"مؤتمر مصر الاقتصادي" هو المسمى المهذَّب لـ«مؤتمر المانحين». وقد دعا إليه الملك السعودي دعماً للاقتصاد المصري، وهو سيعقد في شباط المقبل. المتابع لسيل الإخبار عن المؤتمر في وسائل الإعلام المصرية يدرك حجم الآمال العريضة التي يعقدها المسؤولون عنه لجلب الاستثمارات الأجنبية.
يمكن استخلاص مقولة مبسطة مما سبق: الاقتصاد المصري لن يعتمد على المنح والمساعدات كما في العام المالي الماضي، أو ليس بالمقدار نفسه (الذي بدأ بعد إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي وعندما خلفته سلطة انتقالية مدعومة عسكرياً)، لكنه سيعتمد على السعي لجلب استثمارات أجنبية، وبالذات من الخليج الذي تتوقع وكالة «موديز» استمرار «التزامه» بدعم الاقتصاد المصري.
قد يتضمن التعهد بالتخلي النسبي عن المنح والمساعدات منحى اكثر استقلالية في إدارة الاقتصاد. لكن بالمقابل، فالاعتماد على الاستثمار الأجنبي لا يتضمن الا المزيد من «التعرض» لمتغيرات الاقتصاد العالمي. وثمة متغير رئيسي في هذا السياق، هو أسعار البترول المتراجعة، بما تتضمنه من تأثير على موازنات الخليج نفسه الذي يفترض انه الحائط الذي يستند عليه الاقتصاد المصري.
ومدى مَيل هذا الحائط ـ وفقاً للتعبير المصري، في إشارة لترنحه ـ يعتمد على مدى اعتماد هذه الاقتصادات على عائدات البترول من ناحية، وعلى مدى تراجع أسعار البترول من ناحية آخرى.
الحائط مائل بشدة
بحسب تقرير «الآفاق الاقتصادية والتحديات على صعيد السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي» الصادر عن صندوق النقد منذ عام بالتمام، تتصدر الكويت دول الخليج من حيث مدى الاعتماد على إيرادات الهيدروكربونات (نحو 82 في المئة من ايراداتها الحكومية)، وتليها السعودية (80 في المئة من تلك الإيرادات). والنسبة في عُمان تزيد عن 60 في المئة وهي 50 في المئة في قطر، وفي البحرين 35 في المئة، تليها الإمارات 32 في المئة.
ووفقاً للتقرير ذاته، فقد بلغ العجز الاولي غير النفطي في الموازنة العامة ما يقرب من 100في المئة في الكويت و35 في المئة في السعودية، وما يقرب من 55 في المئة في قطر، ونحو 60 في المئة في عُمان، و نحو 25 في المئة في الإمارات، ونحو 12 في المئة في البحرين. و«تستخدم نسبة عجز المالية العامة غير النفطي الى اجمالي الناتج المحلي غير النفطي كمقياس لموقف المالية العامة في تلك الاقتصاديات» تبعاً لما اوضحه التقرير.
خطاب الأزمة في السعودية
حجم المأزق الذي تواجهه السعودية بالذات، ربما يتضح جيدا من خطاب الأمير الوليد بن طلال في 13 تشرين الأول، الموجه لوزير البترول السعودي علي بن ابراهيم النعيمي، مستنكراً فيه تصريحاته التي قلل فيها من تأثير تراجع اسعار النفط في أيلول الماضي الى ما دون 100 دولار للبرميل. ذكر الوليد بن طلال بأن «90 في المئة من ميزانية الدولة لعام 2014 تعتمد عليه (ايرادات النفط)»، وأن «ميزانية المملكة للعام 2014 بنيت على أساس أن سعر برميل البترول في حدود من 80 الى 90 دولاراً»، وأن صافي التخفيض (لحجم الإنتاج السعودي من النفط) 300 ألف برميل تقريباً. وقدر الخسارة بسبب تخفيض الإنتاج بـ3.24 مليار دولار في الأشهر الأربعة القادمة، وقال إن استمرار الوضع الحالي العام القادم يعني خسارة تصل الى 51,1 مليار دولار.
وطرح الأمير عدداً من المقترحات في خطابه الذي نشرت البورصة السعودية نسخة منه، كما يلي: «خطورة الاستمرار في الاعتماد الكلي على البترول في ميزانية الدولة، ضرورة تنويع مصادر الدخل وضرورة تفعيل خطط إنتاج الطاقة الذرية والشمسية والمتجددة»، بخلاف توكيده على ما يطالب به منذ خمس سنوات، تبعاً لما قال في خطابه، وهو تخفيض ميزانية الدولة.
