جاءت من آسيا أولى الإشارات إلى أن السوق النفطية تتجه إلى أعلى، وفي مجال مختلف قليلاً وهو مجال الغاز الطبيعي الذي تصاعدت أسعاره في ظرف 18 شهراً بنسبة 300 في المئة، لتباع المليون وحدة حرارية بريطانية بمبلغ 34 دولاراً، مقابل دولارين في أيار/ مايو من العام الماضي 2020. في تفسير هذا الارتفاع يتم إيراد العديد من الأسباب، من الانتعاش الاقتصادي إلى التغيرات المناخية، من شتاء قارس إلى صيف ساخن مع احتياج ضخم للتبريد والتدفئة في الحالتين، ثم بروز بعض المشاكل الإنتاجية كما في توزيع الغاز. وهكذا تصاعد الطلب في الوقت الذي بدأت تشح فيه الإمدادات، ولجأ الكثيرون إلى المنتجات النفطية لسد الفجوة، خاصةً في مجال الديزل لتشغيل المولدات. وهكذا سحبت أسعار الغاز المرتفعة معها أسعار النفط الخام إلى أعلى.
تعرضت أيضاً السوق النفطية إلى بعض العوامل الدافعة إلى ارتفاع الأسعار، وعلى رأسها بالطبع تحسن الوضع الاقتصادي إثر تخفيف الكثير من الدول للإجراءات الخاصة بالكورونا، ومن ثمّ حدوث تحركات اقتصادية نشطة في مختلف المجالات. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى مساندة مثل الإعصار "أيدا" الذي ضرب مناطق إنتاجية في خليج المكسيك في الولايات المتحدة، وأدى إلى غياب 35 مليون برميل، أو بمعدل 550 ألف برميل يومياً. ثم ما اتضح بصورة جلية من إن النفط الإيراني ليس في وارد الولوج إلى الأسواق قريباً في غياب التفاهم بين طهران وواشنطن على العودة إلى الاتفاق النووي. وفاقم في غياب الإمدادات الإيرانية أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي لم يستطع التعويض، وذلك بسبب تراجع الأسعار من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم رغبة المصارف في تمويل مشروعات الوقود الأحفوري تماشياً مع التوجهات العامة لتقليل الانبعاثات الحرارية. وبالتالي تراجعت أعداد الحفارات العاملة في التنقيب التي استقرت مؤخرا عند 528 حفارةً وهو رقم يماثل نصف ما كان عليه العدد قبل عامين.
قرار المنتجين له جانب جيوبوليتيكي، إذ سيضع أوبك بصورة عامة، والسعودية تحديداً في مواجهة مع إدارة بايدن، التي لا تريد أن تضيف لها هماً جديداً، هو تصاعد سعر غالون الوقود للمستهلكين الذي زاد بحوالي دولارٍ مقارنةً بما كان عليه قبل عام.
زيادة الاهتمام بمنطقة أسيا والتنافس مع الصين أسهم في تعزيز الإحساس بضعف الاهتمام بالمنطقة الخليجية، وهو ما دفع الأخيرة إلى عملية مراجعة بدأت بخطوات صغيرة تستهدف التعايش مع مختلف القوى الموجودة في المنطقة بغض النظر عن توجهاتها السياسية والأيديولوجية.
ولكل هذه الأسباب المجتمعة، شهدت الأسابيع الستة المنصرمة تصاعداً متماسكاً للأسعار وإن كان متئداً، إلى أن قاربت معدل 80 دولاراً من خام "برنت"، وهو أعلى سعر يحققه منذ ثلاث سنوات. لكن اجتماع أوبك والدول المتحالفة معها بقيادة روسيا يوم الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، جدد التزامها بقرارها القديم بالعودة التدريجية من خلال ضخ 400 ألف برميل يومياً كل شهر حتى نيسان/ أبريل المقبل، وذلك حتى تعوّض المجموعة عن حجم الخفض الذي قررته من قبل وهو 5.8 مليون برميل لمواجهة ضعف الطلب، بسبب تأثير جائحة الكورونا على الاستهلاك والوضع الاقتصادي عموماً.
