المقاومة الفلسطينية والاحتلال: بين ربط الجبهات وفكها

لا مصلحة لإسرائيل - وفق منطق فك الربط بين الجهات الفلسطينية المختلفة، ولا سيما مع القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 - بنقل مسرح العمليات إلى قطاع غزة. ولا حاجة للمقاومة بنقله أيضاً لتأكيد تكامل الجبهات هذه المرة، وذلك إفساحاً للمجال أمام نهج العمليات الجديد في الداخل المحتل كي يتطور، ومنح فرصة للضفة الغربية لتطوير أدواتها في مواجهة الاحتلال.
2022-04-28

فادي الشافعي

صحافي من غزة


شارك
احياء ليلة القدر في 27 رمضان في القدس: ربع مليون فلسطيني شاركوا غصباً عن كل الاجراءات الرادعة

ربطت الفصائل بقطاع غزة تفعيل قوتها الصاروخية العام الماضي بالاعتداءات الإسرائيلية في القدس المحتلة، بينما تسعى "إسرائيل" إلى نفي هذا الربط، وهي التي جهدت، منذ سنوات، لفصل القطاع وقضاياه عن باقي الحيّز الفلسطيني لا سيّما في الضفة الغربية بما فيها القدس، والداخل المحتل عام 1948.

ظهر وجه إسرائيلي جديد لمساعي نفي الربط عندما أشاعت الرواية الإسرائيلية الرسمية أنّ عملية "بئر السبع" التي نفذها الشهيد محمد أبو القيعان في 22 آذار/مارس 2022 هي "هجوم إرهابي" ونسبته إلى تنظيم "داعش" المتطرف لا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتخذ من قطاع غزة قاعدةً لها، بخلاف ما فعلت عام 2014 على الأقل، عقب خطف مقاومين من الضفة ثلاثة مستوطنين وقتلهم في مدينة الخليل.

مقالات ذات صلة

لم تتبنّ أيّ من فصائل المقاومة الفلسطينية، عام 2014، عملية الخطف رسمياً. بينما سارعت إسرائيل إلى تحميل المقاومة في غزة المسؤولية عن العملية. فنقل الجيش الإسرائيلي مسرح العمليات إلى قطاع غزة، وبدأ بتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف على امتداده، ردّت عليها المقاومة بإطلاق الصواريخ نحو المدن الإسرائيلية، واستمرت المواجهة 51 يوماً. وفي المواجهة التي تلتها، في أيار/مايو 2021، أدركت إسرائيل أنّ نقل مسرح العمليات من الضفة الغربية إلى قطاع غزة عام 2014 كان خطأً، حين أعادت المقاومة انتاج الربط بين جبهتي الضفة وغزة على طريقتها فبادرت إلى تفعيل قوتها الصاروخية معلنةً الدفاع عن القدس.

نظرتان للواقع، هما عنوان الصراع بين المقاومة بغزة وإسرائيل الذي يجري الآن: فك/تأكيد الربط بين الجبهات الفلسطينية المختلفة. ولا ينفك أن يطلق المستوى السياسي للطرفين تهديدات بتفعيل القوة العسكرية في حال أقدم الآخر على فرض نظرته هذه على الواقع. وقد مثّلت مدينة القدس، خاصة باحات المسجد الأقصى، ميداناً ومعياراً لقياس مدى الالتزام بالحفاظ على الوضع القائم. غيّرت أجهزة الأمن الإسرائيلية طريقة عملها لتحقق أهدافها دون إثارة حفيظة المقاومة، وأعلنت عدم السماح للمستوطنين بالإقدام على سابقة "ذبح القربان" في باحات الأقصى لمناسبة عيد الفصح اليهودي الذي يتزامن مع شهر رمضان. على الجهة الأخرى، شهدت حدود غزة هدوءاً استثنائياً لم تشهده لعدّة سنوات. حتى ذكرى يوم الأرض، نقطة الاشتباك الزمني السنوية على الحدود الشرقية، مرت بهدوء خلافًا للأعوام 2018، 2019، 2021.

