أنا أقف خلف "رشا عزب"

نحن، عشرات "النسوان" أو "النسويات" المجتمعات أمام محكمة مصر الاقتصادية تضامناً مع "رشا" التي تحاكَم بصفتها "متضامنة" مع ناجيات، نشرن ـ مع إخفاء هويتهنَّ ـ شهادات تتهم سينمائيّاً بالتحرش والاغتصاب. إنها المحاكمة الأولى من نوعها، وقائمة الاتهام تشمل التشهير والقذف والسباب.
2022-03-08

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
رشا عزب

أخبرتها في لحظةٍ تبدو هادئةً: "سأوزع مقالك هذا ذات يومٍ في ميدان التحرير". تأثرتْ كثيراً، وبرقةٍ لم أعد أتعجب من مقدارها منذ قادني طريقي المتقاطع مع طريقها إلى صداقةٍ جاءت ـ وفق حسابات لحظتنا الثورية ـ متأخرة. جاءت بأيام راكدة، ولكني منذ سنوات طويلة كنت أقف في صفٍ ما خلفها، راكضةً في الاتجاه نفسه. أشهد أنها كانت من الأكثر جهداً وثباتاً ومواظبة وشجاعةً ولمعاناً ووضوحاً بالاختيارات في لحظاتٍ شابها الكثير من الخطايا المركّبة، مهما جاءت نوايا البعض سليمةً ومتحصنة بهدوء الطبع والطالع... على عكس "رشا عزب" التي كانت اختياراتها أوضح على الرغم من عنفها الظاهر وصوتها العالي.

"كيف فَعلْتها كل تلك السنوات يا جسدي!" هو عنوان المقال. وقبل أيام كنتُ هناك إلى جوارها في صباح شتوي مشمس، وهي تقول بطريقة مسرحية مرحة "نحن من نصنع الموجة". نحن، عشرات "النسوان" أو "النسويات" المجتمعات أمام محكمة مصر الاقتصادية تضامناً مع "رشا" التي تحاكم بصفتها "متضامنة" مع ناجيات، نشرن ـ مع إخفاء هويتهنَّ ـ شهادات تتهم سينمائيّاً بالتحرش والاغتصاب. إنها المحاكمة الأولى من نوعها، وقائمة الاتهام تشمل التشهير والقذف والسباب.

حضرنا نحن، وغاب "هو". هكذا تم اختصار اليوم ـ سينمائياً ـ عبر عشرات الصور والفيديوهات التي لم تخلُ من علامات التعجب على وجوه عساكر الحراسة والمحامين ممن كانوا أمام باب المحكمة الموجودة بأطراف صحراء القاهرة.

رأوا جلبةً غير معتادة، سألوا فأخبرناهم، حصلنا على بعض التعاطف لكنه مجتزأٌ ومتشككٌ في روايتنا. لعل السبب شيء ما في هيئتنا، في اعتياداتهم، معرفتهم ببعض الوجوه من بيننا وعلاقتها بالثورة. لكن هذا لم يمنع أن يضحكوا على كلمة إحدى السيدات المارات التي حسمت موقفها في ثوانٍ: "اللي زي ده عندنا بيتضرب بالشباشب م الستات، ولا يستجري يشتكي".

أتمنى ألا تذهب أيٌّ من المتضامنات إلى السجن، وأن ترتدَّ الضربة وتمتد الموجة فتتبدى أجواءٌ تسمح بمزيد من النقاش والانفتاح والمراجعة. أتمنى أن تكون هذه القضية وما سبقها هي "وصلةُ" على طريقٍ يملك "البوصلة" ويخوض الآن التجربة.

أتمنى الكثير، ومن بينه ما أحققه الآن وهو أن أكتب هذا العام، في يوم حقوق المرأة العالمي، عن الجميلة "رشا عزب".

"رشا" وعشرات غيرها خضن معركة الكشف عن جريمة "كشوف العذرية" التي اقترفها ضباط الجيش في ميدان التحرير في آذار/ مارس 2011 ضد متظاهرات، لاقين الهجوم والتكذيب. إلا أن الموجة اكتملت لتخرج الآلاف في مظاهرات بعد "تعرية فتاة" خلال فض مظاهرات مماثلة ترفع الشعارات السياسية ذاتها في الميدان، في ما عُرف بـ"أحداث مجلس الوزراء" بشهر كانون الأول/ ديسمبر 2011.

"فرضتْ طبيعتي الجسدية علاقة خاصة مع المحيط الاجتماعي الذي عشتُ فيه، جسدي هو السور العالي، الذي اختبأت خلفه، ممتنةً له في كل مراحل حياتي، رغم الصدمات التي تلقاها نيابةً عن عقلي وقلبي".

