"من السودان تنتفض
صوت الحقّ عمرُه ما ينخفض
قال جَوّ (جاؤوا) ينقذونا / قام قلبوا البلد
قال جو ينصفونا / قام قلبوا البلد
***
أكلوا اللحم
العضم تفّوه (بصقوه)
القال بغم (الذي قال كلمة)، بالسلاح صفّوه
مسكوا حكم البلد سفّوه
قال كان نزيه للمعاش رفّوه
جابوا زعيم بالطبول زفّوه
جابوا كلب في الخلق طلقوه
المال العام نهبوه، سرقوه"
عادت أغنية الفنان السوداني أيمن ماو تصدح وسط المظاهرات وفي الشوارع في أكثر الأوقات حساسية بالنسبة للبلاد. وهو وإن كتبها وأداها قبل انقلاب العسكر، إلا أنها تبدو كأنها تحكي بدقة عن الموقف مما حدث في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إبان اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وحلّ المجلس الانتقالي المدني - العسكري لصالح استئثار الجيش بالسلطة في انقلاب واضح، انتهى منذ أيام إلى اتفاق بين الجيش وحمدوك على التشارك بالسلطة (وهو الاتفاق الاشكالي لأنه يقوم على تقديم تنازلات للعسكر كالموافقة على بنود عدة تضمن مشاركة الجيش في الحكم وتعديل الدستور لضمان مشاركته).
منذ 2018، لم تخلُ الساحات السودانية المحتجة والثورية من إبداعات المنتفضين، من شعاراتها المميزة "رصّ العساكر رصّ، الليلة تسقط بسّ"، إلى استعادة تراث الكنداكات في الشعر والأغنية، وصولاً إلى أغاني الراب والريغي الذي يتميز به أيمن ماو، الناشط السياسي الذي يفخر بكونه لا يغني "إلا سياسة" وبتأثره بموسيقيي الريغي الجامايكيين. ماو الذي يسكن الولايات المتحدة حالياً ما انفضّ قطّ من ساحات الاحتجاج بصوته وشخصه، فحضر في الخرطوم في المظاهرات ضد عمر البشير ملهباً الحشود بأسلوبه الحماسي، وأحيى احتفالات للسودانيين في دول الاغتراب، كما ظهر له منذ أيام فيديو جديد يؤدي فيه أغنيته الأشهر "دم" من تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، أثناء مظاهرة للجالية السودانية ترفض انقلاب العسكر.
فيديو من مظاهرة الجالية السودانية في تكساس
***
وقد كانت أغنية "دم" قد تحولت لنوعٍ من النشيد الرسمي للثورة، إذ رددها الناس دون حاجة للموسيقى، مستعيضين عن الأخيرة بكلمة "ثورة!" بدل الصمت. بالنسبة لأيمن ماو، الثورة هي القوة التي أعادته إلى بلده بعد 10 سنوات قضاها في أمريكا. وبرأيه، هو مدين للناس في السودان لإعطاء أغنيته صوتاً، وهم يستمرون بإعطائها صوتاً، وليس العكس.
أما بالنسبة للسودانيين، فـ"الردّة مستحيلة" هو شعار المرحلة، إذ يتمسّكون بما طلبوه في انتفاضتهم حتى بعد كل ما حدث مؤخراً، وعلى الرغم من أن الذين "قلبوا البلد" حسب أغنية ماو، لم يرضوا بأربعين شخصاً قضوا في مظاهرات الاحتجاج على انقلابهم، بالإضافة لعشرات الجرحى، فواصلوا ضرب الناس الذين استمروا في الاحتجاج - بالتزامن مع توقيع الاتفاق بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك - بالغاز المسيل للدموع وشتى أشكال العنف، يوم الأحد 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.