيّ بخزائنه قد سجل نحو 37.082 مليار دولار، متراجعاً بنحو 3.91 مليار دولار خلال شهر واحد فقط.
لقطة رابعة
القاهرة تعلن عن إيداع أسهم في 10 شركات حكومية وأصول مصرية، منها شركتين تابعتين للجيش في البورصة للتداول، محدِّدة أصولاً بقيمة 9 مليار دولار للخضوع لعملية التسييل، وأيضاً أصولاً أخرى بقيمة 15 مليار دولار بصورة فورية لطرحها.
لقطة أخيرة
نشرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، تقريراً أوضح اعتزام القاهرة بيع بعضٍ من حصصها في الشركات المصرية التي تقدر بملياري دولار إلى صندوق أبو ظبي السيادي، وعلى رأسها البنك التجاري الدولي.
غضب حزبي
في كانون الأول/ديسمبر 2021، وعقب الإعلان عن طرح ديون مصر للتداول في البورصات العالمية، أصدر حزب "التحالف الشعبي المصري" المعارض، بياناً يرفض فيه ما تتخذه الحكومة المصرية من إجراءات قائلاً: "نلاحظ اتجاهاً متصاعداً في الاستدانة وصل حد الخطر، على عكس ما تحاول الدعاية الحكومية تصويره من أنّ الأمر في الحدود الآمنة، وقد تطور إلى الإعلان عن بدء تداول الديون المصرية الداخلية في بورصة يورو كلير الأوروبية، بما يعني استحواذ من يسمَّون مستثمرين دوليين، والذين هم في الواقع مضاربون دوليون على تلك الديون، مقابل ضمانات معينة تعني في النهاية نوعاً من رهن أصول الدولة المصرية مقابل تلك الديون. وقد وصل الدين الداخلي إلى 4.8 تريليون جنيه، والخارجي إلى 138 مليار دولار، أي أنّ إجمالي الدين العام يقترب من 7 تريليون جنيه بما يتجاوز 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، خلافاً لما تروج له الحكومة".
أعلن السيسي خلال مقابلة تليفزيونية وقت ترشحه للانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2014 أنّ مجموع الأموال التي تلقتها مصر من دول خليجية كمساعدات اقتصادية عقب العام 2013 قد بلغ نحو 20 مليار دولار، ما أثار جدلاً بخصوص تضارب البيانات الرسمية حول حجم المساعدات الخليجية لمصر وإلى أين تذهب!
ووفقاً للبيانات المعلنة، فقد ارتفع الدين الخارجي المصري بنسبة 360 في المئة في 38 عاماً، ففي العام 1981 بلغ الدين الخارجي نحو 21 مليار دولار، إلى أن وصل في العام 2019 إلى نحو 96.6 مليار دولار (وصل في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2021 إلى 145.5 مليار دولار)، بينما قفر الدين المحلي بنحو 1324 في المئة خلال 18 عاماً، فقد بلغ في العام 2001 نحو 15.8 مليار دولار، بينما قفز في مطلع العام 2019 إلى نحو 226 مليار دولار، ما يوضح حجم الاستدانة ووتيرتها التي تسير عليها الأنظمة المتعاقبة في مصر.
مبارك البداية
ولم تكن السلطة الحالية هي أول من تطرق إلى بيع أصول مصر العامة ومبادلة الديون بالأصول. فقد سبقها عهد الرئيس الأسبق "مبارك" في العام 1991، حينما خضع لاشتراطات لصندوق النقد الدولي (4)، وأصدر القانون رقم 203 الذي حدد قائمة تضم 314 شركة تعمل في القطاع العام لخصخصتها. وقد لجأت حكومته إلى وسائل عدة تمثلت في خصخصة 26 في المئة من الشركات من خلال بيعها لإحدى جمعيات الموظفين المساهمين، و28 في المئة منها عبر طرحها في البورصة، و24 في المئة عن طريق التصفية وبيع الأصول، و22 في المئة من خلال البيع للمستثمرين. ثم حلّ العام 2008، وأعلن وزير الاستثمار محمود محيي الدين، ونائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي وقتئذٍ، جمال مبارك (نجل الرئيس حسني مبارك وكان يستعد لوراثة الحكم)، عن مشروع قانون حول إدارة الأصول العامة عبر تطبيق نظام "الخصخصة بالقسائم" ويقضي بتوزيع أسهم مجانية على 40 مليون مصري في 86 شركة عامة من أصل 153 شركة لخصخصتها (5).
