رمضان والإنسان الموريتاني

يكشف شهر رمضان عن ارتباط الموريتاني بالدين وتعاليمه وقيمه، وعن تناقض تصرفاته، وهو كذلك يبين التفاوت الطبقي بين المواطنين.. فحين يهل رمضان، تبدأ شخصية الموريتاني في التبدل، حيث يتدين غير المتدين، ويتحول إلى حمامة مسجد، يواظب حتى على غير الفروض، فتكتظ المساجد في صلاة التراويح، ويبدأ بعلاقة حميمة مع القراَن من أجل ختمه، متبعا فلسفة تفيد أن الحسنات تتضاعف في رمضان وأن هذه فرصة لا تعوض.
2015-07-12

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
(من الانترنت)

يكشف شهر رمضان عن ارتباط الموريتاني بالدين وتعاليمه وقيمه، وعن تناقض تصرفاته، وهو كذلك يبين التفاوت الطبقي بين المواطنين..
فحين يهل رمضان، تبدأ شخصية الموريتاني في التبدل، حيث يتدين غير المتدين، ويتحول إلى حمامة مسجد، يواظب حتى على غير الفروض، فتكتظ المساجد في صلاة التراويح، ويبدأ بعلاقة حميمة مع القراَن من أجل ختمه، متبعا فلسفة تفيد أن الحسنات تتضاعف في رمضان وأن هذه فرصة لا تعوض. ويطلق العنان للحيته ويبتعد عن نمط حياته السابق. وتصل الحالة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، فتسيطر المادة الدينية والنقاشات على نشاطها، ويخف الاهتمام بالواقع المعاش. حتى الأنشطة الثقافية في رمضان يغلب عليها الطابع الديني، كالنشاط الذي أعلنت عنه نقابة الصحافيين مثلا. ثم يختفي هذا الجو مع عيد الفطر، ليرجع الموريتاني إلى عهده الأول.
مع رمضان تتضح الهوة الشاسعة بين الفقراء والأغنياء، حيث يعاني الفقراء (الفقر المدقع 46 في المئة) من غلاء الأسعار فيتكدر صفو صيامهم ويجعله عملية مضنية. كذلك يعاني الفقراء من انقطاع الكهرباء وصعوبة الوصول للمياه الصالحة للشرب، فمثلا هناك 39 في المئة فقط من المستهلكين يتوفر لديهم ماء الشرب، وأربعة أخماس المستهلكين لا تتوفر لديهم الكهرباء، وقاطنو العرائش (الاكواخ) يبلغون ثلث السكان.
وشهد رمضان هذه السنة انقطاعات عديدة للكهرباء، طالت أجزاء واسعة من العاصمة نواكشوط. يذكر أن موريتانيا بدأت قبل فترة في تصدير الكهرباء لدولة السنغال المجاورة. وذلك المشهد العبثي يثير الحنق لدى المواطنين. كما تصادف رمضان هذه السنة مع موجة عطش شديدة عمت البلاد. هذا الواقع يقابله مغالاة لدى الأسر الموريتانية الغنية في موائد رمضان وفي إظهار البذخ احتفاء، وتحاول عائلات الطبقة المتوسطة التي تكاد تختفي في موريتانيا، أن تدخل السباق، ليتحول رمضان إلى شهر أكل بامتياز، حيث تزدهر فيه المطاعم ومحلات الحلويات.
ويلاحظ التغير أيضا بدخول أنماط غذائية جديدة، فأصبحت الحريرة المغربية مثلا والحساء المعد من الخضار، والحلويات المغربية والعربية، أركان أساسية في المائدة الرمضانية الموريتانية، التي كانت تقتصر في السابق على المواد المعدة من الحبوب واللبن. ويرجع ذلك إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى والتأثر بوسائل الإعلام، والانتقال من مرحلة البداوة إلى محاكاة المدنية والاستقرار. وهناك أمور أخرى ولجت إلى رمضان الموريتانيين، مثل موائد الرحمن أو الخيام الرمضانية، التي أصبحت مظهرا لافتا في السنوات الأخيرة، تراها العين في ملتقيات طرق نواكشوط، تنتظر الصائمين المتأخرين عن أماكن سكنهم، والفقراء المحتاجين. ويخلق رمضان حالة من التباري بين المنظمات الخيرية لمساعدة الفقراء.
هناك وافد اَخر وهو الدراما الرمضانية الموريتانية، حيث بدأت القنوات في السنوات الأخيرة في انتاج المسلسلات تماشيا مع ما يحدث في الفضاء العربي. ومن أشهرها، "منت الناس" و "وجوه من خشب"، ولا تزال هذه التجارب بدائية لا ترقى لمنافسة المسلسلات المصرية والعربية عموما، فالمشرفون عليها هواة. ومن المفارقات أن أحد أبطال مسلسل منت الناس الذي بث قبل عامين، هو إمام ثان لمسجد في أحد أحياء نواكشوط. وبعد اكتشاف مرتادي المسجد لذلك، أبدى بعضهم امتعاضه، ما فتح نقاشا حول حرمة التمثيل وحلاله. وقد امتنع البعض من الصلاة خلف الإمام الممثل، لكنه أصر على أنه كان يؤدي دوراً لخدمة المجتمع، حيث أن المسلسل دراما اجتماعية توجيهية تناقش الزواج السري في موريتانيا.
ومن العادي أن تمر وسط العاصمة في نهار رمضان وتصادف مجموعة من المواطنين ملتفين حول طاولة لبيع الشاي المحلى (أتاي)، يشربون باستمتاع من دون منغص ولا مكدر. فالإفطار العلني مسموح به والموريتاني متسامح مع المفطرين يتلمس لهم الأعذار، ولا يوجد نص قانوني صريح يجرمه، رغم أن الاسلام هو "دين الدولة" وأن الشعب مسلم ويوصف بالمحافظ. وهذا المشهد مغاير للكثير من الدول العربية المسلمة، فمثلا في المغرب التي تبدو أكثر انفتاحا من موريتانيا، ينص الفصل 222 من القانون الجنائي على أن "كل مَن عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من أثني عشر (1.25$) إلى مائة وعشرين درهماً (12.47$)". ويحدث جدل كل حلول لشهر رمضان في المغرب بين رافض لتلك العقوبة ومدافع عنها، وهناك حركات تطالب بالحق في الإفطار العلني وتتعرض للمضايقة أثناء احتجاجاتها. هذه الحالة من التسامح في موريتانيا مهددة بالطبع، فهناك أصوات تظهر على السطح كل حين، تحاول خلق حالة من التشدد الديني والتفتيش في نوايا الناس ودواخلهم.

 


وسوم: العدد 151

للكاتب نفسه