صدمة سعرية
أصاب القرار الأسواق بقدر غير قليل من الصدمة، وهو ما تمّ التعبير عنه بزيادة نحو 3 في المئة في سعر كل من خامي "ويست تكساس" و "برنت"، ووصولهما إلى أعلى معدل لهما في فترة سبع سنوات. وكانت الأسواق تتوقع أن تعمل أوبك وحلفاءها على ضخ المزيد من الإمدادات تلبيةً لاحتياجات السوق المتنامية خاصةً وإن فصل الشتاء على الأبواب، وحاجة الأسواق ماسةٌ إلى المزيد من الإمدادات النفطية.
شهدت الأسابيع الستة المنصرمة تصاعداً متماسكاً للأسعار وإن كان متئداً، إلى أن قاربت معدل 80 دولاراً من خام "برنت"، وهو أعلى سعر يحققه منذ ثلاث سنوات. وكانت الأسواق تتوقع أن تعمل أوبك وحلفاءها على ضخ المزيد من الإمدادات تلبيةً لاحتياجات السوق المتنامية، خاصةً وإن فصل الشتاء على الأبواب، وحاجة الأسواق ماسةٌ إلى المزيد من الإمدادات النفطية.
في حسابات تحالف المنتجين، إن الوضع ليس مطمئناً خاصةً على جبهة كورونا مع انتشار المتحوّر "دلتا"، كما أن اقتصاديي المجموعة يتوقعون ضعفاً في الطلب في نهاية العام. ولهذا رأت المجموعة ضرورة عدم المغامرة، ودفع الدول المستهلكة إلى اللجوء إلى المخزون التجاري لديها، والسحب منه لسد أي فجوة في الإمدادات، وبذلك تحقق أحد أهداف أوبك المتمثل في تقليص حجم المخزونات التجارية لدى المستهلكين إلى المعدل المرغوب فيه، وهو متوسط خمس سنوات أو أقل من ذلك إذا تيسر.
النتيجة الأولية لهذا الوضع أن أوبك وحلفاءها، وتحديداً السعودية وروسيا سيتحكمان بدرجة كبيرة في السوق حتى نهاية هذا العام على أقل تقدير، من جانبي الإنتاج والأسعار. فتقييد الإمدادات سيسهم قطعاً في زيادة الأسعار، والعكس صحيح، بل وتتوقع بعض بيوت الاستشارات مثل "غولدمان ساكس" أن يصل سعر البرميل إلى 90 دولاراً بنهاية العام.
زيادة الأسعار هي من التطورات المرحب بها طبعاً لدى الدول المنتجة، خاصةً بعد فترة ضعف الطلب، وتدهور الأسعار التي شهدتها الأعوام السابقة. وكمثال فإن الرياض مثلاً تقلصت عائداتها من النفط بحوالي النصف في العام الماضي، إلى 119 مليار دولار، تأمل في التعويض عن ذلك من الآن وخلال الشهور المقبلة، مما يعزز من فرص انتعاشها الاقتصادي الداخلي، ويساعدها في برامج تنويع القاعدة الاقتصادية التي تعتزم المضي فيها بعيداً عن المجال النفطي. والوضع نفسه ينطبق على بقية المنتجين بدرجات متفاوتة.
جانب جيو-سياسي
قرار المنتجين هذا له جانب جيوبوليتيكي، إذ سيضع أوبك بصورة عامة، والسعودية تحديداً في مواجهة مع إدارة بايدن، التي لا تريد أن تضيف لها هماً جديداً، وهو تصاعد سعر غالون الوقود للمستهلكين الذي زاد بحوالي دولارٍ مقارنةً بما كان عليه قبل عام، إضافةً إلى المتاعب العديدة التي تعاني منها الإدارة داخلياً وخارجياً. ولهذا بعثت واشنطن بمستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، إلى الرياض ليلتقي بولي العهد محمد بن سلمان، على الرغم من نظرة إدارة بايدن السلبية تجاه ولي العهد السعودي، والبحث في عدة قضايا من بينها موضوع أسعار النفط.
