"حرية، كرامة، عدالة اجتماعية" هو الشعار المركزي الذي تمحورت حوله "حركة 20 فبراير"، وهي الطبعة المغربية لما سمي بالربيع العربي. حراك انطلق بدعوة من شباب متطلع لمغرب ديموقراطي يتمتع فيه المواطنون والمواطنات بحقوق متساوية، وتحترم في ظله قواعد وشروط الحكامة الجيدة، ومن بينها ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد وعدم الإفلات من العقاب للمتورطين في الجرائم الاقتصادية، بما يفيد في بناء التنمية والتوزيع العادل للثروات.
استمر الحراك والتظاهر في مختلف شوارع المدن المغربية خلال شهور متعددة من سنة 2011، وأدى من ضمن ما أدى إليه إلى إصلاح دستوري وتنظيم انتخابات برلمانية وتعيين حكومة من الأغلبية التي أفرزتها صناديق الاقتراع.
حضور المرأة في الحراك
الشابات المغربيات كن حاضرات بقوة في هذا الحراك. فمنذ الإعلان الأولي خلال إحدى الندوات الصحافية التي تم تنظيمها في الأيام الأولى للحراك، ساهمت النساء الشابات في صنع القرار، في التنفيذ والتعبئة والتوعية، خرجن في التظاهرات والمسيرات، وكنّ جنباً إلى جنب مع المتظاهرين، حملن مكبرات الصوت، لبّين دعوات النقاش في الإعلام العمومي المغربي الذي اضطر لأن يفتح أبوابه لصوت الشارع، وساهمن في إغنائه، شاركن في الندوات واللقاءات، وقدمن أوراقاً لشرح وتوضيح أهداف الحركة، تميزن بالشجاعة وهن يرفعن أصواتهن عالية، هوجمن من طرف القوات العمومية مثلهن مثل رفقائهن، وواجه البعض منهن رفض أسرهن وفرضن مع ذلك انخراطهن في حركة اجتماعية عامة.
هناك من بين ناشطات الحركة من كانت لهن انتماءات سابقة في صفوف مكونات اليسار المغربي أو في صفوف الحركة الطلابية أو كفاعلات في الحقل الجمعوي، الحقوقي منه على الخصوص والتنموي. ولكنّ هناك عدداً آخر ممن التحقن لأول مرة بحركة اجتماعية. شابات في بداية العشرينات لم يقاومن الرغبة في الانخراط في حركة ذاع صيتها على المستوى الوطني وأدخلت الشأن السياسي إلى البيوت المغربية. وإن كانت قضية المساواة بين الجنسين لم تُثَر بوضوح في الأرضية التي أطرت الدعوة إلى التظاهر، إلا أن الحضور الفعلي للنساء من مختلف الأعمار واكتسابهن الجرأة على الحضور في الساحة العمومية، هو مؤشر على التحولات الجارية في المجتمع، وهي راسخة، على الرغم من محدوديتها ومن بعض المعاناة التي قد تواجه النساء، وخصوصا الشابات.
يضاف ذلك إلى ما تمت مراكمته في السابق، حيث كان لمكونات الحركة النسائية المغربية لجيل الثمانينيات السبق في "احتلال" الشارع واستثماره عبر محطات عديدة ومتنوعة من أجل المطالبة بإصلاح أوضاع المرأة عموماً وإصلاح قانون الأسرة على الخصوص. فقد اعتادت مناضلات الحركة على تنظيم وقفات ومسيرات وقوافل لإسماع أصواتهن والتذكير بمطالبهن، وخروج الشابات للتظاهر في إطار مسيرات 20 فبراير هو امتداد لتقليد كان للجيل السابق الفضل في استنباته. وإلى جانب الشابات، كان هناك حضور لفئات عريضة من المناضلات المنتميات إلى مختلف ألوان الطيف السياسي، اليساري منه والإسلامي، سواء منها تلك التي دعت وعبأت لهذه المسيرات أو أولئك اللائي التحقن فرادى حتى وإن كانت تنظيماتهن قد امتنعت أو تحفظت ولم تدعُ بوضوح للتظاهر.
تحفظات وخلافات
كان رد فعل بعض الوجوه البارزة للحركة النسائية المغربية متحفظاً ومتردداً بل وأحياناً رافضاً لانطلاق الحركة. وعبّر البعض عن التخوف من حراك انطلق في سياق ضعف القوى السياسية التي تعتبر تقليدياً حليفة وسنداً، مقابل الحضور المكثف للحركة الإسلامية، وخصوصاً منها جماعة "العدل والإحسان" التي كانت تتبنى مواقف معارضة لمطالب الحركة النسائية. دليلهن على ذلك هو انضمام هذه الأخيرة إلى المسيرة التي تم تنظيمها بتاريخ 12 آذار/ مارس 2000 للتعبير عن رفض ما سمي آنذاك بـ "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" وإصلاح قانون الأحوال الشخصية. وهي مسيرة تمّ تنظيمها من طرف "الهيئة الوطنية لحماية الأسرة المغربية" في التوقيت نفسه وبموازاة المسيرة التي دعت لها الحركة النسائية بمدينة الرباط للدفاع عن ذلك الإصلاح ومساندته. وقد اشتهرت المسيرتان بأنهما كانتا "مليونيتين"، ومثلتا استعراضاً لقوة التيارين.
تمت مؤاخذة حركة 20 فبراير على كونها لم تُدرج مبدأ المساواة بين الجنسين ضمن شعاراتها. وتأثرت بعض الناشطات بالحركة بهذا النقد، ما دفعهن إلى تدارك الأمر والضغط في اتجاه الأخذ به في ما بعد، وكأنهن أردن أن يثبتن لبعض وجوه الحركة النسائية اقتناعهن بالمطلب حتى وإن كن يرددن أكثر من مرة أن الحراك الراهن ذو طبيعة سياسية عامة.
وعلى الرغم من تلك التجاذبات، فإن عدداً لا يُستهان به من مناضلات الحركة النسائية كن حاضرات ونزلن للتظاهر في عدد من المحطات والمدن، حتى وإن قمن بذلك باسمهن الشخصي وليس بالضرورة بدعوة من تنظيماتهن وجمعياتهن التي لم تقم بذلك. وجلّ مسؤولات وأطر الحركة النسائية المغربية هن منحدرات من صفوف اليسار بمختلف أطيافه، بل وضمنهن من مستها شظايا القمع خلال سنوات الرصاص (الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت) ودفعت ثمن الانخراط في النضال الديموقراطي وقضت سنوات في السجن. الأمر الذي يبدو معه طبيعياً أن ينزلن للتظاهر في إطار حركة المطالبة بالديموقراطية.
لحظة الإصلاح الدستوري
مباشرة بعد انطلاق الحراك، بدأ النقاش حول الإصلاح الدستوري الذي دعا إليه الملك محمد السادس بتاريخ 9 آذار/ مارس كاستجابة لحراك الشارع. وتشكلت لجنة لاستقبال مذكرات مختلف الفاعلين ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. وكانت هذه فرصة للحركة النسائية من أجل تأسيس شبكة أطلق عليها "الربيع النسائي للديموقراطية والمساواة" اشتغلت لإعداد مذكرة ضمنتها مطالبها المتعلقة بالمساواة في كل الحقوق. حصلت خلافات داخل مكوّنات الحركة النسائية خلال إعداد المذكرة، بين من كان يسعى إلى تضمينها المقترحات العامة بما فيها الجوانب المتعلقة بنظام الحكم وتنظيم السلطات، إلى جانب المطالب الخاصة بقضية المرأة، وبين من كان يريد التركيز بالأساس على هذه الأخيرة. أدى هذا التباين إلى الاتفاق على أن تقدم كل جمعية مذكرتها الخاصة على حدة وتضمنها المقترحات التي تراها ضرورية على أساس أن تتضمن المذكرة المشتركة حصرياً النقاط المتفق عليها بين الجميع. ويعكس هذا الخلاف في عمقه اختلافات في تقييم حراك 20 فبراير والنظام السياسي والسياق السياسي برمّته.
جاء الدستور الذي اعتمد سنة 2011 متضمناً عدداً لا يستهان به من مطالب الحركة النسائية، حيث تم النص بوضوح على مبدأ المساواة وعدم التمييز القائم على الجنس، والاعتراف للمرأة على قدم المساواة مع الرجل بكل الحقوق، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. كما نص الدستور على إقامة هيئة عليا للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
وماذا بعد الدستور؟
استمرت الحركة النسائية في حضورها وتعبئتها، حتى وإن كانت قد عرفت تحولات داخلية مهمة، وحتى وإن كان السياق السياسي العام قد أثر عليها وأحدث رجة داخلية لديها، وجعل تفاعلها مع الأحداث الجارية يتسم بعدم الانسجام. وصول إسلاميي حزب العدالة والتنمية على إثر الانتخابات التشريعية لتشرين الثاني/ نوفمبر 2011، شكّل لديها مفاجأة، بل واستشعاراً للخطر من حزب لم يترك في السابق أية فرصة للتعبير عن معارضته ورفضه لمطالب الحركة النسائية، ويشكل بالنسبة لها تهديداً للمكتسبات التي تم تحقيقها في السابق، خصوصاً مع خفوت قوة الأحزاب السياسية اليسارية التي كان بالإمكان الاعتماد على دعمها لمواجهته داخل المؤسسة التشريعية.
هذا في ما يخص مكونات الحركة النسائية التقليدية. أما بالنسبة للشابات اللائي برزن في حركة 20 فبراير، فالملاحظ عموماً أنهن انخرطن في ديناميات جديدة، ولم تنجح الحركة النسائية في استمالتهن ولا في فتح الأبواب أمامهن بالشكل الذي يسمح بتجديد الدماء داخلها. يبدو جلياً أن هناك تبايناً في القراءة السياسية لحراك 20 فبراير ولما بعده. فحتى وإن كانت المشارب الفكرية والسياسية للجيلين متقاربة، فترتيب الأولويات والحسم في التحالفات وطريقة التعاطي مع الفاعل الإسلامي (تيارات الإسلام السياسي) أدت إلى التباعد بينهن. فهناك من يركز همه بالأساس على حماية المكتسبات من التهديد واعتبار النظام السياسي الملكي سنداً بل وحامياً لها، وبين من يعتبر أن إشكال الديموقراطية قائم ويتطلب التعبئة من أجله وانخراط كل المكونات في إطاره.. إلا أن جيلاً جديداً من الحركة النسائية هو في طور التبلور، وقد يحتاج إلى وقت طويل لينبثق. وهو جيل يعيد الاعتبار للربط بين قضية المرأة وقضية الديموقراطية.. وهكذا جرى مثلا تأسيس "مجموعة نساء شابات من أجل الديموقراطية".