المشكلة الوحيدة التي - وبلا شك - يمكن اعتبارها أكبر من الفساد في العراق، هي الطائفية. وهي الأخرى إحدى الألاعيب القذرة التي يمارسها الساسة العراقيون منذ 2003 للبقاء في السلطة، سُنَّةً وشيعة على حد سواء، بدءاً من الاستفتاء على الدستور وانتخابات 2005، مروراً بـ "دعوا الناس تنفِّس عن غضبها"، الجملة التي قالها رئيس الوزراء العراقي الأسبق إبراهيم الجعفري عام 2006، بعد تفجير مرقد العسكرييَّن في سامراء، ولهما قدسية كبيرة عند الشيعة. حينها اندلعت الحرب الطائفية، وتفشى القتل على الهوية والاسم، وصولاً إلى "قانون 4 إرهاب"، والمخبر السري، "والحرب بين أنصار يزيد والحسين" التي تبناها وروَّج لها رئيس الوزراء (الأسبق أيضاً) نوري المالكي خلال ولايتيه سيئتا الصيت والنتائج، ثم تسييس التظاهرات في المناطق السنية وتحميلها شعارات طائفية من قبل "الحزب الإسلامي" والتيارات القريبة منه، والتي انتهت بصعود مقاتلين من تنظيم القاعدة إلى منصة الاعتصام في مدينة الرمادي وهتافهم: "احنا تنظيم اسمنا القاعدة.. نقطع الرؤوس ونقيم الحدود" التي، وبمقابلها، انتشرت مقولة: "احنا شيعة واسمنا الرافضة.. نعدل المال ونرد الحقوق"، ثم الحرب التي نشبت بين "أنصار يزيد" و"أنصار الحسين" (داعش والحشد الشعبي) كما أرادها نوري المالكي، والتي لم تنته بعد، على الأرض وفي قلوب المتحمسين لها.
العراق 2021: العيب
06-05-2021
وهؤلاء ليسوا حتماً أغلبية العراقيين، وليس ما يقولون أو يفعلون مما نرصده هنا مجسِّداً لمواقف عموم الناس على اختلاف انتماءاتهم. ولكنهم يمتلكون أصواتاً عالية ومنصات إعلامية متعددة ومالاً وفيراً وسلاحاً كثيراً وقدرة على الايذاء بلا رادع من أي نوع. وما يقولون ويفعلون يندرج في خانة السموم التحريضية المتلاعِبة بالغرائز والتي تحاول استغلال أحاسيس متنوعة بالضيم والقهر والمظلومية، وأعادة تأويلها مذهبياً...
السُنّة سمموا نهري دجلة والفرات!
في انتخابات عام 2005 ابتكرت الأحزاب الشيعية دعاية انتخابية غريبة: مكبرات صوت منصوبة في مركبات مختلفة، تسير في الشوارع، تدعو الناس للخروج إلى التصويت لأن "النواصب/السنة" سيسممون نهري دجلة والفرات، بحيث أن مياههما الجارية من شمال وغرب العراق ستنزل إلى الجنوب، حيث "المدن الشيعية". ماذا حدث؟ السنّة قاطعوا الانتخابات عدا الحزب الإسلامي، الذي كان حينها له جمهور على نطاق محدود، واستحوذت الأحزاب الشيعية (الإسلامية) على السلطة.
في مقابل ذلك، كان يسود اعتقاد في الاوساط السنّية - وما يزال - بأن "الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث" (المشكلة بقانون صدر عن سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم الأميركي بول بريمر، ومهمتها كانت اجتثاث أعضاء حزب البعث في العراق "وإزالة قيادته من مواقع السلطة")، كانت طريقة انتقام "الأغلبية الشيعية" من السنّة. وفي كل موسم انتخابات يستخدم الساسة هذا الاعتقاد لتأجيج النزعة الطائفية، التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى فوز سياسيين سنّة يتعهدون بحماية المكون الذي ينتمون اليه والدفاع عنه.
