أبعاد خليجية في الأزمة الأوكرانية

المشهد العالمي بما يخص مسألة الغاز، على ضوء الصراع الروسي الأمريكي المتعدد، والذي تحتل فيه حالياً ما يطلق عليه "الأزمة الأوكرانية" مكانةً مركزية.
2022-02-08

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك
مخطط خط انابيب نوردستريم 2

جرياً على عادتها كل أربع سنوات، قامت الشبكة الأوروبية لنظام موزعي الغاز العام الماضي بعمل تمرين لمواجهة أي كوارثَ محتملة. التمرين اشتمل على عمليات محاكاة لعشرين إمكانية لحدوث كوارث، وخلصت إلى أن البنية التحتية لنظام توزيع الغاز يعمل بكفاءة جيدة. لكن أيّاً من هذه التمارين لم يتطرق إلى احتمال أن تغزو روسيا أوكرانيا، وأن ترد الدول الغربية على ذلك بإجراءات مقاطعة وحظر اقتصادي يمكن أن يدفع موسكو إلى الرد بوقف صادرات الغاز إلى العديد من دول الاتحاد الأوروبي، علماً أن روسيا توفر حوالي ثلث الاحتياجات الأوروبية من الغاز مما يخلق فجوةً ضخمة في الإمدادات قد يصعب تعويضها.

مؤخراً، استقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وأرفق إعلانه عن أن قطر تمثل حليفاً مهماً خارج الناتو، بالطلب أن تعمل الدوحة على استغلال قدراتها في ميدان صادرات الغاز الطبيعي، ومساندة الجهود الهادفة إلى التقليل من تأثير ورقة ضغط إمدادات الغاز التي بيد بوتين. فقطر تعتبر ثالث أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم بعد كل من روسيا والولايات المتحدة، ولديها خطة طموحة لزيادة طاقتها الإنتاجية من الغاز من 77 مليون طن في العام، في الوقت الحالي إلى 127 مليون طن في غضون خمس سنوات.

ومع أن واشنطن بدأت قبل فترة، وعبر مستشار وزارة الخارجية لأمن الطاقة، أموس هوشستاين، في الحديث مع الدوحة وعواصمَ أخرى في هذا الأمر، إلا أن المسؤولين القطريين أوضحوا بجلاء أن أي حلول يسهمون فيها ستكون مؤقتةً وقصيرة الأجل، ولن تتمكن من تغطية الاحتياجات الأوروبية بنسبة كبيرة. ويتركز ما يمكن أن تقدمه قطر بصورة رئيسية في اللجوء إلى بعض مخزوناتها، وأيضاً تحويل بعض شحنات الغاز المتجهة نحو الأسواق الآسيوية إلى أوروبا. وهي في هذا تحتاج إلى أن تأخذ واشنطن زمام المبادرة، وأن تتحدث مع زبائنها الآسيويين أمثال اليابان وكوريا الجنوبية. وكانت قطر قد مرت بتجربة مماثلة عندما قامت بتحويل بعض شحناتها إلى اليابان في 2011 إثر حادثة المفاعل النووي في فوكوشيما.

مقالات ذات صلة

محدودية الإسهام القطري تعود إلى عاملين: أولهما أن معظم صادرات الغاز القطري أصبحت تتجه إلى السوق الآسيوية، وذلك وفق تعاقدات طويلة الأمد تصل إلى 20 عاماً. ونتيجةً لهذا فإن متوسط حجم الصادرات القطرية إلى آسيا تبلغ حوالي خمسة ملايين طن في الشهر مقابل مليون طن للأسواق الأوروبية. وفي الواقع، كانت تلك الصادرات تتوزع بالتساوي بين السوقين، لكن ومنذ العام 2018 قامت المفوضية الأوروبية بالبدء بتحقيقات حول أسلوب التعاقدات القطرية طويلة الأمد لِما رأت فيها من شبهة احتكارية، وهو ما دفع الدوحة إلى تقليص صادراتها إلى الأسواق الأوروبية، وهذا ما يشكل العامل الثاني في الرد القطري. ويبدو أن الدوحة ألمحت في حواراتها مع المسؤولين الأمريكيين إلى هذه النقطة، وأنها في إطار التوسع الإنتاجي الذي تخطط له، فإنها ترغب في تعزيز حصتها في السوق الأوروبية، وتأمل في تعبيد الطريق لذلك عبر إنهاء التحقيق في شبهة الاحتكار هذه، بما يسمح بالمضي قدماً في تعاقدات طويلة الأمد.

يمكن لموسكو أن ترد على العقوبات الغربية بوقف صادرات الغاز إلى العديد من دول الاتحاد الأوروبي، علماً أن روسيا توفر حوالي ثلث الاحتياجات الأوروبية من الغاز، مما يخلق فجوةً ضخمة في الإمدادات قد يصعب تعويضها. وتقدر الدراسات أن إجمالي فاتورة الطاقة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي قد تصل هذا العام إلى ترليون دولار، وكانت 500 مليار قبل ثلاث سنوات فقط.

الوضعية الراهنة لسوق الإمدادات هذه كانت من العوامل التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التصعيد بخصوص علاقة بلاده وأوكرانيا والغرب، كما يرى بعض المحللين، إضافةً إلى توقيت فصل الشتاء حيث يزداد الطلب على الغاز للتدفئة. وتقدر دراسة لـ" جى.بي.مورغان شيس" أن إجمالي فاتورة الطاقة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي يتوقع لها أن تصل هذا العام إلى ترليون دولار وكانت 500 مليار قبل ثلاث سنوات فقط.

السؤال الرئيسي الذي لا يزال يبحث عن إجابة قاطعة هو عن هدف بوتين، وما يأمل في تحقيقه من خلال هذا الموقف، وعن مدى استخدام موسكو لسلاح الغاز الطبيعي، وإذا كان سيقوم بإغلاق أنابيب الغاز إلى مختلف الدول الأوروبية، أم سيقتصر الأمر على كميات الغاز التي تمر عبر أوكرانيا فقط؟

المتابعون للشؤون الروسية يشيرون إلى أن صادرات روسيا من النفط والغاز ظلت على الدوام تشكل مورداً مهماً للعملات الصعبة للخزينة الحكومية، وأنه حتى في ظل أسوأ فترات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، لم تتأثر تلك الصادرات، ولم تلجأ موسكو إلى سلاح وقفها أو تقييد تدفقها إلى الدول الغربية.

يبقى احتمال وقف صادرات الغاز التي تمر عبر أوكرانيا. وفي هذه الحالة، فإن أكثر الدول التي ستتأثر بهذه الخطوة ستكون سلوفاكيا والنمسا وإلى حد ما إيطاليا، لكن التركيز سيكون فعلاً على ألمانيا، التي تعتمد على الغاز الروسي بصورة كبيرة تصل إلى نصف وارداتها، وذلك بعد أن عملت على إلغاء استخدام الفحم لأسباب بيئية، كما أنها وفي رد فعل على حادثة فوكوشيما في اليابان، قررت تعليق عمليات توليد الطاقة من المفاعلات النووية، وهو ما يصفه البعض بأنه كان قراراً متعجلاً من قبل المستشارة السابقة ميركل لأنه جعل بون أكثر اعتماداً على موسكو، وأقل قدرة على اتخاذ مواقف مناوئة لها.

الموقف الألماني

حتى الآن، يبدو المسؤولون الغربيون غير واثقين من المدى الذي يمكن أن تذهب إليه ألمانيا في مساندة أي مواقف صارمة في مواجهة موسكو. فألمانيا رفضت إرسال أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا، وطلبت من حلف الناتو أن يسحب الأسلحة الألمانية من الشحنات التي سيرسلها إلى هناك، كما أن المستشار أولاف شولز قام بخطوة ذات مغزًى أجّل اجتماعاً له مع رصيفه الأمريكي بايدن في واشنطن، وأهم من ذلك أنه لم يتحدث علانيةً بأنه سيلتزم بعدم تشغيل خط الغاز نورد ستريم-2 إذا قامت موسكو بغزو أوكرانيا، وهو الخط الذي اكتمل بناؤه العام الماضي، وسيقوم بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا.

علاوة على قطر، تتجه الأنظار الأمريكية إلى حليف خليجي آخر هو السعودية التي تتمتع بطاقة إنتاجية إضافية تتجاوز مليوني برميل يومياً. ولو أن تجارب إدارة بايدن السابقة مع الرياض تشير إلى أن للأخيرة حساباتها المختلفة..

وخط نورد ستريم-2 يأتي استكمالاً لخط نورد ستريم-1، وقد كلف إنشاؤه 11 مليار دولار لنقل الغاز الروسي من غرب سيبيريا من خلال شركة غازبروم الروسية إلى ألمانيا. ثم أنه يكتسب أهمية جيوستراتيجية كونه يتجاوز أوكرانيا من ناحية، ويجردها من ملياري دولار كانت تحصل عليها كرسم عبور، إضافةً إلى تدفئة 26 مليون منزل في ألمانيا. كما أنه عزز من الشقاق بين واشنطن وبون، لكنه لا يزال في انتظار استكمال بعض التشريعات وإجراءات المصادقة اللازمة ليبدأ العمل. وهكذا يبدو، وبصورة عامة أن الاحتمال الكبير حتى الآن هو أن أي خطوة روسية لاستغلال إمداداتها من الغاز كورقة ضغط على الغرب، يمكن أن تؤدي إلى خسائر ومتاعب مالية للأوروبيين، أكثر من تحقيقها لمعاناة حسية بسبب البرد.

وهناك جانب آخر يتعلق بالآثار غير المباشرة للعقوبات التي قد تُفرض على روسيا، وقد تنعكس على الشركات النفطية الغربية العاملة في روسيا، مما يمكن أن يؤثر على عمليات هذه الشركات ولو بصورة غير مباشرة، خاصةً إذا توسعت هذه العقوبات في المجالات التقنية. ومن الشركات المرشحة للتأثر بصورة ما شركة بريتش بتروليوم مثلاً التي لها حصة 20 في المئة في شركة "روزنفط" الروسية، وكذلك كل من شركتي شل وأكسون/ موبيل وتعملان في حقل "سخالين" الضخم للغاز الطبيعي غرب سيبيريا.

ومع أن واشنطن عملت على السير بحذر في مجال تطبيق العقوبات في ميدان الطاقة بصورة مباشرة، خوفاً من انعكاسات ذلك على السوق التي تشهد ارتفاعاً في أسعار النفط متجاوزةً أعلى معدل لها حققته منذ تسع سنوات. وهنا أيضاً تتجه الأنظار الأمريكية إلى حليف خليجي آخر وهو السعودية التي تتمتع بطاقة إنتاجية إضافية تتجاوز مليوني برميل يومياً، ولو أن تجارب إدارة بايدن السابقة مع الرياض تشير إلى أن للأخيرة حساباتها المختلفة، إذ رفضت العام الماضي طلباً حمله مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى ولي العهد محمد بن سلمان بزيادة الإنتاج، بعد أن أصبحت أسعار الوقود المرتفعة همّاً اقتصادياً للمستهلكين الأمريكان، وأثرت في رفع وتيرة التضخم، مع انعكاسات ذلك سياسياً على الإدارة التي تواجه انتخابات نصفية للكونغرس يمكن أن تجرد الديمقراطيين من سيطرتهم الحالية عليه.

هل تغلَق أنابيب الغاز الروسي إلى مختلف الدول الأوروبية، أم سيقتصر الأمر على تلك التي تمر عبر أوكرانيا؟ المتابعون فصادرات روسيا من النفط والغاز ظلت على الدوام تشكل مورداً مهماً للعملات الصعبة للخزينة الحكومية، وأنه حتى في ظل أسوأ فترات الحرب الباردة ، لم تتأثر تلك الصادرات، ولم تلجأ موسكو إلى سلاح وقفها أو تقييد تدفقها إلى الدول الغربية.

كلف إنشاء خط نورد ستريم-2، 11 مليار دولار لنقل الغاز الروسي من غرب سيبيريا إلى ألمانيا. وهو يكتسب أهمية جيوستراتيجية كونه يتجاوز أوكرانيا من ناحية، ويجردها من ملياري دولار كانت تحصل عليها كرسم عبور، ويوفر تدفئة 26 مليون منزل في ألمانيا. لكنه لا يزال في انتظار استكمال بعض التشريعات وإجراءات المصادقة اللازمة ليبدأ العمل. 

من ناحية أخرى، فإن أي إغلاق كامل لخطوط أنابيب الغاز سيكلف شركة غازبروم، المزود الروسي بإمدادات الغاز، ما بين 203 مليون دولار إلى 228 مليون دولار يومياً، وهو ما يمكن لموسكو تحمله على المدى القصير كونها تتمتع برصيد كبير من احتياطيات النقد الأجنبي يصل إلى 600 مليار دولار. لكن يبقى الثمن الأكبر بالنسبة للخسائر على المدى البعيد بالنسبة لشركة غازبروم، إذ سيصبح السؤال عن مدى الوثوق بها مزوداً مؤتمناً وقادراً على الوفاء بتعاقداته، وهو ما يمكن أن يتجاوز الأوروبيين وينسحب حتى على الصين، على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربطها في الوقت الحالي بروسيا، وتمثل إمدادات النفط والغاز أحد عناصرها المهمة.  

مقالات من العالم

جوليان أسانج حرّ

2024-06-27

فعل أسانج المحظور الأكبر في هذا العالم. كشف اللثام عن أكبر أكاذيب العالم وأكثر أساليب الدول وحشية، وفضح تلك البرودة الفظيعة التي يتمتع بها الجميع خلف الكواليس، وتلك السهولة الرهيبة...

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...