خبير في الإتيكيت والبروتوكول الدولي قابل نواب البرلمان المصري الجديد ليحدثهم عن اللباس المناسب لجلسات البرلمان والزيارات الرسمية. طلب عدد من النواب من المُحاضر أن يحدثهم عن الزي المناسب لـ "الحريم" في البرلمان. وعلى الرغم من حضور ما يزيد على 20 نائبة تلك الجلسة، لم تعترض أيٌّ منهن على الكلمة، التي تدل على التقليل من شأن المرأة.
النواب والنائبات استقبلوا الكلمة بابتسامة خافتة، تلتها إجابة المحاضر ـ مازحاً - بأن الإتيكيت يتطلب أن ترتدي "الحرررريم" في البرلمان الزي الرسمي للدولة. وما دام أنه ليس هناك زي رسمي أو وطني للمصريين، فالزي الرسمي هو الزي الأوروبي المتمثل في الفستان أو التايور أو البذلة. ولكن وفقاً للمُحاضر لا يفضّل ارتداء النائبة للبذلة في الحفلات الليلية التي تضم وفوداً برلمانية أجنبية، ويحبذ ارتداء الفستان الطويل. وهنا تدخلت نائبة ترتدي عباءة أشبه بالطراز الخليجي، قائلة "أنا أرتدي العباءة وأهل دائرتي انتخبوني بهذا الزي، لكن لو دخولي البرلمان هايخليني أخلع توبي، فبلاها عضوية البرلمان"، وهو ما رد عليه ما يقرب من 100 نائب ونائبة بالتصفيق الحاد..
هذا المشهد الهزلي ليس متخيلاً، وإنما حدث ضمن جلسات تمهيدية لتعريف النواب الجدد بصلاحياتهم، وهو ما عزز التساؤل عن حقيقة دور المرأة داخل البرلمان المصري. فهل وصف النواب لهن بـ "الحريم" جاء زلة لسان أم له دلالات تتعلق برؤية النواب لدور المرأة، حتى ولو كانت مثلهم، نائبة في البرلمان؟
حزب الأغلبية الوحيد في البرلمان
ساوى الدستور المصري في مادته 11 بين الرجل والمرأة في كل الحقوق والواجبات، بل ألزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، وهو ما ترجمه القانون الذي أتى بالتشكيل الحالي لمجلس النواب باشتراط وجود 56 نائبة في القوائم الـ120 التي يصوت الناخب على مقاعدها، إلى جانب أحقيتها في التنافس والترشح على كافة المقاعد الفردية الـ448، حيث لم تستطع المرأة حصد أكثر من 17 مقعداً فقط (3 في المئة)، ليضم البرلمان 73 نائبة منتخبة و14 معينة (وهي نصف حصة الرئيس، البالغة 5 في المئة من النواب أو 28 عضواً، وفقاً للإلزام الوارد في قانون مجلس النواب).
يكفل هذا تشكيل جبهة نسوية قوية داخل السلطة التشريعية. فالنائبات يستطعن، إذا تعاملن كـ "لوبي" أو تحالف، تمرير القوانين والقضايا التي تخصهن، فلهن نسبة تقترب من 15 في المئة من مقاعد البرلمان، وهو ما يتفوق على مقاعد حزب "المصريين الأحرار" مثلاً، الحائز 65 مقعداً.
وبموجب الدستور، فالتمييز الإيجابي للمرأة داخل البرلمان سيقتصر على دورة برلمانية واحدة، وهي الأولى التي بدأت في العاشر من كانون الثاني/يناير 2016. وفي برلمان 2015 نسبة مشاركة نسوية هي الأعلى في تاريخه منذ بدأ السماح للنساء بدخول الحياة النيابية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حين ترشحت 8 نائبات عام 1957.
رابطة الهوانم في البرلمان
"ليس أمام المرأة المصرية سوى أن تنجح في التجربة الحالية، لأنها ستكون مقياساً ومعياراً للمكاسب التي يمكن أن تحصل عليها من حقوق في المستقبل". هذا ما كانت قد قالته سوزان مبارك عام 2010 بخصوص نظام "الكوتا" الذي جاء بـ64 نائبة إلى البرلمان الذي حُلّ بثورة يناير ضد نظام مبارك.. لكن أيّاً من النائبات اللواتي جئن بفضل "الكوتا" وقتها لم تنجح في الوصول إلى عضوية البرلمان من جديد. وأول برلمان لمصر بعد ثورة يناير 2011 لم يتضمن سوى 12 نائبة.
دفع ذلك إلى إعادة إنتاج نظام "الكوتا" في الدستور الحالي، ما ضمن تمثيلاً غير مسبوق للنساء. فكيف ستستغل النائبات ذلك، وهو الأمر غير المرشح للتكرار، سواء على صعيد التشريعات أو لترجمة النصوص الدستورية الخاصة بمساواتهن مع الرجال في قوانين تضمن عدم التحايل على حقوقهن في التعليم والتعيين في كل الوظائف، وتضمن تحريرهن من قيود الأعراف والتقاليد التي لا تمانع من ممارسة العنف بمختلف صوره ضدهن، إلى جانب خلق كوادر نسائية قادرة على إقناع المجتمع بجدارة انتخابهن للفوز بعضوية البرلمان، وغيرها من المناصب القيادية في الدولة.