الطائفية تحتاج الى العنف. من سوء حظ قضاء الطارمية (حزام بغداد) أنها الجبهة التي يجري تنشيطها لممارسة ذلك العنف وتأجيج الطائفية، حيث تركزت كل الدعاية الانتخابية على تلك المنطقة، وصار كل الخصوم يستثمرون فيها، على حساب أمنها وسكانها بطبيعة الحال.
عام 2013، عندما تحولت تظاهرات محافظة الأنبار إلى اعتصام مفتوح مركزه مدينة الرمادي، ونُصبت الخيام، وأقيمت منصة كبيرة لإلقاء الخطب الحماسية، الطائفية والوطنية على حد سواء، جاء الشيخ عبد الملك السعدي من منفاه الاختياري في الأردن، وألقى خطبة مشهودة من فوق الجسر الذي يعلو الخيام. حينها احتشدت الجموع وجاءت من كل حدب وصوب. فالشيخ السعدي يعد المرجع الأكبر للسنّة في العراق. ومما قال في خطبته أن التعايش السلمي بين السنة والشيعة هو عقد مقدس، وخلال حديثه عن هذه الجزئية تحديداً، اعترض جمع من الحاضرين، وتأففوا وانزعجوا حدَّ أن غادروا المكان غاضبين.
وفي العام نفسه، خرجت تظاهرة لطلبة جامعة الأنبار، توجهتْ مشياً نحو ساحة اعتصام الرمادي (12 كلم سيراً على الأقدام) وترددت فيها الكثير من الهتافات. لكن الهتاف الذي واجه نقداً حاداً وقاسياً من قبل عدد من المتظاهرين (الشباب) هو: "اخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه"، والذين هتفوا به هددوا بالطرد من التظاهرة. وعندما وصلت التظاهرة إلى ساحة الاعتصام، كانت حادثة ضرب صالح المطلك - نائب رئيس الوزراء - بالأحذية من قبل المعتصمين قد انتهت للتو، وغادر هو مع حمايته قافلاً إلى بغداد، وكانت الساحة حينها مشحونة بالغضب. وحينها لم يُضرب صالح المطلك بالأحذية لأنه سياسي سني، بل لأنه ارتضى ان يكون نائباً لرئيس الوزراء نوري المالكي.
"البيت الشيعي"
بعد الحرب الطائفية عام 2006، ابتدعت الأحزاب الشيعية - وهي دائماً ما تفكر بطريقة خلاقة عندما يتعلق الأمر بالطائفية - ابتدعت فكرة "البيت الشيعي". كان عراب الفكرة ومبتكرها هو أحمد الجلبي، الذي قال عنه رشيد خيون: "شعَر الجلبي في سيرته بالغبن، وهو ينظر إلى الآخرين يقطفون ثمار مشروعه في إسقاط دولة البعث عسكرياً. وأمسى نائباً لمن ظل يعترض على المشروع حتى قُبيل الحرب. هذا وقد جرت العادة أن يتبوأ قائد الانقلاب المركز الأول، ثم يأتي الأقربون. لكن هذه المرة حصل شذوذ في السياسة العراقية، ومن المحتمل أن يكون قائد الانقلاب بلا مقعد في البرلمان القادم! حسب الجلبي حسابه وجرّب اعتلاء منصة الطائفة، رغم علمانيته واطلاعه على حقيقة الخلاف المذهبي وما يحويه من ملفقات".
طقوس شهر عاشوراء في العراق: ملاحظة التحول في الوعي الجمعي
18-08-2021
صورة مقطعية لـ"الحشد العشائري"
24-10-2016
الجلبي الذي يعد أكبر منظري الليبرالية، والأكثر حماسة للدولة المدنية، أسس "البيت الشيعي"، الذي انبثق عنه الائتلاف العراقي الموحد، وكان يظهر على الشاشة في المناسبات الدينية الشيعية، عاشوراء وسواها، وهو يضرب على صدره ("يلطم") لأنه، كما يعتقد خيون، يعلم أن العراقيين أسرع إلى الطاعة وأسرع إلى العصيان أيضاً، ولا بد من مجاراة أمزجتهم. بل استدعى التاريخ البعيد لينبش فيه، واستخرج وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد: "انظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإن عَزْلَ عامل أحب إليّ من أن تشهر عليك مائة سيف".
