أضحت «مكافحة الإرهاب» وسيلة أمنية تستخدمها الأنظمة العربية لمواجهة الكثير من التحديات التي تعترضها، من دون معالجة أسبابها، وتشابك منشئها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. كما أنه، وفي الوقت الذي تتسع فيه مروحة الأعمال التي يمكن وصفها بالإرهابية وتعريفاتها، تجنح قوانين «المكافحة» ومشاريعها، الى مقاربة ضيقة: الأحكام العقابية القصوى بما فيها الإعدام لمرتكبي هذه الأفعال.
يتعدى توصيف الفعل الإرهابي لدى مشرعي الأنظمة العربية عن ذلك الذي يودي بحياة الناس الأبرياء، إلى تخمين النيات والأعمال التي يمكن أن تصدر عن جهات أو أفراد يشتبه فيهم كـ«أعداء محتملين». فالأنظمة العربية التي كانت شديدة الحساسية لأي عمل يمكن أن يمس بسيادتها، تعيش اليوم حالة من التخبط في محاولة «أرهبة» أعدائها وتوسيع نطاقهم، في خضم موجة التغيير الكاسحة التي تجتاح المنطقة.
وفي حين تجمع القوانين على توصيف متشابه تقريباً للإرهاب، نلحظ فروقاً تختص بكل دولة على حدا: الأولوية مثلاً في التعريف لدى المُشرع السوري تكون «لكل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس»، وفي العراق يتسع التعريف (الذي بات يعرف بين الناس اختصاراً واستهوالاً بـ«القانون رقم 4 إرهاب») أي فعل إجرامي يوقع أضراراً بغية «تعريض الوحدة الوطنية للاختلال».
في مصر يقترح مشروع قانون طرحته وزارة الداخلية بأن «تعطيل تطبيق أيّ من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح» هو عمل إرهابي! يحيط بالتعريفات السابقة الغموض وتحتمل صنوفاً من التأويل إلى درجة دفعت لإنشاء «محاكم إرهاب» مختصة كما هو الحال في سورية والعراق، بينما في مصر فإن «نيابة الجرائم الإرهابية» المزمع انشاؤها لها «سلطات واختصاصات النيابة العامة وقاضي التحقيق».
هذه المحاكم التي تتمتع في الواقع بصلاحيات استثنائية، هي تطوير وتمديد لأحكام الطوارئ التي تم إعلان إيقاف العمل بها منذ بداية الثورات العربية. قوانين الإرهاب ومحاكمه في البلدان العربية أصبحت إحدى الوسائل القمعية لحماية الأنظمة أو ما تبقى منها، وهي مختصة في تعمية الفروق الواسعة بين الاحتجاج والرفض المشروعين، كحقوق أصلية ومكفولة للبشر من جهة، وبين النهايات القصوى لتفشي التيارات العدمية وأفعالها الإجرامية من جهة أخرى.
ومن خلال سعيها هذا لا تنجح الأنظمة سوى في تخويف الناس وزرع الرعب فيهم عبر التهديد بإمكانية توصيف شرائح واسعة من ذوي المظالم الحقيقية كإرهابيين، وتحويلهم إلى خانة العدو الموضوعي المحتمل، بناءً على انتمائهم إلى طيف ديني معين أو تيار سياسي أو حتى طبقة اجتماعية.
قوانين الإرهاب ومحاكمه الاستثنائية تجيز للأنظمة تصفية جسدية لخصومها، عبر الإعدام والتغييب والتوقيف من دون إمكانية حقيقية لدفاع المتهمين عن أنفسهم، مما يبدو بدوره عقاباً ليس بأقل إرهاباً... من قتل الناس في الشوارع.
فكرة
إرهاب غب الطلب
أضحت «مكافحة الإرهاب» وسيلة أمنية تستخدمها الأنظمة العربية لمواجهة الكثير من التحديات التي تعترضها، من دون معالجة أسبابها، وتشابك منشئها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. كما أنه، وفي الوقت الذي تتسع فيه مروحة الأعمال التي يمكن وصفها بالإرهابية وتعريفاتها، تجنح قوانين «المكافحة» ومشاريعها، الى مقاربة ضيقة: الأحكام العقابية القصوى بما فيها الإعدام لمرتكبي هذه الأفعال.
للكاتب نفسه
بروفة انقلاب في ليبيا
مازن عزي 2014-02-19
في صبيحة الرابع عشر من الشهر الجاري ظهر اللواء المتقاعد «خليفة حفتر» في شريط مصور على موقع يوتيوب، دعا فيه إلى تعليق سلطة المؤتمر الوطني والحكومة الليبيتين، وتجميد الإعلان الدستوري...
معركة جنيف 2 إعلامية
مازن عزي 2014-02-05
واكب أكثر من 1500 صحافي تغطية مؤتمر جنيف 2 في الأيام الماضية، ما جعله أقرب إلى «برامج الواقع» ونقلها المباشر لتصرفات أعضاء الوفود التي كانت تحت رصد الكاميرات. وفي الوقت...
الدستورالمصري: تحصين النظام القديم
مازن عزي 2014-01-22
يعكس الدستور االمصري الجديد توازنات القوى السياسية الفعالة وتحالفاتها الاجتماعية كما ظهرت بعد انقلاب قائد الجيش الجنرال السيسي على الرئيس المعزول محمد مرسي في 3 تموز/يوليو 2013 . تظهر الجهات...