بكل جدّ، ستجري الانتخابات النيابية اللبنانية بعد يومين! بل بكل انفصام. فالتعدد في اللوائح كبير، ولا يميّز بين معظمها إلا ألوان يافطاتها، بينما تشترك جميعها باعتماد كلمة واحدة أحياناً أو جملة قصيرة كشعار لها. وكان القصد أن تكون تلك الكلمة/الجملة موحية أو شاعرية، ولكنها تبدو كعلامة تجارية رخيصة، تعتمد على الذاكرة القصيرة للناظر إليها، ولو أن بعضها – تلك العائدة إلى الاحزاب الكبيرة وليس إلى اللوائح "العائلية" – يضمر رسالة لا يمكن إغفال مقدار قصدها التوعّدي أو التهديدي.
لبنان ذاك لم يعد موجوداً
27-01-2022
لبنان: شراكة في النهب وفي القتل
19-08-2021
تكاد تنعدم الشعارات ذات المحمول المحدد. هناك يافطة كبيرة وصريحة في بيروت تقول أن "التصويت في 15 أيار هو ما يمكنه أن يلغي 7 أيار"، في إشارة واضحة إلى "العدو" الذي ينبغي هزيمته، وإلى الدعوة للمشاركة بالتصويت التي اعتُبرت من قبل رجال الدين - من كل الطوائف والأديان على اختلاف مقاصدهم - كواجب ديني وليس فحسب وطني. وهناك أيضاً "اللعب" الذي بدأت فيه بعض الحملات على أساس الغموض والإثارة – المستوحيان هما أيضاً من تقنيات تُدرّس في صفوف ما يقال له "الميديا" ولكنه موجه إلى الإعلان التجاري الذي يسمى بأناقة "Advertising". حملة "سوا" مثلاً التي بدأت باكراً تحمل جملاً تحريضية من قبيل "فقروك؟ صوت ضدن" وتنويعات من هذه القبيل، ثم الهجوم على "أعضاء المنظومة نفسها" (!) لتنتهي إلى كشف هوية صاحبها، بهاء الحريري! ثم حملة "القوات اللبنانية" التي بدأت بحزورة ركيكة الصياغة ومغفلة الإمضاء من قبيل "في يللي فيه وما بدو" و"في يللي بدو وما فيه"، لتنتهي ب"نحنا بدنا ونحنا فينا" مع شعار القوات هذه المرة، والمقصود بالطبع هو تطلّب استعادة الدولة اللبنانية، بنفَس يحمل مضمرات "حربجية" لعلها ما أقنع السعودية مثلاً بتوفير الدعم لهذه الجهة... بينما يَعد حزب الله بأنهم "باقون نحمي ونبني".
وهناك حملة "مواطنون ومواطنات في دولة" وشعارها "قادرين نخلّي الأزمة فرصة" (المستلهَم من إعلان تجاري لشركة تحويلات مالية مع بعض التحوير)، والتي رشحت 52 شاباً وشابة على كل الأراضي اللبنانية، يشرحون في فيديوهات متلاحقة أنهم إنما يغتنمونها فرصة لتشريح الأزمة وممارسة السياسة النقدية. وهم يستقطبون أصوات من يرغبون بالمشاركة بالتصويت ممن هم مناهضون للقوى والرموز المهيمنة، بغض النظر عن اتجاهاتها.
تكثر الوجوه الجديدة، بل تكاد تختفي الوجوه المعتادة. ولكن ليس في ذلك تجديد بعكس ما قد يُظن، بل هو تشظٍّ يتم على أساس أن هناك "فرصة للوصول" بعد الإهانات والبهدلة التي لحقت بالرموز، وإحجام معظمهم عن الترشح والاكتفاء برعاية لوائح من أشخاص ينتمون لصفوف خلفية.
ليس في كل هذا المشهد من يرى علامات على مخارج لتهاوي البلد، ويشير إليها. ليس في هذا إلاّ استقطاب فج عنوانه "مع أو ضد الثنائي الشيعي"، ومضمرٌ يتعلق بمآلات انتخابات رئاسة الجمهورية التي تلي الانتخابات النيابية. وكأن الانتخابات هي ما يمكنه أن يوفر حلاً، بينما الموضوع – بل المواضيع - في مكان آخر. وبهذا المعنى فملهاة الانتخابات الجارية ليست سوى حلقة في سياق انحدار لبنان إلى المأساة الكاملة.