الانتخابات نصرة للمذهب
بالنسبة للسنّة، فإن أول تجربة سياسية فعلية في عراق ما بعد 2003، كانت انتخابات عام 2010، وكان الشعور الطائفي متأججاً حينها، خاصة بعد الحرب الطائفية وتجربة تنظيم القاعدة والصحوات، وكانت أكبر قائمة سنّية هي "جبهة التوافق"، بقيادة عدنان الدليمي، ويرتكز برنامجها الانتخابي على حماية المكوّن السني، وانتزاع حقوقه من الأغلبية الشيعية التي، بحسب وصف الدليمي: "استغلت السياسة، ومن ورائها الحكم لتنفيذ أغراضهم الطائفية في تثبيت المذهب الشيعي في العراق، وإقصاء السنّة وتهميشهم بل القضاء عليهم بالقتل والاعتقال والتهجير، فاستغلوا قرار اجتثاث البعث الذي أصدره الحاكم الأمريكي برايمر، فطبقوا هذا القرار الجائر على رجالات السنّة من علماء وأكاديميين وعسكريين ورجال أعمال، وعمدوا إلى إقصائهم، فأدى ذلك إلى هجرة كثير من رموز السنة إلى خارج العراق، بسبب حرمانهم من وظائفهم وأعمالهم، اضطروا للهجرة من أجل العيش والعمل لإعالة أسرهم التي حرمت من موارد الحياة".
الدليمي يلخص "الطائفية" السنية في مواجهة "الطائفية" الشيعية بوجوب أن يخوض السنّة الانتخابات البرلمانية "بقائمة موحدة، يختارها رجال قادرون على الدفاع عن أهل السنّة. ولا بد من حث أبناء السنّة للمشاركة بهذه الانتخابات المصيرية، وتقع هذه المسؤولية في أعناق أئمة المساجد وخطباء الجمعة والمثقفين وخاصة المسؤولين عن التعليم في كل مراحله، ورؤساء العشائر، ولا بد من عقد الندوات التثقيفية لتوعية الجماهير واستغلال الإعلام والفضائيات لدفع الجمهور للمشاركة بالانتخابات، وقمع كل صوت يدعو إلى مقاطعة الانتخابات".
دور المنابر في الجوامع والحسينيات، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات، لم يكن أبداً توعوياً أو تثقيفياً. فبالنسبة للسنّة، كانت المنابر وما زالت تحت سطوة الحزب الإسلامي، الجناح العراقي للإخوان المسلمين في العراق. أما المنابر الشيعية، فهي قصة أخرى، تظهر هشاشة القانون والدولة وتراجعهما أمام العقيدة الدينية. فمثلاً وعلى منبر حسيني، على "قناة الأنوار الفضائية"، يتحدث الشيخ صلاح الطفيلي في حشد كبير من "المؤمنين الشيعة" عن الانتخابات، يقول لهم: "انتخبوا نصرة للمذهب، اخرج وانتخب أياً كان، رغم كل مساوئ الحكومة، فهي على الأقل تنادي بـ: أشهد أن علياً ولي والله، وحتى ولو كان ذلك كذباً، وحتى لو كانوا يقولون ما لا يفعلون، بأي زمن كنا نحلم بالعراق أن نفتح بثاً مباشراً على الفضائيات لقراءة التعزية والناس تبكي، نحن نخرج لننتخب نصرة لهذا الخط (الخط الشيعي) وإن سألتني عن الوضع فهو متردٍ، لكن بالله وأهل البيت عسى ولعل، الذي سرق مرتين وثلاثة لعله يشبع ويرسل لنا لقمة مما سرق".
ولا يبدو أن الانتخابات المقبلة في 10 تشرين الاول/ اكتوبر ستشذ عن هذه القاعدة الطائفية، فالدعايات الطائفية تملأ الشاشات والمنابر والمجالس العراقية، و"كل حزب بما لديهم فرحون".