النائبات من ناحيتهن لم يدعن لأحد مجالاً للتنبؤ بأدائهن. فبسؤالهن عن رغبتهن في الترشح لرئاسة البرلمان أجابت غالبيتهن بأن الفكرة لم تخطر على بالهن من الأساس، على الرغم من أن اللائحة الداخلية لمجلس النواب تلزم بأن يتولى رئاسة الجلسة الأولى للبرلمان أكبر النواب سناً، ويعاونه فيها أصغر النواب. ويصادف أن الدكتورة آمنة نصير (76 عاماً) أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو البرلمان عن قائمة "في حب مصر" هي أكبر الأعضاء سنّاً، بينما النائبة نهى الحميلي (25 عاماً) هي الأصغر. والبرلمان يتميز برئاسة المرأة لأولى جلساته.
على الرغم من ذلك، تقول نصير إنها لم تفكر في الترشح لرئاسة البرلمان، معتبرةً أن رئيسه يجب أن يكون شخصية مهابة لديه خبرة في القانون ويفضَّل أن يعيَّن من الرئيس. النصير من الشخصيات المعروفة بأفكارها التي تنتصر لحقوق المرأة، وبكونها إحدى العضوات البارزات في "المجلس القومي للمرأة"، إلا أنها رفعت شعار"التعليم أولاً"، معتبرة أن قضيتها الأساسية تحت قبة البرلمان هي إصلاح منظومة التعليم. أما قضايا المرأة فتأتي في المرتبة الثانية لديها.
وهو النهج نفسه الذي تبنته النائبة مارغريت عازر، أحد الوجوه البرلمانية المعروفة في برلمان 2012 والأمينة العامة لحزب "المصريين الأحرار"، التي اعتبرت أنها تفضل الترشح لمنصب وكيل البرلمان. أما عن موقفها من قضايا المرأة فقالت "ليس بالضرورة أن تكون قضايا المرأة على رأس أولوياتي، أنا نائبة عن الشعب كلّه وسأتبنى ما يهم الشعب".
أحاديث النائبات فضفاضة لهذه الجهة، وتنم عن غياب استراتيجية للاستفادة من الحدث. فالنائبة دينا عبد العزيز، وهي باحثة اقتصادية في وزارة التعاون الدولي، استطاعت الفوز بعضوية البرلمان من خلال أصوات الشباب وحراكهم لمصلحتها على فايسبوك وتويتر، واعتمادها عليهم في دعايتها الانتخابية، وقد اعتبرت أولوياتها دعم قضايا الشباب داخل البرلمان.
وقالت النائبة هند الجبالي، وهي طبيبة بشرية، إن دور البرلمان يتمثل في مساعدة الرئيس ودعم سياساته في مكافحة الإرهاب، بينما أكدت النائبة جهاد إبراهيم، خبيرة التنمية البشرية، على أنّ أولوياتها تدريس مادة الأخلاق في المدارس وتحويل القوانين الخاصة بالتعليم والعمل إلى سلوك، فيما أولويات النائبة أمل زكريا (عن قائمة في حب مصر بمحافظة البحيرة)، هي معرفة حقوقها وواجباتها داخل مجلس النواب للعمل على حل مشاكل أهالي دائرتها وتنمية المحافظة التابعة لها، متوقعة نجاح البرلمان في مهمته، لتضمنه "ائتلافات ربّانية" وفقاً لها.. هكذا تبدو اتجاهات النائبات داخل البرلمان في استطلاع عشوائي لأولوياتهن.. بعيدة عن هاجس التصدي لمشكلات النساء في المجتمع المصري.
عدد السيدات اللاتي ترشحن عن محافظات المرحلة الأولى الـ14 بلغ 107 نساء، لم تستطع حصد عضوية البرلمان من بينهن سوى 5 نائبات فقط، فيما ترشحت 168 سيدة في المرحلة الثانية، نجح منهن 12 سيدة في النظام الفردي. ومن ثَمّ، فتفويت فرصة استغلال وجودهن في البرلمان لتمرير أجندة واضحة بخصوص قضايا المرأة، يعني استمرار "هوانم" المجلس القومي للمرأة في مكافحة العنف والتهميش والتحرش.. الذي تعاني منه النساء، انطلاقاً من مكاتبهن المكيفة المطلة على ضفاف النيل.
لم يتعلمن درس راوية عطية!
راوية عطية هي أول نائبة مصرية في البرلمان بعد ثورة 23 يوليو 1952، بل أول سيدة في البرلمانات العربية. رشحت راوية نفسها عام 1957 عندما أعلن عبد الناصر عن حق المرأة في الانتخاب والترشح في دستور عام 1956.
البرلمان لم يستمر كثيراً، إذ انعقد في تموز/يوليو 1957 وانفض في شباط/فبراير 1958 بعد إعلان الوحدة مع سوريا. إلا أن راوية فعلت الكثير في تلك الأشهر الثمانية، إذ وضعت مشاكل الأسرة المصرية على رأس أولوياتها، وطالبت وزير الشؤون الاجتماعية والعمل وقتها بإنشاء مكاتب للتوجيه الأسري والاستشارات الزوجية، يكون هدفه حل مشكلات الأسرة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. وطرحت فكرة تبدو تقدمية للغاية وقتها، إذ طالبت بالعمل على تغيير ثقافة المصريين والقضاء على العادات والتقاليد التي لا تتماشى مع العصر، وتسيء إلى سمعة البلاد في الخارج، وطالبت بلجنة تشكّل من وزارتي الشؤون الاجتماعية والإرشاد القومي لتلك الغاية، وطرحت كذلك تعديل مشروع لائحة الجامعات لتطويره. دور راوية عطية لخصه عبد الناصر بقوله "لقد آمنتُ بكفاح المرأة المصرية من كفاح السيدة راوية عطية" .