كتبتْ رشا عن نفسها، عن الأنثى وجسدها، عن تلك العلاقة الشائكة التي تثقل كل سيدة تؤمن ـ أكثر من غيرها ـ بضرورة أن تبقى مشتبكةً مع كل أشباح أيامنا.

في العام 2000، بينما كانت رشا تقف على أبواب الجامعة للمرة الأولى، خرجتْ باتجاه الشارع العام مظاهرةٌ عظمى، و"فلسطين" كانت العنوان. شاركت الفتاة منذ اللحظة الأولى، ولم تكن تلك أولى تجاربها، فقد سبق وأشرفت داخل مدرستها على تحرير مجلة ضد الغزو الأمريكي الأول للعراق، لكن مدرّس اللغة العربية منعها من توزيعها واحتجزها هي والنسخ لعدة ساعات في ساحة البيع والشراء ("الكانتين").

تحكي رشا عنه، فتقول:"لطالما جرى هذا المعلم خلف البنات، بعصاية طولها نصف متر على الأقل، يضرب ما تصل إليه يده من جسد الطالبة أثناء محاولة الفرار منه في الفناء بعد انتهاء الفسحة. كنا مجموعة طالبات استطعنا رفض هذه الممارسات، فلم يقوَ على معاملتنا بالطريقة تلك. كان هذا المعلم، يمارس التحرش والأبوية في الوقت نفسه، يمتلك سلطات واسعة ليس من بينها قدرته أن يكون معلماً".

إنها إحدى القواعد التي تدركها بالسليقة كل "مشتبكة"، تحفظها عن ظهر قلب منذ نعومة أحلامها، فلا منطق لما يردده البعض عن إمكانية الفصل بين الحقوق السياسية والاجتماعية، والتراتب الصارخ بـ"الأولوية". فالانتهاكات إذا حضرت لا يمكن تجاهلها تحت أي مسمًى، وإلا فالمبادئ ككل تصبح على المحك.

هكذا كانت الصورة، و"رشا" وعشرات غيرها من الفتيات يخضن معركة الكشف عن جريمة "كشوف العذرية" التي اقترفها ضباط الجيش في ميدان التحرير في آذار/ مارس 2011 ضد متظاهرات، لاقين الهجوم والتكذيب. إلا أن الموجة اكتملت لتخرج الآلاف في مظاهرات بعد "تعرية فتاة" خلال فض مظاهرات مماثلة ترفع الشعارات السياسية ذاتها في الميدان، في ما عُرف بـ"أحداث مجلس الوزراء" بشهر كانون الأول/ ديسمبر 2011.

إنها الحقوق التي يجب أن تتكامل، دون نزق مُربك أو تحفّظ محبط، من أجل خلق وطن آمن يحترم الإنسان. لكن كيف جئنا إلى قلب الميدان هكذا سريعاً، كيف يمكن هضم عشرة أعوام؟!

"أحياناً تكون صورتك عن نفسك هي النقيض لصورة الآخرين عنك. يظل الصراع بين الصورتين متوهجاً ممتداً، كل شيء يدفع جسدي للرياضة العنيفة، بينما يكتشف عقلي سحر القراءة ونشوة الكتابة والمسرح والسينما. جاءت الأقدار متعاكسة".

لم تذهب رشا إلى سور الجامعة باشتباكها السياسي وحده، وهتافها اللافت المدوي مع القضايا العادلة، ولكنها حملت في تكوينها أيضاً تلابيب الفن والصحافة والكتابة. أسست في ذلك العام تجربة "مسرح الهواة"، وقبل أن ينسدل الستار عليها أصدرت كتيباً يوثق لها. وفي العام 2005 وخلال مظاهرات شهدتها مصر ضد قوانين تكبل الصحافة، قال الكاتب الصحافي عادل حمودة: "جاءت فتاة جريئة وشجاعة اقتربت وقالت سأعمل معك. هي رشا عزب، وفي اليوم التالي كانت بالجريدة ومعها برنامج كامل لعدد من التحقيقات القوية المقتحمة. سافرت إلى جنوب السودان، وانضمت إلى قافلة بحرية تحركت نحو غزة، شعرتْ بالإهانة حين اعتدت عليها قوات فض المظاهرات، لكنها استجمعت قواها وذهبت في اليوم الثاني لتحرير بلاغ ضد لواء في الشرطة".

هل كتبت "رشا" كل ما تريد في الصحافة، وهي تقترب الآن من عامها الأربعين؟ بالطبع لا، ما زال هناك الكثير يسكنها ويسكننا رغم قتامة المشهد العام المضاد للقلم والحرية. لكن ورغماً عن هذا، فقد تركت الفتاة بعض الأثر الذي لا يزول، لعل أشهره هذا التحقيق الصحافي عن ممارسات قوات الجيش ضد المتظاهِرات في ميدان التحرير في العام الأول للثورة، وهو ما انتهى بها ورئيس تحريرها أمام النيابة العسكرية بتهمة "نشر أخبار كاذبة على لسان مصدر عسكري".

"عشتُ سنوات تحت جلد الفتاة التي يمكن أن تَضرب أي أحد في أي وقت وفي أي لحظة. كان جسدي تدرب على الاشتباك، جرت له عملية تشريس يومية من التعامل في الشارع والمترو وصولاً لمجال التحقيقات الصحافية في الشارع. لم أبخل في إنفاق طاقتي الجسدية إذا شعرتُ أنا ومن حولي بالتهديد. ثم أدركت أنها لم تكن أفضل حالاتي، لم تكن اختياراتي المريحة. فعلتُ كل هذا وأنا اضغط على جسدي، وأجعله يشتبك في معارك ثقيلة أحياناً، يخرج منها منهكاً وغير قادر على فهم ما جرى من عنف. احتاج عقلي سنوات ليفهم كل الوسائل الدفاعية لهذا الجسد".

من الجميل برشا التي أنهكها الضغط على جسدها وروحها، أنها لم تتكئ على أي دورٍ لها لتتقاعس عن غيره، فطوال تلك السنوات الحاسمة التالية للثورة، التزمت بدورها كصحافية وناشطة، يعرف وجهها كل من نزل للشارع السياسي خلال التظاهر الرائق وخلال المواجهات. أجرت معها جريدة "واشنطن بوست" حواراً بعنوان "فتاة حالمة من ميدان التحرير"، واحتفى الكثيرون بموقفها حين تصدت لناشط ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين تمّ اتهامه في العام 2012 بقتل الصحافي "حسيني أبو ضيف" ـ زميلها في الجريدة نفسها. فكتب رئيس مركز الأهرام الاستراتيجي آنذاك، الباحث "وحيد عبد المجيد": " إنها شجاعة فتاةٌ تملك القوة الأخلاقية والمعنوية النابعة من إيمانها بحق وطنها في الحرية والكرامة، قادرةٌ على مواجهة أحد أقوى التنظيمات الحديدية في العصر الحديث. ولا يستحق من ينكر ذلك أن يحسب بأي حال على القوى الديمقراطية المدنية التي تخون نفسها إذا تنكرت لأمثال رشا وزملائها الذين يجسدون صورة مصر الحرة".

"أتصور أن أمهاتنا في الحركة لم يفتحن خزائن أسرارهنَّ للعلن كما تفعل نساء هذا الجيل. نساء قليلات منهنَّ عبّرن عن أزمتهنَّ وأزمة جيلهنَّ. في القلب كانت أروى صالح، هوت من شبّاك عالٍ، لكنها تركت سرديتها في وجه جيلنا القادم على أنقاض التجربة. فكرتُ كثيراً، هل رحلت أروى صالح لقدرتها على البوح؟ هل يقتلنا الكلام أم ينقذنا؟".

فهل لا يزال الاحتفاء بمحله حتى اليوم من تلك القوى التي باركت يوماً هذا التصدي العنيف الذي قادته الفتاة بجسدها ضد "المغير"، وهو اسم الشاب؟ أو هل هناك ـ حتى ـ من يوجه لها أو لغيرها انتقادات موضوعية، وهو يدرك قيمة حضورها وقدرها؟ وهل تفكر التيارات السياسية الآن في إعلان موقفها من إحالة رشا هذه المرة للقضاء بتهمة سب وقذف متهم بالاغتصاب؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.

ولكن حتى يحين، وهو ليس بعيداً، أحتاج أن استكمل الحديث عن "رشا" والقراءة بسطورها بقلبٍ سليم.

"تحرّجتْ أمي وهي تُحضر سؤالها التالي. فهم الطبيب ورد بنباهة: في بنات صوتهم كده وبيغنوا كمان! تحوّل كشف الطبيب إلى مزحة عائلية. قررتُ الغناء بأمر العلم، لمن أحبهم فقط، حفاظا على الثروة القومية. حاولتُ خفض صوتي لبضعة أيام ثم نسيت، ارتفعت النبرة في الحماسة والغضب وحصلت على تعليقات سخيفة مجدداً. يئست من محاولات تغيير ما لا أريد تغييره! دُفعت بقسوة إلى هذا الطريق، لكنني عدَلت عن المحاولة في المرحلة الجامعية لاكتشافي فعل الهتاف".

تقول لي رشا إن صوتي جميلٌ، ويمكنني أن أقدّم برنامج "همسات حائرة". لكني قد أحتاج أن أخبرها وآخرين ذات يوم لماذا لا توجد نيةٌ لديَّ لاستخدام صوتي بهذا الشكل، ولماذا هو قد هرب مني كثيراً. ومما لا شك فيه أني وجدت جزءاً من صوتي الضائع، وامتلأت أحبالي الصوتية بالفخر والطمأنينة حين هتفتْ "رشا" قبل سنوات - ولكم رددتُ هتافاتها من ورائها - وأنا أقف خلفها، وسأبقى بكل الأحوال.

أدرك الآن، ما أنفقته على الثورة، وما وهبته هي لي في سبيل التعافي، وأنه لولا كل التفاعلات المدهشة التي جرت، ولا تزال، كأصداء مباشرة لمحاولة تثوير هذا المجتمع منذ "يناير"، لسُجنت في جسد لا أعرفه، وداخل فقاعة العمل السياسي عديم الجدوى، الذي لا يرى أن حرية هذه البلاد تبدأ من سلامة وحرية جسدي.

سأخبرها أيضاً أنها حينما كتبت هي، بعيداً عن الصحافة، أصبح وجهها أكثر جمالاً. لعله أثرُ النضج الذي يكسو وجه كل أنثى في مرحلة الثلاثينات، إن لم يكن قد تم وأدها مسبقاً، كأن "القلب المالح" ـ اسم روايتها الأولى ـ قد خرج بها للحياة بعد "حمام سخن" ـ اسم السيناريو الأول لها في فيلمٍ طويل.

أصبحتْ خصلات شَعرها أكثر حضوراً عما كانت في السابق، عاكسةً لمعنى وجودها، وكم غريب أنها حافظت على وزنها في أيام الحراك المحموم، وفقدت ـ في أيام الركود ـ هذا العدد الملائم من الكيلوغرامات، فتألقت خلاياها. ولعلها في إثر هذا البطء المقيت امتدت خواطرها، فأصبحت عيونها أكثر ترجمةً لمشاعرها. قد تكون اكتسبت بعض الهدوء، هذا ما نختبره الآن كصديقاتها، ونحن نلحُّ عليها بذلك في صباحات المحاكمة. جزءٌ من هذا الإلحاح شديد الجدية وبعضه هزل، ولكن ما هو ثابت لي دون جهد، أن روحها كانت وستبقى محصنةً بالآيات والذكر والترنيمات ضد الخمود.

"كان بديهياً بعد احتكار الرجال للحكاية، أن تظل قضية الاعتداءات الجنسية والاستغلال الجنسي قضيةً مهجورة، بل وبدأ الترويج بأن إثارة هذا النوع من القضايا ما هي إلا أداة إلهاء للمشتغلين بالعمل العام والنضالات السياسية، وهو ما تجدونه ينضح في تعليقات آباء وأمهات حركة اليسار السبعيني كلما نُشرت شهادة اعتداء جنسي وشَغلت الناس لأيام. وهذه فلسفة تجمع الناصريين والشيوعيين في خندق واحد أخيراً. أتصور أن أمهاتنا في الحركة لم يفتحن خزائن أسرارهنَّ للعلن كما تفعل نساء هذا الجيل. نساء قليلات منهنَّ عبّرن عن أزمتهنَّ وأزمة جيلهنَّ. في القلب كانت أروى صالح، هوت من شبّاك عالٍ، لكنها تركت سرديتها في وجه جيلنا القادم على أنقاض التجربة. فكرتُ كثيراً، هل رحلت أروى صالح لقدرتها على البوح؟ هل يقتلنا الكلام أم ينقذنا؟"

سأخبرها بكل ذلك، ولكن بعد أن تنزل كلمة النهاية في هذا الفصل التراجيدي الجديد في قصتها. فـ"رشا" اليوم أمام باب المحكمة لأنها شاركت ومئات السيدات غيرها في مصر مع مئات الآلاف عبر العالم قبل ثلاثة أعوام في تلك الموجة الجريئة #ME_TOO ، التي تقودها بالطبع سيدات للدفاع عن أحد أهم حقوق النساء، وهو حق حماية جسدهنَّ من الانتهاك.

كان من الطبيعي في مصر ـ كغيرها من بقاع العالم ـ أن تكون أولى محطات الكشف والملاحقة عبر شهادات "ناجيات" داخل الأوساط الثقافية والسياسية، وهو ليس دليلاً بطبيعة الحال على أنها فئات تغرق في الانحراف أكثر من غيرها، كما تحب كثير من الجهات قوله، ولكنها تعني أنها قد تفتح الطريق لتكشف عن قطاعات أخرى وما تعانيه السيدات داخلها، وهو المتوقع بكل أسف أن يكون أصعب وأكثر جللاً. تشهد على ذلك التقارير المتخصصة، المحلية والدولية، التي تحكي عن حجم الانتهاكات التي تتعرض لها أجساد النساء في المصانع والورش على سبيل المثال، وحتى في المؤسسات المهنية والإدارية، العامة والخاصة.

لكن وبينما تدور الدائرة، يأتي سينمائيٌّ متهم بالتحرش والاغتصاب تلتف من حوله أسماء بارزة في هذا المجال، ويسعون بأن يذهبوا بالمتضامنات للمحاكمة!

كم هو فعل ساذج وغير مهذب، قلتُ لنفسي عند سماع الخبر، هو المنطق نفسه الذي يجعل كل سيدة صغيرة مطيعة في تجربتها الأولى، تُلام على الصراخ عند التخلص من غشاء بكارتها أو عند الولادة. كم هو مستفز مهاجمة "أنثى" على ألفاظها بينما هناك يومياً "ذكرٌ" يمرق دون حساب من ممارسات تحرش واستغلال جنسي واغتصاب.

"كان بديهياً بعد احتكار الرجال للحكاية، أن تظل قضية الاعتداءات الجنسية والاستغلال الجنسي مهجورة، بل وبدأ الترويج بأن إثارة هذا النوع من القضايا ما هي إلا أداة إلهاء للمشتغلين بالعمل العام والنضالات السياسية، وهو ما تجدونه ينضح في تعليقات آباء وأمهات حركة اليسار السبعيني كلما نُشرت شهادة اعتداء جنسي وشَغلت الناس لأيام. وهذه فلسفة تجمع الناصريين والشيوعيين في خندق واحد".

نعم، إنها موجةٌ، وهي بطبيعة تكوينها غير قابلة للضبط، ولكن هيئتها تتشكل مع مرور الوقت، فهناك من سترى أنها ضد التجاوز اللفظي حتى لا يتم اتخاذه متكأً، وهناك من ستدافع باعتبار الغضب حقاً أصيلاً لا متكسباً، لكن ما يتفقن عليه جميعاً أن كل ذلك يأتي كمرحلة تالية لضبط كل هذا "الادعاء المبدئي"، هذا الذنب المتفشي الذي لا يقتصر على ملف الاستغلال الجنسي ولكنه ينهش كثيراً في جسد البلد، وفي القلب منه تجربة الثورة. فكم منا، بإزاء مخاوف صادقة من انهيار الدولة العميقة فوق كاهل الشعب المثقل، قد قبل بما لم يكن من الإنصاف أن يُقبل. واليوم يتبدى الحصاد...

فهل كنا نحتاج جميعاً أن نتريث ونسمع لأصواتنا، أن نرأف ـ نحن غير المنتفعين من كلا الجانبين ـ ببعضناً البعض؟ هل كان يمكن أن نصل لصياغات جديدة قابلة أن تقدّم أفضل عرض؟

قد يكون كل هذا صحيحاً، لكني اليوم تتوحد نظرة عيني ومشاعري أمام تلك الفتاة التي قد تواجه خلال أيام أو أشهر حكماً قضائياً بالغرامة والحبس، وأقول:

لم تكن "رشا عزب" يوماً أقل حباً، وبالتأكيد ليست أقل وعياً. قد تكون قد تورطت أحياناً في مغالاة برد الفعل والغضب، لكنها لم تتورط أبداً في تهاون أو عطب، وبشكلٍ عام، وكما يليق بفتاة ملتزمة تجاه الأحلام، لم تكن يوماً من أهل القسوة، ولهذا تستحق وعن جدارة مكانها ـ الذي أراها فيه دوماً أنا وغيري ـ هناك في أول صف.

---

المراجع:

*مقال رشا عزب في الذكرى العاشرة للثورة "كيف فعلتها كل تلك السنوات يا جسدي؟"

* رئيس التحرير "عادل حمودة" متحدثاً عن "رشا عزب الفتاه الحالمة في ميدان التحرير"

* مقال رئيس مركز الأهرام الاستراتيجي "وحيد عبد المجيد": "رشا عزب"

مقالات من مصر

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...