ربع قرن من الحروب احتاجها العراق ليصل إلى رقم ثلاثة ملايين أرملة وفقاً لسجلات وزارة شؤون المرأة، إحصائيات مماثلة تشير الى أن سوريا لن تستغرق هذا الوقت. فقد أصبح العدد بعد سنوات الحرب الخمس حوالي مليون أرملة.
أكثرية الخارجين من الجحيم السوري إلى دول الجوار وفقاً لمعطيات الأمم المتحدة هي أسر تقودها نساء فقدن معيل الأسرة الأساسي، تتراوح أعمارهن بين 14 و50 عاماً. وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد اللاجئات خارج البلاد بحدود 1.1 مليون إمرأة وبأكثر من 2.1 مليون داخلها.
قبل الحرب كان المعدل الرسمي للترمل لا يتجاوز 2 بالألف. اليوم وفقاً لعدة مصادر، فإنه من بين كل ست نساء هناك أرملة واحدة على الأقل، يضاف لهن اللواتي ينخرط أزواجهن في القتال الدائر في البلاد، فينتظرن الأسوأ متوقعات ألا يعودوا بسبب الموت في المعارك أو مغادرة البلاد أو فقدان الأثر.
في الريف السوري الشمالي والشرقي تتلقى الفتيات عروض الزواج قبل سن البلوغ، ويتم تزويجهن عادةً قبل السن القانوني (18عاماً) لأسباب اجتماعية واقتصادية يعززها استمرار المعايير الثقافية التي تشرعن هذا الزواج، وسط سيطرة ذكورية هائلة على المجتمع تجبر فيها المرأة على الاعتماد كلية على الرجل.
شهدت هذه الظاهرة، مع تسلح الحراك وانتشاره بشكل أساسي عبر هذا الريف، مقتل العديد من الأزواج الشباب تاركين وراءهم آلاف الأرامل صغيرات السن يحملن طفلاً أو أكثر، وبعضهن حوامل، يقمن عند أبناء العمومة أو الأهل. ولا يكون فقدان الزوج هنا سوى صدمة بسيطة مقارنة بما تحمله الأيام التالية من مصاعب، ومنها الابتزاز في مجتمع تعتمد أخلاقياته على فلسفة التدخل في شؤون الآخرين. فحياة المرأة لوحدها مدعاة للشكوك، ووسط الظروف الحالية يصعب على المرأة ـ حتى المنتجة ـ الحياة من دون مساعدة الأهل والعمومة، الذين هم بحاجة للمساعدة، فيكون الحل بالتفكير بزواج ثان لهذه الأرملة.
الزواج الثاني كان أحد الحلول لامتصاص زيادة نسب الترمل الحادة. تعدد الزوجات كان نادراً قبل الأزمة (يخص 2 في المئة من السوريين)، لكنه توسع مسنوداً بفتاوى ترغِّب المعترضين. فقد قدم إمام جامع في عندان (شمال حلب) المال لمن يتزوج أرملة استجابة لقاعدة إسلامية تطالب بمسارعة الرجال للزواج منهن في حالات الحرب و "الجهاد في سبيل الله". بالطبع قلة منهن تستطيع رفض هذا الزواج خاصة أن تنظيماً مثل داعش أوجب عليهن الزواج بالقوة من أجانب أيضاً.
الأرملة التي لديها أطفال يقل حظها في زواج ثان، مع قلة طالبي الزواج أصلاً. فالرجال أنفسهم يحجمون عنه مخافة تكرار الترمل في ظل الحرب المستعرة. إحدى النساء في ريف حلب (23 عاماً) ترملت ثلاث مرات بأقل من عامين.
في بعض المناطق قبل الحرب، لم يكن مسموحاً خروج الأرامل من المنزل، فإما إلى بيت الزوج الثاني أو إلى القبر، فعلاً لا مجازاً. اليوم يدفع بعض الآباء بناتهم الأرامل إلى أسواق المدن لبيع المتوافر من مواد مجتزأة من المساعدات المقدمة لهن ولأولادهن.
تصح هذه الصورة على مناطق سيطرة الحكومة أيضاً، فرغم أن الزواج المبكر ظاهرة قليلة الانتشار ساحلاً وجنوباً، إلا أن زواج شريحة عمرية شابة (بين 18-24) من مقاتلين في الجيش أو التنظيمات المقاتلة معه، قد أفرزت أيضاً آلاف الأرامل ممن هن في مرحلة الدراسة الثانوية أو الجامعية. اليوم هناك قرى تخلو من الذكور وتمتلئ بأرامل صبايا (وعوانس) يسعين للعثور على "وظيفة" أو "عقد" مؤقتين لدى مؤسسات "الدولة" لسد حاجاتهن. ورغم أن الأخيرة تدفع في حالة وفاة أحد مقاتليها لأهله مبالغ مالية تصل إلى مليون ليرة (2500 دولار)، إلا أن حصة الزوجة منها هو النذر اليسير، الأمر الذي أدى لعشرات الدعاوى القضائية في الساحل السوري وحده.
لا تخلو شهادة أية أرملة من الحديث عن عدم الأمان، والتعرض لتحرشات لفظية وجنسية منتظمة من قبل لاجئين آخرين أو رجال المجتمع المحلي أو من قبل مسلحي جهات متعددة. مدير إحدى المدارس قبل تسجيل ابن أرملة "لأن وجهها جميل". التعرض لهذه التحرشات اللفظية أمر هيّن قياساً بالعزلة ووصمة العار الجنسية والاكتئاب والضغط النفسي بالنسبة للواتي ترأسن أسراً في المخيمات أو في المدن والأرياف، وعددهن لا يقل عن 30 ألف امرأة. الموت مرات عديدة يومياً هو الشعور الطاغي.
أطفال الأرامل يتعرضون لتمييز مضاف مجتمعياً عبر رسائل الحياة اليومية، يصفعهم بها مجتمع منكوب بغياب العلاقات الإنسانية، وهي تؤدي لتصاعد مستويات العنف لديهم في ظل ضعف قدرة الأم على حمايتهم. يخرج كثيرهم من المدرسة إلى غابات التسول، أكثر من 90 في المئة منهم يعمل في مهن غير إنسانية حسب تعبير وتقدير يونيسيف.
نجاحات جزئية حققتها بعض هؤلاء النسوة داخل وخارج البلاد، منهن من رفض الزواج الثاني مصرّات على تربية أولادهن وتدريسهن رغم المصاعب الهائلة لتأمين المال والاعتماد على الذات اقتصادياً، مع الحاجة لتأمين سكن ملائم وتوفير مرافق رعاية للأطفال، معتمدات على دعم المجتمعات المضيفة في بعض الحالات.
لن تعرف كثير من النساء السوريات ـ كما العراقيات، كما غيرهن ـ أن هناك يوماً عالمياً للأرامل، فليس مهماً الاحتفالات الإعلامية بقدر ما هو مهم البحث عن حلول تخفف من الآلام المتصاعدة يوماً إثر آخر، ليس على الأرامل فحسب، بل على كل البشر في هذه المنطقة.