في مدينة كربلاء، يجلس حسن سالم، النائب عن ميليشيا "عصائب أهل الحق"، أمام جمعٍ من الشباب، فارداً دعايته الانتخابية، وهو يسعى للفوز بدورة برلمانية ثانية. البرنامج الانتخابي لمرشح العصائب اختصرهُ بهذا الخطاب: "اليوم إنْ كنتَ تُحب العراق فعليك أن تحب الحشد (الشعبي)، تحب المذهب؟ تحب الحشد، تحب الحسين؟ تحب الحشد، تحب كربلاء؟ الحشد، تحب الأخلاق والقيم والمبادئ؟ تحب الحشد. أتحدث إليكم بكل صراحة، ولا تقولون إن الحاج حسن يدافع عن الحشد حتى ننتخبه، لا أبداً. القضية هي مثلما الذين تخاذلوا عن نصرة المختار سلام الله عليه، وبالنتيجة قُطِّعت رقابهم، وخسرنا ثورة كادت ثمارها تظل حتى يومنا هذا. ثم انظروا كيف اختلطت علينا: أبو بكر وعمر وعثمان يريدون وضعنا مع علي بن أبي طالب سلام الله عليه". وهنا يقصد أن أتباع أبي بكر وعمر وعثمان (السُنّة) يريدون قتل (الشيعة) كما قُتِل علي.
الفرق الوحيد الذي يتميز به الشيعة عن السنّة في دعوتهم الطائفية - بما يتعلق بالانتخابات - هو أنهم أكثر جرأة في الحديث عن النوايا. ويبدو أن التُقية في هذا الأمر تحديداً لم تعد تعمل، أو لا تعني شيئاً. والسنّة، وحتى الأكراد، يتبعون الرؤية ذاتها، ويؤمنون بها، وإلا لماذا لا ينتخب السنّة المرشحين الشيعة، أو ينتخب الشيعة أو السنّة العرب المرشحين الأكراد؟ السلطة والوزارات ومقاعد البرلمان مقسمة على أساس إثني وديني وطائفي منذ 2003. وهذا التقسيم شرذم البلاد وأودى بها إلى الهاوية.
بعد دخول داعش، وتشكيل الحشد الشعبي، الذي يعد الضد النوعي لتنظيم الدولة الإسلامية (السنّي) وكل ما تلا ذلك من حرب وخراب ونزوح وإفلاس للدولة العراقية، ثم اندلاع "انتفاضة تشرين 2019"، ما زالت الأحزاب السنّية والشيعية تستثمر في الخطاب الطائفي، وتعده ورقتها الرابحة. فلا وجود لبرنامج انتخابي خدمي أو سياسي.
الطائفية تحتاج الى العنف
من سوء حظ قضاء الطارمية (حزام بغداد) أنها الجبهة التي يجري تنشيطها لممارسة العنف وتأجيج الطائفية، حيث تركزت كل الدعاية الانتخابية والدعاية المضادة على تلك المنطقة، وصار كل الخصوم يستثمرون فيها، على حساب أمنها وسكانها بطبيعة الحال.
بالنسبة للقوائم والكتل والأحزاب السنّية، فإن الطارمية تمثل نموذج المظلومية السنّية التي تعاني من التهميش والإقصاء والظلم وهلم جرا من مصطلحات الحيف الذي يُمارس عليها من قبل الطرف الآخر، السلطة الشيعية الحاكمة، والمليشيات التي تسيطر على كل الأرض في العراق عدا إقليم كردستان. ووجوب الدفاع عنها بالنسبة لهذه الأحزاب والكتل السنّية يستوجب انتخاب قيادات ورموز سنّية تفعل ذلك، كما يروج لذلك النائب ظافر العاني، ورئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني، وكثيرون غيرهم.