في الذكرى الـ46 ليوم الأرض، التي وافقت 30 آذار/ مارس الماضي، آثرت الفصائل إحياء فعالياتها في ميناء غزة البحري. ولاختيار المكان الذي يقع في أبعد نقطة غربا عن الحدود الشرقية لمدينة غزة دلالة.

عملية "بئر السبع" افتتحت جبهة جديدة للصراع مع الاحتلال، صدمت أجهزة الأمن في إسرائيل وحملتها على التصعيد في القدس بالتزامن مع حلول شهر رمضان. العمليات التي تلتها في "الخضيرة"، و"بني براك" و"دزينجوف" في "تل أبيب" فاقمت الصدمة. أربع عمليات فلسطينية خلال أيام معدودة، جعلت الإسرائيليون يوقنون أنهم أمام سلسلة. لتفسير ما يجري توصلت دراسة نشرها موقع دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (inss) إلى فرضيتين، الأولى تقول: إن العمليات الأخيرة موجة محددة المدة لا تشير لأيّ تغيير جذري في نظام عمليات المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل. أما الثانية فتشير إلى أن العمليات الأخيرة تمثل نهجاً جديداً ولّدته المقاومة الفلسطينية، وهو يهدف إلى توحيد جبهات النضال الفلسطيني في ساحة معركة شاملة.

في أيار/مايو 2021 أدركت إسرائيل أنّ نقل مسرح العمليات من الضفة الغربية إلى قطاع غزة عام 2014 كان خطأً، حيث أعادت المقاومة انتاج الربط بين جبهتي الضفة وغزة على طريقتها، فبادرت إلى تفعيل قوتها الصاروخية معلنةً الدفاع عن القدس.

خَطت إسرائيل خطوة إلى الأمام. نقلت مسرح العمليات إلى مدينة جنين في شمال الضفة التي خرج منها منفذا العمليتين في "تل أبيب". وأقر جيش الاحتلال الإسرائيلي حزمة قرارات عقابية، في 9 نيسان/أبريل الجاري تحد من حركة تنقل البضائع والأفراد من وإلى المدينة، بهدف عزلها ومحاصرتها، إضافة إلى تنفيذه اقتحامات يومية لمناطق مختلفة، خاصة في مخيمها، ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية ويسكنه نحو 27 ألف لاجئ فلسطيني، اعتقل خلالها عشرات الشبان. واعدم جيش الاحتلال 7 آخرين، ولا ينفك عن التهديد بتوسيع عدوانه وشن عملية "سور واقٍ" ثانية (1).

بينما لا يظهر للعيان قائداً رسمياً لمسرح العمليات الفلسطينية الأخيرة في الداخل المحتل، تتصدّر حتى هذه اللحظة على المستوى السياسي المسار الحالي للأحداث الجارية في جنين حركة الجهاد الإسلامي بقيادة زياد النخالة المقيم خارج فلسطين، الذي لا يكف عن التعليق المباشر على التطورات الميدانية ويتصل بأهالي بالشهداء معزياً، ويهدد صراحة بتفعيل القوة الصاروخية من غزة دفاعاً عنها.

هل ينتقل مسرح العمليات إلى غزة؟

شهد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة نحو إسرائيل تراجعاً ملحوظاً خلال ال 11 شهراً الماضية: منذ سريان تهدئة أيار/مايو 2021 لم يسجل سوى إطلاق 4 صواريخ، أولها صاروخ في 16 آب/أغسطس 2021 وآخرها صاروخ في 18 نيسان/أبريل 2022. أما الصاروخين المتبقيين فأطلقا في الأول من \كانون الثاني/يناير 2022 وسقطا قرب تل أبيب، وأبلغت المقاومة بغزة الوسطاء أنه جرى تفعيلهما تلقائياً نتيجة لصاعقة برق تزامنت مع منخفض جوي أثّر على الطقس في فلسطين. وهذا مقارنة بـ 174 صاروخاً في 2020، و1296 صاروخاً في 2019، و1164 صاروخاً في 2018. وهذا يشير إلى غياب الرغبة لدى المقاومة في الذهاب إلى مواجهة عسكرية واسعة في الفترة الحالية.