أين يذهب "الحيز المالي" في مصر؟
27-07-2018
هل مصر بلد فقير حقاً؟
25-10-2018
وقد أشار "مركز الأرض لحقوق الإنسان" - منظمة أهلية - في تقرير له إلى حجم الفساد الذي صاحب عملية الخصخصة في عهد مبارك منذ انطلاقها في العام 1991 وحتى العام 2008. ووفقاً للمركز فقد بيعت 623 شركة مقابل 23 مليار جنيه، بينما أعلن رسمياً بيع 412 شركة مقابل 320 مليار جنيه، وهو الأمر الذي أثار الشبهات داخل البرلمان المصري في دور انعقاده في العام 2006، حينما تساءل عن غياب نحو 13 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة عن حسابات الحكومة.
المح الرئيس المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 إلى ضرورة طرح بعض من الشركات المملوكة للجيش المصري أسهمها في البورصة، إلى جانب شركات منتمية للقطاع العام، وذلك لتحفيز المستثمرين. وبالفعل عاد وكلف حكومته خلال إفطار الأسرة المصرية في نيسان/ أبريل 2022، بطرح شركات للجيش في البورصة قبل نهاية العام الجاري.
ومع انتهاء عهد مبارك عقب ثورة 2011، توجت نضالات مصريين ومهتمين بالشأن العام والملف العمالي، وصدرت أحكام ببطلان عقود خصخصة (6) العديد من شركات القطاع العام. وهي أحكام توالت من فوق منصة القضاء الإداري بعد الثورة، بدءاً بحكم شركة عمر أفندي في أيار/مايو 2011. لكنّ كل تلك الجهود ضاعت هباء مع صعود السلطة الحالية والتي أعادت شبح الخصخصة لكن بصورة أكثر حدة. فما الذي يحدث الآن؟
صندوق مصر السيادي.. بداية
في العام 2018، صدر قانون إنشاء "صندوق مصر السيادي" تحت اسم "صندوق مصر"، برأس مال 200 مليار جنيه، ومحفظة استثمارية بنحو 12 مليار جنيه، فيما نقلت إليه منذ التأسيس في 2018 وحتى الآن أصول وعقارات مملوكة للدولة بقيمة 30 مليار جنيه. كما انبثق عن الصندوق أربعة صناديق فرعية يصل رأس مالها إلى 120 مليار جنيه. وقد منح القانون رئيس الدولة الحق في نقل ملكية الأصول العامة غير المستغلة أو المستغلة إلى ملكية الصندوق، وشراء وبيع وتأجير أو استئجار تلك الأصول والانتفاع بها، ثم صدر تعديل بالقانون رقم 197 لعام 2020 شمل تغيير اسم الصندوق لـ"صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية"، وسرعان ما استحوذ الصندوق على عدد كبير من الأصول والأراضي المملوكة للدولة، منها 126 شركة قابضة وتابعة (تتبع وزارة قطاع الأعمال)، وأيضاً أراضٍ مثل: أرض الحزب الوطني المنحل على كورنيش النيل المطل على ميدان التحرير، وأراضي الديوان العام لوزارة الداخلية، وملحق معهد ناصر الطبي المطل على النيل، ومجمع التحرير بوسط العاصمة وغيرها. وخلال وقت قصير، ووفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية العالمية، فقد قُدِّرت أصول الصندوق المصري بنحو 11.9 مليار دولار، واحتل المرتبة الـ41 عالمياً وفق مؤسسة "جي وورلد" لتحليل الاستثمارات.
استحوذ الجيش على صناعات هامة، ولجأ الرئيس بشكل متزايد إلى الجيش لمواجهة أزمات البلاد الاقتصادية، في الوقت الذي أصبحت فيه مؤسسات الدولة المدنية عاجزة عن القيام بمهامها، ما أدى إلى اتساع نشاطه الاقتصادي بشكل كبير. فوفقاً لبيانات حديثة للبنك الدولي، فإنّ هناك 60 شركة تابعة للجيش تعمل في 19 صناعة في مصر، من إجمالي 24 صناعة مدرجة على جدول تصنيف الصناعات محلياً.