أما بالنسبة للأجنحة المسلحة والأذرع الإعلامية والسياسية للمليشيات الشيعية التي دخلت في قوائم مُعرّفة في الانتخابات المقبلة، فإن الطارمية هي نسخة من جرف الصخر، ويجب استنساخ تجربة جرف الصخر في الطارمية للقضاء على الإرهاب وحماية المراقد والمقدسات والمدن والشيعية. لكن، ما هي نسخة جرف الصخر؟
جرف الصخر، هي ناحية في محافظة بابل، جغرافياً، تقع بين الحلة وبغداد، على طريق زوار المراقد المقدسة الشيعية في كربلاء والنجف، وهي ناحية تضم بساتين وأراض زراعية وبحيرات، وتسكنها قبائل سنية، أكبرها وأشهرها قبيلة الجنابات. ويعمل سكان جرف الصخر بالزراعة بشكل أساس وصيد الأسماك.
عام 2014 سيطر تنظيم داعش، عندما اجتاح الكثير من المناطق العراقية، على أجزاء من جرف الصخر. وعندما تشكل الحشد الشعبي، وبعد بضعة أشهر فقط، استعادت ميليشياه تلك المناطق. لكنها وبتواطؤ مع الحكومة والجيش العراقي، هجَّرت السكان عن بكرة أبيهم، وحولت الناحية إلى منطقة عمليات، يمنع على الجيش العراقي والشرطة العراقية دخولها، وأنشأت فيها سجون سرية، يقبع فيها الآلاف ممن اختطفتهم الميليشيات من محافظتي صلاح الدين والأنبار، ومناطق أخرى. وهي حتى هذه اللحظة منطقة يحيطها الغموض، وبحسب النائب السنّي في البرلمان العراقي، أحمد المساري، فإن محمد الغضبان، وزير الداخلية في حكومة حيدر العبادي، عندما ذهب إلى جرف الصخر، مُنع من دخولها، واعتقل لعدة ساعات، حتى تدخل هادي العامري زعيم ميليشيا "بدر" لإطلاق سراحه.
الطارمية بالنسبة للخطاب الدعائي للميليشيات الشيعية، وبالأخص الموالية لإيران، يجب أن تصبح جرف الصخر الثانية، حتى تؤمّن المناطق الشيعية من خطر "الإرهاب السني". وعن ذلك يقول البوق الإعلامي الأكثر نشاطاً في جناح الميليشيات الشيعية، أحمد عبد السادة، أن "الحل لمعضلة الإرهاب المزمنة في الطارمية هو استنساخ تجربة جرف الصخر فيها، أي تحويلها إلى "منطقة منزوعة السكان"، وتسليم ملفها الأمني للحشد الشعبي بعد تعويض سكانها بمنحهم قطع أراضٍ في مناطق أخرى غير خطرة جغرافياً". إنه يدعو جهاراً إلى ارتكاب جرائم تغيير ديمغرافي.
عام 2014 سيطر تنظيم داعش على أجزاء من منطقة "جرف الصخر". وعندما تشكل الحشد الشعبي، استعادت ميليشياه تلك المناطق. لكنها وبتواطؤ مع الحكومة والجيش العراقي، هَجَّرت السكان عن بكرة أبيهم، وحولت الناحية إلى منطقة عمليات يمنع على الجيش والشرطة دخولها، وأنشأت فيها سجون سرية، يقبع فيها الآلاف ممن اختطفتهم الميليشيات من محافظتي صلاح الدين والأنبار، ومناطق أخرى.
هذه البوق وأشباهه من أمثال سمير عبيد الذي يدعو صراحةً إلى حصار الطارمية وتهجير أهلها واقتيادهم إلى معسكرات الاعتقال وتعذيبهم، وغيرهم كذلك، هؤلاء لهم منبر على عشرات القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، التابعة لهيئة الإذاعات الإسلامية المدعومة من إيران، يظهرون فيها ويتحدثون بلغة طائفية، وبصوت عالٍ، قبيل كل انتخابات برلمانية، وبطبيعة الحال لهم حشود من الاتباع والموالين، يدعمهم بذلك الذباب الالكتروني، الذي لا يفوِّت فرصة إلا ويشعل فتيلاً طائفياً يستهدف منطقة أو مجموعة مخالفة له في العِرق والإثنية، ليكسب جمهوراً حوّله غسيل الدماغ المستمر الى خائف أو غاضب، فيصوت له في الانتخابات.