ويؤكد المستوى السياسي لحركة المقاومة الإسلامية ("حماس") بأنّ خطوطاً حمراً يجب على إسرائيل ألاّ تتجاوزها، خاصة بما يتعلق بالمسجد الأقصى، وهدد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" حسام بدران برد "غير متوقع"، فيما لم يصدر أي تهديد رسمي من القيادة العسكرية للمقاومة بغزة، خلافاً لما حدث العام الماضي قبيل المواجهة العسكرية الأخيرة في أيار/مايو2021.

تنسق "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية" العمل العسكري في قطاع غزة بين حركتي الجهاد الإسلامي و"حماس" وفصائل المقاومة المسلحة الأخرى. وتعتبر "سرايا القدس" الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي هي القوة العسكرية الثانية بعد "كتائب القسام" الذراع العسكري لحركة "حماس" يليها باقي الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى.

شهد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة نحو إسرائيل تراجعاً ملحوظاً خلال ال 11 شهراً الماضية، فلم يسجل منذ سريان تهدئة أيار/مايو 2021 سوى إطلاق 4 صواريخ، واحد في 16 آب/أغسطس 2021 وآخر في 18 نيسان/أبريل 2022. أما الصاروخين المتبقيين فسقطا في الأول من كانون الثاني/يناير 2022 قرب تل أبيب، وأبلغت المقاومة بغزة الوسطاء أنهما انطلقا تلقائياً نتيجة لصاعقة برق. 

نظرتان للواقع، هما عنوان الصراع بين المقاومة بغزة وإسرائيل الذي يجري الآن: فك/تأكيد الربط بين الجبهات الفلسطينية المختلفة. ولا ينفك أن يطلق المستوى السياسي للطرفين تهديدات بتفعيل القوة العسكرية في حال أقدم الآخر على فرض نظرته هذه على الواقع. وقد مثّلت مدينة القدس، خاصة باحات المسجد الأقصى، ميداناً ومعياراً لقياس مدى الالتزام بالحفاظ على الوضع القائم.

قادت "الغرفة المشتركة" عدّة مواجهات محدودة مع إسرائيل تمثلت بموجات إطلاق صواريخ لم تتطور إلى مواجهة واسعة، بعضها استمر لأيام وأخرى لساعات، قبل أن تتدخل الوساطات وتنزع الفتيل. ومنذ أن أعادت الفصائل تفعيل "الغرفة" كإطار تنسيقي عام 2018، لم يسجّل تصعيداً عسكرياً كبيراً خارج مظلتها، سوى الرد الذي أعلنته حركة الجهاد الإسلامي بشكل منفرد انتقاماً لاغتيال القائد العسكري لمنطقة شمال قطاع غزة وعضو مجلسها العسكري بهاء أبو العطا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وهذا يمكن أن يتكرر في حال ارتكبت "إسرائيل" جرائم كبرى جديدة في جنين.

وخلاصة، فلا مصلحة لإسرائيل - وفق منطق فك الربط بين الجهات الفلسطينية المختلفة، ولا سيما مع القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 - بنقل مسرح العمليات إلى قطاع غزة. ولا حاجة للمقاومة هذه المرة الى نقل مسرح العمليات ذاك الى غزة لتأكيد تكامل الجبهات. وهي تريد إفساح المجال أمام نهج العمليات الجديد في الداخل المحتل كي يتطور، وأن تمنح فرصة للضفة الغربية لتطوير أدواتها في مواجهة الاحتلال. 

______________________

1- "السور الواقي" هو تسمية إسرائيلية للعملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية عام 2002 بهدف القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتركزت المعركة الأساسية حينها في مدينة جنين. 

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

للكاتب نفسه

الحركة الطلابية الفلسطينية بالضفّة: أنا أقاوم.. أنا موجود

الحراك الطلابي في الشهر المنصرم داخل جامعات الضفة الغربية سياسي في جوهره، ويأتي في سياق محاولات الحركة الطلابية خلال السنوات الأخيرة استعادة تأثيرها على الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالنشاط...