تُسابق بعض الأسر الحاكمة في بلدان الخليج العربي الزمن من أجل علاقة خاصة مع الكيان الصهيوني، متجاوزةً كل ما يمكن أن يتوقعه العقل والتاريخ والمنطق البشري في الإجتماع والسياسة والاقتصاد، متجاهلةً إجماعاً شعبياً فعلياً يُعلن رفضه كل يوم، على الرغم من كل الجهود الرسمية التي تبذل لتلميع هذه العلاقة، من خلال الأجهزة الإعلامية واللجان الالكترونية، أو المؤسسات الدبلوماسية واستثماراتها في الثقافة والفن والرياضة والسفر والسياحة...
تلهث هذه الهرولة لأجل حرق كل المراحل الطبيعية المتوقعة بين طرفين عاديين يحرصان على نشوء وتطور علاقة ما، فكيف والأطراف هنا ليست متكافئة، والذي بينها ليس طبيعياً، ولا رابط يمكن أن يبرر كل ما يُسلق من اتفاقيات ومشاريع وشراكات.
التحالف مع الكيان الصهيوني، وهو في عِزّ صلفه وغروره وافتخاره بممارسات إرهاب الدولة على الفلسطينيين، من قتل وتهجير وترويع ومسح للذاكرة، علاقة كهذه لا يمكن فهمها خارج سياق أسئلة الشرعية، والتهديد والإعتراف.
فهل تشعر هذه الأسر بالخوف من شعوبها؟ ما الذي اقترفته من جرائم حرب في محيطها الإقليمي، في السنوات التي أعقبت الربيع العربي، بل هي ترتعد من أصوات الأفراد المطالبة بالإصلاح.. ولماذا تعهدت بمحو الثورات وأغدقت الأموال من خزائنها بلا حساب لوئدها وشيطنتها؟ أليست تقوم مقام الشريك الموثوق للكيان الصهيوني؟
لذا يخاف الأوغاد!
27-05-2021
اتفاق «أبراهام» الإماراتي: تحالف الخائفين
28-08-2020
إن الإشكال الهيكلي الذي ترتعب منه هذه الأسر، هو ذاته المأزق الذي أرهقها عند تشكيل حدود النفط التي رسمها ووزعها المستعمر البريطاني منذ مطلع القرن العشرين. هو عين الإشكال الذي سيعيد طرح نفسه كلما ارتفع منسوب الوعي الشعبي بمحورية المشاركة والمحاسبة، وبأنهم، أي الشعوب، ليسوا رعايا لهم، بقدر ما هم مواطنين يتوافقون على نظام ودولة، لهم فيها حق السؤال والمحاسبة في شأن من يقوم بإدارة مواردهم الطبيعية وقدراتهم البشرية.
وتبرز بعض الفروقات الطفيفة لدى أسر الحكم في المنطقة: بعضها ما زالت تُقدّر وتقيس عمق الجماعات البشرية التي تحكمها، بينما لا ترى الأخرى مجتمعاً يستحق أن يُرى في الأساس. لقد فقدت الغريزة الأساس التي تُميز من يتصدر لإدارة الحكم، والتي تنبهه إلى مراعاة تطلعات الناس واحترام القضايا العادلة التي يؤمنون بها، وفلسطين الناس والأرض والفكرة والمبدأ، في طليعة القضايا الإنسانية التي تحرك البشر في هذه المنطقة. وبدلاً من أن تتخذ ذلك كأساس لبناء شرعية سياسية متماسكة وعقد اجتماعي بينها وبين شعوبها، تحفظ من خلاله العهد بالبناء والتنمية نجدها، تقترف العكس: تتحدى شعوبها بخذلان فلسطين، وتذهب أبعد من ذلك، عندما تُعرّض الشعوب للخطر، وتفتح البلاد للصهاينة، ترحب بهم، وتحتفي ببشاعتهم، فتوفر المنابر العلمية والثقافية لعرض مجازرهم وطرق قهرهم لأهلنا في فلسطين، بل وتكافئهم بمنح استثمارية في اقتصادها وفرص تعليمية في جامعاتها ومراكزها العلمية، وتتوجهم بحمل جنسيتها، التي منعتها عن مستحقيها من الذين عاشوا على أرضها عقوداً طويلة، خدموا أهلها بإخلاص ومحبة، وقُبر الكثير منهم تحت ثراها. إن تمكين الكيان الصهيوني من اختراق مجتمعات الخليج العربي بهذه الصورة الغريبة سيكون وبالاً عليها في القريب العاجل، وسيعّجل بخراب شكلانية الدولة التي تفاخر بها، بعد أن فتكت بمكونات المجتمع وتسببت في تحييد مبادراته وحراكه، وبعدما لعبت بالتركيبة السكانية وجعلت الناس أقلية في بلدانها، وكتمت أصواتهم المستقلة.
على الرغم من تضييق الحيز العام عليها، على مستوى المكان والكلام والتعبير، وعلى الرغم من إغراقها في الإنشغالات الاستهلاكية المستنزفة للأموال والأعمار والأرواح، وعلى الرغم من إحباطاتها المتوالية، إلا أن مناهضة التطبيع والوعي بالمقاطعات الإقتصادية والسياسية والثقافية تزداد كل يوم. بل استطاع شباب المنطقة اجتراح مبادرات فاعلة ومنصات مقاوِمة تتصدى لدعوات التطبيع مع الكيان المحتل.
