تطوّرت حماس من حركة على صلة بالإخوان المسلمين، منغلقة على نفسها، الى حركة وطنية فلسطينية مقاوِمة ذات شعبية متزايدة في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة. من الأسباب الأساسية لتنامي الشعبية تلك هو أداؤها العسكري المقاوم وهذا توثقه وتواكبه الاناشيد... لطالما كانت الأناشيد الوطنية أداة لتعبئة الشعب الفلسطيني ولاستلهام مبادئ التحرر والنضال. وفي حالة حماس، هي وسيلة أيضا لإدخال "مفردات اسلامية" إلى الأهازيج التي تستعاد وتُردد.
أناشيد حماس في الانتفاضة الأولى: المد الثوري
الأناشيد "الإسلامية" ابتدأت مع انخراط حماس في العمل السياسي. ومع أول أنشودة أداها السوري ابو راتب، الذي كان يصاحبه بالخلفية الضرب على الدف، في أغنية "ثوري ثوري ثوري" ، واكبت الأغنية الانتفاضة الأولى. ويقال أن كلماتها تعود الى الشاعر الليبي علي الكيلاني. الكلمات كانت تثير مشاعر حماسة الشباب في الانتفاضة الأولى لقذف مزيد من الحجارة على المحتلين، وكانت كلماتها تردد : "ثوري ، ثوري ، ثوري ، هي هيهي، في غزة وبلاطة، بالقدس ورام الله، ثرنا بانطلاقة، كبرنا باسم الله، نتحدى بقرآنا، ثايرين أحرارنا، ثايرين صغارنا، ما بتعود ديارنا، ما بيغسل عارنا إلا الدم والحجار". وتعد هذه الأغنية من الاغاني التراثية الوطنية الفلسطينية والتي يوجد منها نسخة أخرى بالكلمات نفسها ولكن مع موسيقى طربية بدلا من الدف فقط. في نسختها الأصلية، تم إدخال كلمات تبجل قادة وملهمي حماس، مثل الشيخ احمد ياسين، الشيخ عز الدين القسام وعبد الله عزام. في أنشودة أخرى باسم " الأرض لنا والقدس لنا… الله بقوته معنا"، يردد المنشد حسام الأحمد (من الأردن) كلمات يصاحبها صوت الدفوف، مع فرقة إنشاد في الخلفية من فتيات وشباب. وهذه الأنشودة الثانية موجودة أيضا بتوزيع جديد مع موسيقى طربية بعيدة جدا عن الأسلوب الملتزم للضرب على الدف. ولعل استخدام هذا الأسلوب الموسيقي يعود لاضطرار حماس الى التماهي مع الانتشار الكبير للاغاني والموسيقى العصرية السائدة، وربما أيضا لكي لا تبدو الحركة متزمتة، ولاستقطاب أتباع جدد.
انتفاضة الأقصى: النساء في الأناشيد
في الانتفاضة الثانية اطلقت حماس في عام 2001 "المكتب الإعلامي لكتائب عز الدين القسام"، ومن المهام التي قام بها إنتاج الأفلام الوثائقية التي تسجل مراحل وانجازات العمل الجهادي. كمثال على ذلك، أنشودة علوا الرايات (الاستشهاديات) التي توثق قصص الاستشهاديات الأوائل من كتائب القسام، وسرايا القدس (الجهاد الاسلامي)، وكتائب شهداء الأقصى. في هذه الأنشودة أيضا نجد ابتعادا آخر عن موسيقى "الدفوف" واعتمادا على الموسيقى " الطربية"، وهي مغناة بالمحكية الفلسطينية.
ما يميز هذه الأنشودة هو تغنيها بالنساء المقاومات اللواتي كن محسوبات على مختلف الفصائل العسكرية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى كونها امتدادا لأناشيد حماس (نماذج فردية للمقاومة من خلال مثال الحجر في الانتفاضة الأولى والاستشهاديين في الانتفاضة الثانية). كما انها تحكي بأسلوب غنائي ما يميز العمل الفردي المقاوم للاستشهاديات، بقصة شخصية دفعت كل واحدة منهن إلى الدفاع عن الأقصى. فآيات الأخرس مثلا كانت في وصيتها المصورة ترتدي الكوفية السوداء والبيضاء وكانت على وشك الزفاف، فبعمليتها الاستشهادية أصبح "دمها هو حنة العرس".
الأداء العسكري بعد حرب 2008 ـــ 2009
بعد حرب 2008 ـــ 2009 نشرت كتائب القسام أنشودة هنا أعددنا لكم التي تعد تطورا في طبيعة أناشيد الحركة، وأيضا خطوة أخرى في طريق مجاراة الأسلوب الموسيقي والإنشادي الرائج، حيث استخدمت الحركة لأول مرة أسلوب "الفيديو كليب". أطلق هذا الفيديو في مهرجان كتائب القسام في 2013. ولم تنتشر الأنشودة وتصبح مشهورة في الضفة الغربية إلا خلال الحرب الأخيرة (صيف 2014). نلحظ هنا تأثرا كبيرا بأناشيد حزب الله الذي كان سباقا في استعراض انجازاته العسكرية وعملياته الناجحة وبأسِ وقوةِ وصلابةِ مقاتليه على وقع موسيقى وأناشيد حماسية/عسكرية. نرى أن ثقة حماس بانجازاتها وبصمود الشعب الفلسطيني أتاحت لها مخاطبة العدو الإسرائيلي بتهديده بعدم الاقتراب من الأنفاق خوفا من الأسر لدى المقاومة: "هنا ميادين البطولة والغضب.. هنا السيوف مشرعات واللهب. تقدم، يلحقك العار".. يذكر بأن المنشد هو رمزي العك من مخيم عايدة قرب بيت لحم وهو أحد الأسرى المحررين في صفقة شاليط، والذي رُحِّل إلى غزة.
أما بعد حرب 2014، وتيمنا أيضا بأسلوب حزب الله، فأطلقت حركة حماس أنشودة "علّوا رايات النصر" أنشودة/أغنية بموسيقى طربية مغناة مع زغاريد بالخلفية تبشر الفلسطينيين بالنصر ومغناة بالمحكية الفلسطينية وباللهجة الغزاوية من قبل فرقة الوعد الإسلامية.
انعكس إذاً تطور الأداء العسكري والشعبي لحماس على أسلوب المخاطبة والأناشيد التي تطلقها الحركة وتبثها على قنواتها. وانتشار تلك الأناشيد بشكل كبير في أيام الحرب الأخيرة يعني أن الناس يحتاجون لسماع تلك الأغاني في تلك الظروف وفي الأحداث الوطنية العامة. واللافت أن سائر الفصائل والأحزاب الفلسطينية قد توقفت عن إنتاج الأناشيد الحماسية. ويمكن الانتباه إلى أن حماس عممت خطابها عبر تلك الأناشيد والأغاني، كما فعلت فتح والجبهتان الشعبية والديموقراطية قبلها.
وبالطبع، لا تكفي الأناشيد، ولا حتى الانجازات العسكرية نفسها لحصد الشعبية وترسيخها.هناك اشتغال ضروري على الثقافة السياسية الفلسطينية باتجاه إبراز القيم المناضلة، وضد الميوعة والاستهلاكية معاً..