ووفقاً للتعديلات (7) التي أجريت على القانون، فقد أنهت الدولة الحق الشعبي في الرقابة على الأموال العامة والتي بموجبها استطاعت كيانات وأفراد من الشعب في نهاية عهد مبارك رفع دعاوى قضائية ضد الخصخصة، ليقتصر الحق في الطعن في عمليات الصندوق على طرفين هما الجهة المالكة للأصل والجهة المنقولة إليها الملكية. وقد ظهرت التعديلات مباشرة بعد إطلاق السيسي وبن زايد ما وصفاه بـ"منصة استثمارية استراتيجية مشتركة" (8) في تشرين الثاني / نوفمبر 2019، بقيمة 20 مليار دولار، مناصفة عبر شركة أبو ظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي.
وفي أيلول/سبتمبر 2019، أعلن رسمياً عن جهود لجنة حصر الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة، والتي عملت على حصر الأصول المملوكة للهيئات والوزارات والمحافظات المختلفة، معلنة وقتئذٍ عن حصر 3692 أصلاً، وتسجيل 3273 منها في 24 محافظة و5 وزارات. وترتبط اللجنة في عملها بشكل رئيس بتجهيز الأصول التي سيتم التصرف فيها إما عن طريق البيع المباشر أو التداول في البورصة أو استغلالها بشكل آخر. ووفقاً للمادة السادسة من قانون الصندوق فإن "لرئيس الجمهورية حق نقل ملكية أي من أصول الدولة غير المستغلة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها، والمملوكة للصندوق بالكامل بناء على العرض من رئيس الوزراء والوزير المختص، وكذلك الأصول المستغلة فتكون كالأصول غير المستغلة بإضافة الاتفاق مع وزير المالية والتنسيق مع الوزير المعني"، ما يعني أنّ كافة الأصول المصرية سوف تنتقل تباعاً إلى ملكية وإدارة الصندوق السيادي والذي بدأ في طرح بعضها للبيع إما لسداد الديون أو لمقايضتها بالأصول.
وبالفعل أعلن المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي عن اعتزام الدولة بيع بعضٍ من أصولها لسداد جزء من الدين، كما أشار صراحة في حزيران/يونيو 2020 إلى أنّ الرغبة في الاستثمار أصبحت عالية جداً، خاصة في مناطق تاريخية وتراثية مثل منطقة وسط القاهرة (القاهرة التاريخية والخديوية)، وأولها المجمع الشهير المطل رأساً على ميدان التحرير.. ميدان الثورة.
وفي آذار/مارس 2022، أعلنت البورصة المصرية عن صفقة يقودها صندوق الثروة السيادي الإماراتي بقيمة 2 مليار دولار، استحوذ فيها هذا الصندوق على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 5 شركات مدرجة في البورصة هي البنك التجاري الدولي، وشركة فوري، وأبو قير للأسمدة، والإسكندرية لتداول الحاويات، ومصر لإنتاج الأسمدة "موبكو". وتلقّى الشارع المصري الأمر بصدمة كبيرة، خاصة وأنّ الصفقة قد تمت بعد زيارة أجراها محمد بن زايد ولي عهد دولة الإمارات إلى مصر، التقى خلالها بالرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة ثلاثية بشرم الشيخ. ولا تعد هذه الصفقة الأولى للإمارات، ففي شباط/فبراير 2022، أعلنت البورصة المصرية أنّ بنك أبو ظبي الأول، قد قدم عرضاً للاستحواذ على حصة أغلبية لا تقل عن 51 في المئة من رأس مال المجموعة المالية "هيرمس" القابضة المصرية، وأنّ قيمة الصفقة من الممكن أن تصل إلى نحو 1.2 مليار دولار. أيضاً في العام 2021، استحوذت الإمارات على شركة "سوديك" المصرية، وشركة "آمون فارما" للأدوية، وشركة الإسماعيلية للاستثمارات الزراعية والصناعية "أطياب".
أنهت التعديلات التي أجريت على القانون الحق الشعبي في الرقابة على الأموال العامة والتي بموجبها استطاعت كيانات وأفراد من الشعب في نهاية عهد مبارك رفع دعاوى قضائية ضد الخصخصة، ليقتصر الحق في الطعن في عمليات الصندوق على طرفين هما الجهة المالكة للأصل والجهة المنقولة إليها الملكية.
وكان الرئيس المصري قد ألمح في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 إلى ضرورة طرح بعض من الشركات المملوكة للجيش المصري أسهمها في البورصة، إلى جانب شركات منتمية للقطاع العام، وذلك لتحفيز المستثمرين. وبالفعل عاد وكلف حكومته خلال إفطار الأسرة المصرية في نيسان/ أبريل 2022، بطرح شركات للجيش في البورصة قبل نهاية العام الجاري، وهو ما يعد تغيراً كبيراً خاصة وأنّ اقتصاد الجيش كان من الملفات شديدة السرية التي حرصت كل السلطات المتعاقبة على عدم الإفصاح عن حجمه أو أشكاله، ويحظر القانون نشر أي أرقام تتعلق بتفاصيل موازنته. كما أنّه وبوجود السلطة الحالية، فقد استحوذ الجيش على صناعات هامة، ولجأ الرئيس بشكل متزايد إلى الجيش لمواجهة أزمات البلاد الاقتصادية، خاصة في الوقت الذي أصبحت فيه مؤسسات الدولة المدنية عاجزة عن القيام بمهامها، ما أدى إلى اتساع نشاطه الاقتصادي بشكل كبير. فوفقاً لبيانات حديثة للبنك الدولي، فإنّ هناك 60 شركة تابعة للجيش تعمل في 19 صناعة في مصر، من إجمالي 24 صناعة مدرجة على جدول تصنيف الصناعات محلياً. وبالفعل استعدت الدولة لطرح شركتي "الوطنية للبترول" و"صافي" (الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية والزيوت النباتية) المملوكتين لجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة في البورصة. وتشير بيانات صادرة عن وزارة التخطيط أنّه من المقرر أن يعقب ذلك دراسة طرح 3 شركات أخرى تابعة للجيش للتداول، فيما جاءت تصريحات رئيس الصندوق السيادي لتؤكد أنّ هناك مخططاً أولياً يبحث في بيع 10 شركات مملوكة للجيش بشكل كامل.
شركات متوقع طرحها
أثّرت الحرب الأوكرانية - الروسية على قطاع الاستثمار في مصر بصورة سلبية، ما أدى لخروج 20 مليار دولار من أموال المستثمرين من السوق المصري، حتى أنّه، وللمرة الأولى، يعلن البنك المركزي عن تراجع الاحتياطي النقدي بقيمة تقارب 3 مليار جنيه في شهر واحد. وقد قدّرت الحكومة المصرية تكلفة الأثر المباشر للحرب على موازنة البلاد بنحو 130 مليار جنيه، حسب تصريحات لرئيس الوزراء في 16 أيار/ مايو الجاري، والذي أعلن عن دمج أكبر 7 موانئ مصرية في شركة واحدة استعداداً لطرحها أيضاً في البورصة، إضافة للعديد من الفنادق المملوكة للدولة وكذلك مشروعات النقل، وأظهر رئيس الوزراء أنّ نية النظام هي جذب القطاع الخاص ليحتل نسبة تقترب من 65 في المئة من إجمالي الاستثمارات داخل مصر خلال الأربع سنوات المقبلة، وأنّ الهدف جمع 40 مليار دولار من خلال عملية بيع الأصول العامة، بواقع 10 مليار دولار سنوياً، مؤكداً أنّ الدولة ستقدّم قريباً وثيقة تخارج، تعلن فيها عن مؤسسات اقتصادية كاملة تعتزم تركها للاستثمار الخاص فقط، ولم يعلن عن تفاصيل أخرى.
ويرى محللون ومهتمون بملف الخصخصة والبورصة أنّ الحكومة المصرية تدرس الشركات التي من المتوقع طرحها للبيع أو التداول في البورصة قريباً ولعل أبرزها: شركة مصر لتأمينات الحياة، والنصر للتعدين، والسبائك الحديدية، والدلتا للصلب، وسيناء للمنغنيز، والمكس للملاحات، ونادي غزل المحلة، ودمياط لتداول الحاويات، وبورسعيد لتداول الحاويات، وشركة المعمورة للتعمير والتنمية السياحية، وشركة بيوت الأزياء الراقية "هانو-بنزايون"، وشركة العبد للتشييد والبناء، والمعادي للتنمية والتعمير، والنصر العامة للإسكان والتعمير.
