الراب يلامس وجدان الشباب الموريتاني

عاشت نواكشوط حالة من التحليق في سماء الراب وموسيقى الهيب هوب بفضل «السلام عليكم»، المهرجان الذي اقيم فيها في الشهر الماضي (12-18 حزيران/يونيو) حيث التحمت حناجر أكثر من مئة فنان من موريتانيا وتونس وفرنسا والدنمارك وغينيا، كانت أبرزهم مغنية الأر أند بي الجزائرية زاهو.وتضمن المهرجان نشاطات أخرى، مثل ورشات تناقش قضايا المواطنة وحقوق الإنسان، وعروضا للفن التشكيلي. يعتمد
2014-07-02

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
من مهرجان "السلام عليكم"

عاشت نواكشوط حالة من التحليق في سماء الراب وموسيقى الهيب هوب بفضل «السلام عليكم»، المهرجان الذي اقيم فيها في الشهر الماضي (12-18 حزيران/يونيو) حيث التحمت حناجر أكثر من مئة فنان من موريتانيا وتونس وفرنسا والدنمارك وغينيا، كانت أبرزهم مغنية الأر أند بي الجزائرية زاهو.
وتضمن المهرجان نشاطات أخرى، مثل ورشات تناقش قضايا المواطنة وحقوق الإنسان، وعروضا للفن التشكيلي. يعتمد المهرجان على فلسفة توظيف الإبداع الفني في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان بموريتانيا، والنضال من أجل الحريات وغرس ثقافة المواطنة.

صوت المهمشين

 مند تسعينيات القرن الماضي ومغنو الراب الموريتاني يسعون ليكونوا صوتا للمواطن المهمَّش. كانت البدايات متواضعة جداً وبمستويات ضعيفة ووسط رفض وامتعاض من المجتمع، الذي كان يعتبرهم مجموعة من المستلَبين حضاريا والمنسلخين عن قيم الدين والأعراف والتقاليد، بل وخارجين عن القانون! وكانت أبرز تجارب البدايات قصة فرقة B.O.B التي تمت مضايقتها من قبل سلطة معاوية ولد الطائع فهاجر أعضاؤها إلى بلجيكا عساهم يجدون فرصا أكبر للتعبير عن أرائهم وتقديم موسيقاهم. ظهر بعد ذلك نجم جديد في سماء الراب هو بابيس كيمي الذي كان تعبيراً عن صوت الرفض الخارج من قاع المجتمع، لكن قصته لم تدم طويلا إذ هاجر إلى أميركا بحثا عن العالمية وحاول الغناء بالانجليزية وخفت صوته الثائر... لتظهر بعد ذلك فرقة «أولاد لبلاد» بنقدها اللاذع للنظام وكذلك للمجتمع، وكانت أغانيها ترانيم تعبر عن الحالة الموريتانية، فغنت للمسكين والمواطن المحروم وآلام الفقراء، وعن امتعاضها من تكدس الأوساخ في نواكشوط، حتى أنها دخلت غمار السياسة عبر رفضها للانقلاب الذي أطاح بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله في 2008، لأنه كان أول رئيس مدني منتخب لموريتانيا. وغنت كذلك ضد الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث دعت الى مقاطعتها واعتبرتها انتخابات صورية، فكانت بكل هذا تعبر عن حالة من الغضب النابعة من الواقع الموريتاني، ولامست كلمات أغانيها وجدان الشباب وطموحاتهم.
وكما هي الحال في بقية بلدان العالم، كان الهيب هوب يلقى هوى بعض الشباب الموريتاني من الذين تورطوا في جرائم، أو ممن عاشوا في الشوارع دون أن تتوفر لهم أبسط مقومات الحياة. وهو مثّل أحياناً فرصة لتغيير شروط حياتهم تلك. ومن ذلك قصة مغنى الراب الموريتاني ممدو انجاي المعروف بـ«ابن الشارع»، فهو أحد أطفال الشوارع بل عليه أحكام قضائية. ولكنه تلمس خطواته الأولى مع الراب في 2006، وسط احتضان من قبل نجوم الهيب هوب، حتى نجح في تغيير وضعيته، ويقوم هو الآن بالدور نفسه، فقد كرس فنه لمساعدة أطفال الشوارع.

تناقض المجتمع

رغم انتشار الراب وتخطيه مرحلة الغربة ولو نسبيا، إلا انه ما زال مثيرا للجدل في موريتانيا، لقصة ذلك الفيديو كليب الذي ظهر منذ بضعة اشهر على موقع يوتيوب ويحمل عنوان «بدأ الأمر من نواكشوط» لحمزة براين، أحد مغني الراب الموريتانيين المنحدرين من المكون العربي، بخلاف معظم سابقيه وكانوا من المكون الإفريقي الأسود. أثار الفيديو نقاشاً مجتمعياً صاخباً بسبب ظهور فتاة بملامح «البيظان» (البيض أو المكون العربي) وقد تخلت عن الملحفة وهو الزي الذي ترتديه المرأة العربية، واختارت الملابس العصرية الكاشفة للرأس وبعض أجزاء الجسد... حتى أن بعض الحركات المحافظة قامت بتنظيم مظاهرات احتجاجية ورفعت قضايا ضد منتجيه وطالبت بسجن المشاركين فيه، إذ اعتبرت أن في الفيديو خروج على تعاليم الإسلام والمجتمع. في المقابل ظهر رأي يعتبر أن حالة الإرهاب والرفض التي جوبه بها العمل الفني المذكور هي فعلياً تعبير عن عنصرية القوى العربية المحافظة في موريتانيا، لأن مغني الراب المنحدرين من المكون الزنجي دأبوا على تصوير كليبات بها فتيات سافرات ولم يتكلم أي داعية من مجتمع «البيظان» على الرغم من أن المكون الزنجي الموريتاني مسلم أيضا! فالقضية لا تتعلق إذاً بالدين بل بتقاليد بعينها، وأن الإبداع لا يحاكم أخلاقياً. وتأكيدا لذلك ظهر بعد هذا الفيديو المثير للجدل فيديو آخر لمغنى من فئة «الحرّاطين» (العبيد السابقين) به فتاة زنجية ترتدي ملابس خفيفة وفيه مشاهد حب، ولم يحظ بأي اهتمام من قبل القوى المحافظة التي ثارت ضد الفيديو الأول.

مغنو الراب يشكون

رغم التأثير الذي يخلقه الراب واتساع رقعة جمهوره وكسب مغنيه لبعض المعارك، إلا ان هؤلاء يشكون من غياب الدعم من قبل وزارة الثقافة الموريتانية وعدم معاملتهم كبقية المنخرطين في عالم الموسيقى والفن، ومحاصرة المؤسسات الإعلامية الرسمية لأعمالهم وإبداعاتهم وندرة قاعات العروض وكذلك استوديوهات الصوت المحترفة والشركات المنتجة... ما يجعلهم يسافرون ليسجلوا ألبوماتهم خارج موريتانيا ويتم ذلك بجهودهم الذاتية. وهم يؤكدون أيضا أن العيش من خلال غناء الراب أمر شبه مستحيل، ويخافون أن يفقد صبغته النضالية وتسيطر عليه غواية النهج التجاري.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه