يصرخ الوحش أنا في خطر وتدوس قدمه الهائلة عشرين بيتًا على رؤوس أهلها. عاديون جدا أهلها. يتراوح طولهم بين 50 سنتيمترا و180 سنتيمترًا. وزنهم بين 5 كيلوغرام و75 كيلوغراما، وأحدهم وصل وزنه حتى 115 كيلوغراما. عيونهم مألوفة، معظمها عسلية وسوداء. هنا وهناك تلفتك بضع عيون خضراء وزرقاء. شعورهم تتراوح بين الأسود الفاحم وبين الأبيض الرمادي. ولو دققت لرأيت منهم من يرتفع جسده تحت تسريحة سريعة بالبني وحتى الأشقر، الصغار منهم خصوصا.يصرخ الوحش ويبكي، ومن تحت قدمه الهائلة تطل أشلاء مهروسة لرؤوس ذات عيون سوداء وعسلية وخضراء وزرقاء وشعر اسود وابيض وبني وأشقر. يذرف الوحش دمعة بحجم تمساح. تزحف الدمعة على وجنته الملساء حتى جوار شفتيه. مبتسمتان الشفتان. في نقطة التقاء الدمعة بحجم تمساح مع الشفاه المبتسمة تندلق مفارقة لزجة تروح تعوي بعين واحدة وقرون وذيل وجسد عارِ يكسوه شعر متلبّد. مبتسمتان الشفتان على التقدّم بمقدار قدم جديد في أرض.
الوحش ليس بعين واحدة. لا. لا قرون له. ولا ذيل. ليس عاريا ولا يكسو جسده شعر متلبّد. أنيقٌ الوحش. يرتدي ثيابا مُحكمة. على طولها يطلّ خط الكيّ حادًا كسيف جاهز للعمل. شعره قصير، ورغم قصره ممشّط بعناية. ملامحه لا تثير الرعب في طفل ولا عجوز. بالعكس. نظاراته برّاقة الحواف من الطيف الأرجواني تترك انطباعا حسنا في الرائي. ليس للوحش أظافر سميكة طويلة متسخة. فهو يحرص على تقليمها تماما مثلما تحرص السيدة زوجته على تنظيف وجهها لدى السيدة أخصائية التجميل. لو نقلته من هنا، من قذارة هذه الأجساد المهروسة، الى موقع ذي ديكور فاتح تتوزّع في أركانه أوانِ داكنة اللون على خلفية جدران بمشحات خفيفة من تلك الألوان التي توصف بالدافئة، لتوقعت منه أن يقوم من فوره للجلوس خلف بيانو، أو الانطلاق ليقدّم، بمفردات فخمة وذائقة عالية وإلمام واسع، شرحا مفصلا لخصائص الموسم الذي قُطف فيه عنب هذا النبيذ، وفضائل هذا النبيذ حين يجاور صحنا من القريدس المطهوّ على نار خفيفة بصلصة الثوم والليمون والكمّون.
قدم الوحش اليمنى كاليُسرى، عادية. يتراوح مقاسها بين 42 و46 على الأكثر. لم يحتج مرة لطلب تفصيل خاص لقدمه الخاصة. لكن نمَت للوحش قدم ثالثة. يُقال إنه يشتغل عليها مئات الصُّناع والمهندسين وتسكب عليها سيول من الذهب. قدم الوحش الثالثة الهائلة لا يجرّها خلفه ولا يدفعها أمامه. حين صنعها صرعه إعجابه بها. يقال إنه حتى كان يومها قد فرغ من قراءة "المسخ" لكافكا. وانتقل ليعيش فيها. في قدمه. فريدة هذي القدم الثالثة الهائلة. فهي لكائن ليس له قدم هائلة ثالثة. بل قدم هائلة ثالثة لها كائن ذي دماغ لا يكسو جسده شعر متلبّد. لا قرون له ولا ذيل. يرتدي ثيابا مُحكمة. على طولها يطلّ خط الكيّ حادا كسيف جاهز للعمل. شعره قصير، ورغم قصره ممشّط. ملامحه لا تثير الرعب في طفل ولا عجوز. بالعكس. نظاراته برّاقة الحواف ذات الطيف الأرجواني تترك انطباعا حسنا في الرائي. ليس للوحش أظافر سميكة طويلة متسخة. فهو يحرص على تقليمها تماما مثلما تحرص السيدة زوجته على تنظيف وجهها لدى السيدة أخصائية التجميل.يصرخ الوحش ثانية أنا في خطر. ويدوس بقدم هائلة واحدة، تجرّه خلفها وتدفعه أمامها، عشرين بيتا على رؤوس أهلها. عاديون جدا أهلها. يتراوح طولهم بين 50 سنتيمترا و 180 سنتيمترا. وزنهم بين 5 كيلوغرام و75 كيلوغرام وأحدهم حتى 115 كيلوغراما. عيونهم مألوفة، معظمها عسلية وسوداء. هنا وهناك تلفتك بضع عيون خضراء وزرقاء. شعورهم تتراوح بين الأسود الفاحم وبين الأبيض الرمادي. ولو دققت لرأيت منهم من يرتفع جسده تحت تسريحة سريعة بالبني وحتى الأشقر، الصغار منهم خصوصا.
تندفع القدم وتسحق وتهرس والوحش يصرخ متلذذا بشيء لا هو الخوف بالضبط ولا القتل بالذات. عميقا في قلب القدم التي احتاجت مئات الصُّناع والمهندسين وتسكب عليها سيول من الذهب، يجلس الآن بأمان الجسد الأنيق غير المكسو بالشعر الذي لا قرون له ولا ذيل وثيابه حادّة خطوط الكيّ كالسيف الجاهز للعمل، وذي النظارات أرجوانية الحواف، وسط ديكور فاتح تتوزّع في أركانه أوانِ داكنة اللون على خلفية جدران بمشحات خفيفة من تلك الألوان التي توصف بالدافئة، يقوم من خلف بيانو، يتناول ملحق الصحيفة الأسبوعي وتلفته مقالة مكتوبة بمفردات فخمة وذائقة عالية وإلمام واسع، تقدّم شرحا مفصلا لخصائص الموسم الذي قُطف فيه عنب هذا النوع من النبيذ، وفضائل هذا النبيذ حين يجاور صحنا من القريدس المطهوّ على نار خفيفة بصلصة الثوم والليمون والكمّون.
يتثاءب الجسد الأنيق الذي لا يكسوه الشعر ولا قرن له ولا ذيل بكل عاديّة. مثلك يتثاءب. يقوم، يفرك أسنانه، يبدّل ملابسه، يتمدّد في فراشه الوثير داخل القدم الهائلة التي احتاجت مئات الصُّناع والمهندسين وتسكب عليها سيول من الذهب، يشعل مصباح القراءة فاتح النور، ويتناول كتاب شعر عن منضدة بيضاء ملاصقة للسرير. فيما هو يقرأ قصيدة، يطلّ من زاوية ما، لا يعرف أحدٌ كيف، كشمس اعتادت الفجر منذ دهر، صوت امرأة اسمها فيروز تغني وتردّد بقوة وتشديد لمخارج حروف عربية:"وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية/ وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية/ الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ".
يلتفت الجسد الأنيق الذي لا يكسوه الشعر ولا قرن له ولا ذيل، ويتمتم: "كم أحب عمق روحانية وصفاء غناء وموسيقى هذا الشرق". يقلب صفحة أخرى في كتاب الشعر، يقرأ قصيدة جديدة، ويتثاءب ثانية. مثلك يتثاءب.
تكاد الغفوة تسحبه حين يشعر فجأة باهتزاز طفيف، كما لو أنه جناح طائرة حربية تُسقط قذيفة بوزن طن على عشرين بيتا أخرى على رؤوس أهلها. فقد داست في هذي اللحظة القدم الثالثة الهائلة على عشرين بيتًا أخرى على رؤوس أهلها.
عاديون جدا أهلها. يتراوح طولهم بين 50 سنتيمترا و 180 سنتيمترًا. وزنهم بين 5 كيلوغرام و75 كيلوغراما، وأحدهم حتى 115 كيلوغراما. عيونهم مألوفة، معظمها عسلية وسوداء. هنا وهناك تلفتك بضع عيون خضراء وزرقاء. شعورهم تتراوح بين الأسود الفاحم وبين الابيض الرمادي. ولو دققت لرأيت منهم من يرتفع جسده تحت تسريحة سريعة بالبني وحتى الأشقر، الصغار منهم خصوصا.
مواضيع
الوَحش
مقالات من فلسطين
خالدة جرار مسجونة في قبر!
"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...
اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة
لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...
كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..
شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...
للكاتب نفسه
سياسات التقسيم الطائفيّ رمز الإخلاص الصهيونيّ للاستعمار
التجليات الطائفية والمذهبية "الدارجة" في مجتمعاتنا العربية سكنت دائماً في مفاصل معمارنا الاجتماعي، لكنها لم تفتّ من عروبتنا، أقوى ملامح المشرق، بينما خططت إسرائيل لهندستها وتوظيفها وحتى لخلقها.
من بروكسل لسخنين..
كبعض الناس، لديّ معارف محتمل وجودهم ببروكسل. بعضهم من أوروبا وبعضهم في أوروبا. بعضهم يستقلّون المترو ومنهم من يتنقل في المطارات. فيهم عرب وغير عرب. يشمل يهوداً أيضاً. هم أشخاص...
صوت يوم الأرض وصَداه في "الاتحاد"
وقفت جريدة "الاتحاد" الحيفاوية في آذار 1976 وحيدةً أمام حشد وسائل الإعلام السلطوية الإسرائيلية، عبرية منها و "عربية". مطلع ذلك العام الفصْل، كانت السلطات الإسرائيلية تعدّ مشروع مصادرةٍ ضخمًا لأراضي...