بفعلها هذا، تُكرّس هذ الأسر في المخيال الشعبي الصورة التي تخشاها عن ذاتها. فهي على الدوام قَلِقة ومسكونة بالخوف من انخفاض الإهتمام والاعتراف. لذا، نجدها تفاجئ التوقعات بقفزات في الهواء، وبمغامرات مجانية العائد، لا تراعي فيها قدراتها الطبيعية ولا عمقها الاستراتيجي، ولا حتى مصالحها الآنية على المدى المنظور. إنها مهووسة بشيء واحد: تأمين الدعم الخارجي لحُكمها، والحفاظ على مصالح أفراد بعينهم من هذه الأسر، على حساب سلامة الناس وأمان الأجيال القادمة.
لقد جرى تجاوز حدود الجدل الدائر حول طبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني، فالأمر ليس "سلاماً" ولا "تطبيعاً" ولم يعد "علاقة سرية" بالطبع. لقد غدا هذا الكيان حليفاً فاقع الحضور، يفتخر بزيارات وفوده المختلفة ويبالغ بالاحتفاء بهم، دونما أدنى وخز من ضمير أو حياء من ذاكرة.
ولعله من المفارقات، أنه في الوقت الذي يتنامى الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية، وحوزها لدعم متزايد على مستويات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية وعلمية، في هذا التوقيت بالتحديد، وبعد تضييق الخناق على هذا الكيان في قارات العالم المختلفة، تنبري هذه الأسر لإلقاء طوق نجاة جديد، ومد جسر عبور آمن للعدو لتعميق الجرح العربي، واستنزاف الشعوب في صراعات جديدة قادمة، يهندسها الصهاينة ويتفرجوا عليها بمتعة وحبور.
حقوق الإنسان في الخليج
04-12-2016
إلا أن ما يجدر توثيقه هنا، وفي هذه اللحظة الصعبة، هو موقف أغلب الناس إن لم يكن جميعهم، المُقاوِم لهذه الأفعال مع كل زيارة أو مشروع يُعلن عنه مع اسرائيل. فعلى الرغم من تضييق الحيز العام عليها، على مستوى المكان والكلام والتعبير، وعلى الرغم من إغراقها في الإنشغالات الاستهلاكية المستنزفة للأموال والأعمار والأرواح، وعلى الرغم من إحباطاتها المتوالية، إلا أن مناهضة التطبيع والوعي بالمقاطعات الإقتصادية والسياسية والثقافية تزداد كل يوم، وتوجع أعمق من ذي قبل. بل استطاع شباب المنطقة اجتراح مبادرات فاعلة ومنصات مقاوِمة تتصدى لدعوات التطبيع مع الكيان المحتل، وتعمل بكد واجتهاد على رصد أغلب عمليات حقن هذا الورم السرطاني في جسد ووجدان المنطقة. أمثلة راهن هذا الحراك الفاعل كثيرة: "إئتلاف الخليج ضد التطبيع"، والذي يضم مجموعة واسعة من المؤسسات والأفراد مهمتها التصدي لخطر التطبيع، وكذلك "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع"، و"شباب قطر ضد التطبيع"، و"حركة المقاطعة BDS في الكويت"، و"عُمانيون ضد التطبيع"، و"رابطة شباب لأجل القدس"، و"الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع".. والقائمة تزيد وتتناسل رفضاً كل يوم.
الخليج لا يتلخص ببعض الأسر الحاكمة لبلدانه العربية. هذه نقطة تبيانها غاية في الأهمية عند الحديث عن راهن الصراع مع الكيان الصهيوني. كما أنه أيضاً ليس هذه الأسماء المعزولة، التي تتحمس هنا وتبرر لإجرام العدو هناك.
سردية عرب الصحراء وعرب الماء
15-03-2018
"التصهين" ليس "مشروعاً خليجياً" كما تحاول بعض الأوساط المهووسة بعقدة "الاستخلاج" تسويقه، والتي لا ترى الإنسان في الخليج أكثر من مُحْدث نعمة، غير موثوق، ومسيطر عليه من قبل شيوخه وحكامه. وهو المدخل ذاته الذي استخدمه الكيان الصهيوني لإختراق المنطقة. فهو لم يجرؤ على طرق أبواب التطبيع الشعبي، ليقينه بالرد الواضح الذي سيتلقاه.. بيد أن حقيقة الإنسان في هذه المنطقة ليست كما هي ثاوية في أوهام الصهاينة ولا هي الصورة المزاجية التي يحاول البعض إخراجها من جارور أوهامه، كل مرة لا يرضى فيه عن الخليج وأهله: التركيبة الاجتماعية والفكرية والثقافية في الجزيرة العربية، بالغة العمق والتجذر، خاصة بتلك القيم المتعلقة بالأرض، انتماءً وهوية، والتي تشكل فلسطين فيها البوصلة ورمانة الميزان.
الأرض يرثها أهلها، والمستعمر الخارجي لا نفع يُرتجى منه، لا علمه ولا قوته ولا تفوقه المزعوم، سيصمد في وجه شعب يؤمن بأرضه بوصفها وجوداً لا حدوداً.