لبنان: البؤس السياسي

ليس في كل هذا المشهد من يرى علامات على مخارج لتهاوي البلد، ويشير إليها. ليس في هذا إلاّ استقطاب فج عنوانه "مع أو ضد الثنائي الشيعي"، ومضمرٌ يتعلق بمآلات انتخابات رئاسة الجمهورية التي تلي الانتخابات النيابية... والتزوير هنا مكتمل.
2022-05-12

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
احمد السوداني العراق

بكل جدّ، ستجري الانتخابات النيابية اللبنانية بعد يومين! بل بكل انفصام. فالتعدد في اللوائح كبير، ولا يميّز بين معظمها إلا ألوان يافطاتها، بينما تشترك جميعها باعتماد كلمة واحدة أحياناً أو جملة قصيرة كشعار لها. وكان القصد أن تكون تلك الكلمة/الجملة موحية أو شاعرية، ولكنها تبدو كعلامة تجارية رخيصة، تعتمد على الذاكرة القصيرة للناظر إليها، ولو أن بعضها – تلك العائدة إلى الاحزاب الكبيرة وليس إلى اللوائح "العائلية" – يضمر رسالة لا يمكن إغفال مقدار قصدها التوعّدي أو التهديدي.

تكاد تنعدم الشعارات ذات المحمول المحدد. هناك يافطة كبيرة وصريحة في بيروت تقول أن "التصويت في 15 أيار هو ما يمكنه أن يلغي 7 أيار"، في إشارة واضحة إلى "العدو" الذي ينبغي هزيمته، وإلى الدعوة للمشاركة بالتصويت التي اعتُبرت من قبل رجال الدين - من كل الطوائف والأديان على اختلاف مقاصدهم - كواجب ديني وليس فحسب وطني. وهناك أيضاً "اللعب" الذي بدأت فيه بعض الحملات على أساس الغموض والإثارة – المستوحيان هما أيضاً من تقنيات تُدرّس في صفوف ما يقال له "الميديا" ولكنه موجه إلى الإعلان التجاري الذي يسمى بأناقة "Advertising". حملة "سوا" مثلاً التي بدأت باكراً تحمل جملاً تحريضية من قبيل "فقروك؟ صوت ضدن" وتنويعات من هذه القبيل، ثم الهجوم على "أعضاء المنظومة نفسها" (!) لتنتهي إلى كشف هوية صاحبها، بهاء الحريري! ثم حملة "القوات اللبنانية" التي بدأت بحزورة ركيكة الصياغة ومغفلة الإمضاء من قبيل "في يللي فيه وما بدو" و"في يللي بدو وما فيه"، لتنتهي ب"نحنا بدنا ونحنا فينا" مع شعار القوات هذه المرة، والمقصود بالطبع هو تطلّب استعادة الدولة اللبنانية، بنفَس يحمل مضمرات "حربجية" لعلها ما أقنع السعودية مثلاً بتوفير الدعم لهذه الجهة... بينما يَعد حزب الله بأنهم "باقون نحمي ونبني".

وهناك حملة "مواطنون ومواطنات في دولة" وشعارها "قادرين نخلّي الأزمة فرصة" (المستلهَم من إعلان تجاري لشركة تحويلات مالية مع بعض التحوير)، والتي رشحت 52 شاباً وشابة على كل الأراضي اللبنانية، يشرحون في فيديوهات متلاحقة أنهم إنما يغتنمونها فرصة لتشريح الأزمة وممارسة السياسة النقدية. وهم يستقطبون أصوات من يرغبون بالمشاركة بالتصويت ممن هم مناهضون للقوى والرموز المهيمنة، بغض النظر عن اتجاهاتها.

تكثر الوجوه الجديدة، بل تكاد تختفي الوجوه المعتادة. ولكن ليس في ذلك تجديد بعكس ما قد يُظن، بل هو تشظٍّ يتم على أساس أن هناك "فرصة للوصول" بعد الإهانات والبهدلة التي لحقت بالرموز، وإحجام معظمهم عن الترشح والاكتفاء برعاية لوائح من أشخاص ينتمون لصفوف خلفية.

ليس في كل هذا المشهد من يرى علامات على مخارج لتهاوي البلد، ويشير إليها. ليس في هذا إلاّ استقطاب فج عنوانه "مع أو ضد الثنائي الشيعي"، ومضمرٌ يتعلق بمآلات انتخابات رئاسة الجمهورية التي تلي الانتخابات النيابية. وكأن الانتخابات هي ما يمكنه أن يوفر حلاً، بينما الموضوع – بل المواضيع - في مكان آخر. وبهذا المعنى فملهاة الانتخابات الجارية ليست سوى حلقة في سياق انحدار لبنان إلى المأساة الكاملة. 

مقالات من لبنان

قصتي مع تجديد جواز السفر اللبناني

لبنى عوض 2023-03-23

خشيتُ أن تنتهي صلاحية جوازي مع اضطراري بالتوازي لتجديد إقامتي في إحدى بلدان العالم التي هججت إليها في مَن هجّوا، وقد كانت أقرب المواعيد المتاحة عندما حاولتُ حجز موعد، في...

"الزاهرية" مرجل الحياة المنوّعة في طرابلس اللبنانية تقارع الزّوال

"الممكن" باقٍ ولو ضئيل. والمقصود إشهار تعدديّة الزاهرية، فهي التعددية التي تحتجب عن المشهد اللبناني، في وقت يتخلله الحديث عن التقسيم والفيدراليات. تروي الزاهرية تجربة مناقضة لتصارع الهويات. تشكّلُ من...

للكاتب نفسه

يا عراق!

يباشر "السفير العربي"، بالاتفاق مع "جُمّار"، الموقع العراقي الشاب والمميَز، انتاج نصوصٍ تخص "مرور" عشرين عاماً على الهجوم الاستعماري المدمِّر على بلاد الرافدين، واحتلاله وسحق أوصاله، كما خلخلة مرتكزات مجمل...

لهنَّ ولكل الناس

بمناسبة 8 آذار/ مارس، اليوم العالمي الذي يحتفل بنضال المرأة من أجل حقوقها التامة في المساواة والحرية والكرامة، يستعيد "السفير العربي" مقالاً افتتاحياً كان قد نشره منذ عشر سنوات بالتمام،...

"بوغروم" فلسطين

إسرائيل المتفلتة برعونة كاملة تعيش هي الأخرى مأزقاً، وإن كان في ممارساتها تلك انتهازاً لـ "اللحظة" الإقليمية والعالمية، ولكنها في الوقت عينه تعبير عن "الاستحالة" التي تقف هي نفسها أمامها:...