في آذار/مارس 2022، أعلنت البورصة المصرية عن صفقة يقودها صندوق الثروة السيادي الإماراتي بقيمة 2 مليار دولار، يستحوذ فيها على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 5 شركات مدرجة في البورصة. وتمت الصفقة بعد زيارة أجراها محمد بن زايد إلى مصر، التقى خلالها بالرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة ثلاثية بشرم الشيخ.
أعلنت البورصة المصرية أنّ بنك أبو ظبي الأول قدم عرضاً للاستحواذ على حصة أغلبية لا تقل عن 51 في المئة من رأس مال المجموعة المالية "هيرمس" القابضة المصرية، وأنّ قيمة الصفقة من الممكن أن تصل إلى نحو 1.2 مليار دولار. أيضاً في العام 2021، استحوذت الإمارات على شركة "سوديك" المصرية، وشركة "آمون فارما" للأدوية، وشركة الإسماعيلية للاستثمارات الزراعية والصناعية "أطياب".
يثير التضارب في البيانات المعلنة قلقاً لدى المواطن المصري وتخوفات شديدة، خاصة وأنّ الممتلكات العامة ترتبط لديه بالاستقلال الوطني. لكنّ السلطة تخطط على ما يبدو لنقل ملكية مصر في أصولها واقتصادها إلى الصناديق السيادية الخليجية، ايفاءً لعهودها وربما كنوع من المقايضة على الديون التي أصبحت حملاً ثقيلاً، ما يثير غضباً محلياً. فقبل إعلان رئيس الوزراء منذ أيام عن طرح الموانئ المصرية في البورصة، كانت هيئة موانئ أبو ظبي قد أعلنت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، عن نيتها في الاستثمار الجاد في الموانئ المصرية. وقد تظهر الصورة على أنّها اتفاقات مسبقة، وعلى الرغم من أنّ الدستور المصري شدد على أن للملكية العامة حرمتها وحمايتها وأنّه واجب على كل مواطن، إلا أنّه ووفق تعديلات في دستور 2014، قد حذفت أي إشارة إلى المواطن أو المجتمع ودورهما في حماية الملكيات العامة، واقتصرت فقط على أنّ حماية الملكية العامة "واجب وفقاً للقانون"، ليصبح المواطن المصري مقيداً، لا يستطيع إبداء رأيه في بيع ممتلكاته... أو حتى التعبير عن غضبه.
[1] مؤسسة "يورو كلير" احدى أهم شركات المقاصة عالمياً، والمسئولة عن تسوية معاملات الأسهم والسندات والمشتقات المالية في منطقة اليورو وحول العالم، وفي نهاية العام 2019 بات تحت وصايتها مجموعة من الأصول بلغت قيمتها 31.4 تريليون يورو، بما فيها أصول لدولتي الأرجنتين واليونان.
[2] أسسّ البنك المركزي المصري شركة جديدة بعد تعديل قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية رقم 93 للعام 2000، مهمتها طرح الديون المحلية "السندات وأذون الخزانة" أمام المستثمرين الأجانب عبر آلية يورو كلير. للاطلاع على القانون:
https://manshurat.org/file/79206/download?token=ghkKxDYh
[3] للاطلاع على تقرير يوضح تضارب الأرقام المعلنة: https://studies.aljazeera.net/en/node/3857#e1
[4] للاطلاع على دراسة توضح تاريخ مصر في الاقتراض من صندوق النقد الدولي حتى العام 2016: https://democraticac.de/?p=53087
[5] تعود سياسة القطاع العام إلى نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ودولة يوليو، ومثلت تلك الممتلكات والشركات حوالي 40 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لمصر حتى عهد الرئيس مبارك.
[6] لمزيد من المعلومات، يمكن الإطلاع على كتاب: "دور مجلس الدولة في الخصخصة الفاسدة ومخططات بيع مصر".
[7] نصت التعديلات على أن "يكون الطعن في قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول، أو الإجراءات التي اتخذت بناء على هذا القرار، من الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له ملكية ذلك الأصل دون غيرهما".
[8] نسب المساهمة في المنصة تتوزع بواقع 50 في المئة لكل طرف، على أن تسهم مصر بأصول عينية تعادل 10 مليار دولار، في مقابل توفير شركة أبوظبى التنموية القابضة، ممثلة للجانب الإماراتي، سيولة مالية بالقيمة نفسها.