وتواجه السعودية خيارات صعبة فيما يتعلق بالأسعار، إذ «من الواضح أن المملكة قررت الحفاظ على حجم إنتاجها، وتحمّل انخفاض الأسعار. وفي الواقع، تساهم السعودية في تخفيض الأسعار من خلال خصم أسعارها الخاصة في المبيعات التعاقدية لعملاء في آسيا»، حسبما يقول سايمون هندرسون وهو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ويرى أن»التفسير الاقتصادي المقبول على نطاق واسع لهذه المنهجية هو أنه من خلال تخفيض الأسعار، يستطيع السعوديون إبعاد بعض المنافسين العالميين الذين يستخدمون أساليب إنتاج ذات تكلفة أعلى، مثل الشركات الكندية التي تنتج النفط الرملي والشركات الأميركية التي تنتج النفط الصخري». وبالإضافة إلى ذلك، فالحفاظ على الأسواق مهم أيضاً بالنسبة للرياض، لا سيما في منطقة آسيا التي تشهد منافسة في هذا القطاع، والتي يمكنها أن تتحول بسرعة نحو مصادر غير سعودية مثل العراق، إذا ما خفضت المملكة من الإنتاج في محاولة منها للحفاظ على ارتفاع الأسعار، تبعا لأندرسون.
الإنفاق لمواجهة المخاطر
الداخلية ام الإقليمية
تواجه دول الخليج إجمالاً، والسعودية بالذات تحدياً يتعلق بصعوبة خفض الإنفاق بمقدار مرونة انخفاض الإيرادات النفطية لأسباب سياسية. وهو ما يعبر عنه اندرسون قائلا إن «العقد الاجتماعي الضمني للمملكة هو: أن شعبها يتقبل افتقاره للحريات الديموقراطية نظراً إلى الكرم الأبوي لعائلة آل سعود». لكن تقرير مشاورات المادة الرابعة، الصادر عن صندوق النقد الدولي للعام الحالي، توقع في المقابل انخفاض فائض المالية العامة السعودية. وقال التقرير إنه «من المتوقع استمرار النمو القوي في المصروفات على السلع والخدمات والمشروعات الرأسمالية، وبالتالي تراجع فائض المالية العامة الى 2.5 في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي في 2014.. ويؤدي مسار الإنفاق على هذا النحو وتراجع الإيرادات النفطية إلى عجز كلي في المالية العامة في 2015 يُتوقع أن يتفاقم ليصل إلى 5,7 في المئة تقريباً من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019».
ولأن القطاع الخاص في الخليج لا يتمتع بالاستقلال الحقيقي عن القرار السياسي الحكومي، مع ارتباط كبرى الشركات بالحكومة، فمن البديهي أن يكون التساؤل يتعلق بأولوية الاستثمار، هل هو داخل حدود السعودية ام في مصر في ظل الأزمة الحالية.
حدود الأزمة
ما يشير إليه أندرسون عرضاً عن المنافسة الكندية والأميركية والعراقية، ليس ألا جانباً واحداً من جانبي أزمة سعر النفط، على نحو قد يبدو معه من المنطقي النظر الى تراجع الأسعار بوصفه يقوم على أسباب ليست عابرة.
فاتجاه الولايات المتحدة لزيادة إنتاجها من النفط ومن نصيبها في السوق العالمي لا يمكن تجاهله، خاصة بعدما سمحت وزارة التجارة الاميركية لشركتين بتصدير المكثفات النفطية على نحو فسر كتحول تاريخي عن السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة طوال اربعة عقود بحظر تصدير الخام. ووصل إنتاج الولايات المتحدة اليومي من النفط مطلع العام 2014 الى ما يقرب من تسعة ملايين برميل.
وتتزامن هذه الزيادة في الانتاج الاميركي مع تبدد المخاوف بعض الشيء بشأن انخفاض العرض من النفط الذي تنتجه ليبيا والعراق في الربع الثالث من العام 2014.
وتتوقع الوكالة لدولية للطاقة زيادة الطلب العالمي بواقع 0.7 مليون برميل يومياً في العام 2014، وهو ما يعد اقل توسع في الطلب منذ انكماشه على خلفية الازمة الاقتصادية في العام 2008. ويتوقع البنك الدولي في تقرير توقعات سوق السلع العالمي في تشرين الأول استمرار التراجع الكبير في أسعار النفط مع ترشيد استخدامه والتحول عنه أصلا إلى مصادر أخرى للطاقة في الدول المتقدمه.
بعبارة أخرى قد يكون الاقتصاد المصري مرتكناً الى حائط مائل يستند بدوره الى حائط مائل!