على أن تأكيد المجموعة الالتزام بالقرار القديم، وعدم زيادة الإمدادات يشير إلى أن تلك الزيارة لم تنجح، في هذا الجانب على الأقل، وضعاً في الاعتبار مقارنة تعامل بن سلمان مع الرئيس السابق دونالد ترامب واستجابته لطلباته النفطية.
خلاف السعودية - الإمارات النفطي وملامح مرحلة جديدة
14-07-2021
اندحار امبراطوري في أفغانستان
15-09-2021
وفي القرار أيضاً رسالةٌ بصورة غير مباشرة إلى طهران التي فتحت معها الرياض خطاً للحوار المباشر في قضايا عديدة، يظل النفط واحداً منها. إذ تفضل طهران عادةً الأسعار المرتفعة وعدم زيادة الإمدادات التي يمكن أن تكون على حساب نصيبها في الأسواق. وفيه أيضاً ما يمكن أن يكون مؤشراً على تغييرات جيوسياسية في علاقات البلدين والإقليم، من تنامي الإحساس بأن الولايات المتحدة لم تعد الشريك المضمون الذي يهبُّ لنجدة حلفائه، وذلك منذ الضربة التي استهدفت قلب الصناعة النفطية السعودية قبل عامين ولم تردّْ عليها واشنطن. فالقاعدة السائدة أن الولايات المتحدة توفر الحماية للسعودية، خاصةً لصناعتها النفطية. وفي المقابل تقوم الرياض بمواجهة احتياجات السوق والتعويض عن أي انقطاع في الإمدادات، وهو ما دفعها للاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة تتراوح بين مليون ومليوني برميل يومياً، للوفاء بهذا الالتزام على الرغم من العبء المالي والإداري المهني الذي يتطلبه ذلك. ومع تنامي القدرات الإنتاجية في الولايات المتحدة للنفط الصخري، فإن احتياجاتها للطاقة المستوردة بدأت في التناقص، وتبعها تقلص الاهتمام السياسي والاستراتيجي بمنطقة الخليج التي كانت تعتبر ذات أهمية أمنية قصوى. كما أن زيادة الاهتمام بمنطقة أسيا والتنافس مع الصين أسهم في تعزيز الإحساس بضعف الاهتمام بالمنطقة الخليجية، وهو ما دفع الأخيرة إلى عملية مراجعة بدأت بخطوات صغيرة تستهدف التعايش مع مختلف القوى الموجودة في المنطقة بغض النظر عن توجهاتها السياسية والأيديولوجية.
جرى دفع الدول المستهلِكة إلى اللجوء إلى المخزون التجاري لديها، والسحب منه لسد أي فجوة في الإمدادات، تحقيقاً لأحد أهداف أوبك في تقليص حجم المخزونات التجارية لدى المستهلكين. النتيجة الأولية لهذا الوضع أن أوبك وحلفاءها، وتحديداً السعودية وروسيا، سيتحكمان بدرجة كبيرة في السوق حتى نهاية هذا العام على أقل تقدير، من جانبي الإنتاج والأسعار.
يبقى القول إن قرار مجموعة أوبك وحلفائها يشير بوضوح إلى المرحلة الانتقالية التي تعيشها الصناعة النفطية. فمن ناحية أصبحت تتهيأ بكل اللاعبين فيها، من دول منتجة وشركات نفطية عملاقة، إلى التعامل مع حقيقة التغير المناخي التي أصبحت قضية رأي عام. لكن إلى أن يتم الوصول إلى مرحلة تنفيذ اتفاقية باريس للتغير المناخي، وخفض الانبعاثات الحرارية الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، فإن المنتجين بقيادة السعودية وروسيا سيظلون في مقعد قيادة السوق، والعمل على الإبقاء على التوازن الدقيق بين العرض والطلب، وتلبية احتياجات الأسواق المختلفة، على الرغم من دورات الصعود والهبوط للأسعار تبعاً لحالة العرض والطلب. وفي هذا تحتاج الدول المنتجة إلى الحصول على السعر المناسب الذي يمكّنها من تلبية احتياجاتها المالية، وفي الوقت نفسه الاستثمار في الطاقات التقليدية وتلك البديلة المتجددة.