#لوني_عبايتك

فرضت الحكومة قبل أيام غرامة مالية على الأنثى التي لا تلتزم بالحجاب الشرعي ضمن دوام عملها في المنشأة، غرامة قدرها ألف ريال إن هتكت حدود الحجاب الذي رسم صورته مجتمع مشبع بالتقاليد والعادات. وبناء عليه شكرت البلاد وزير عملها على هذا القرار الذي من شأنه ربما تحسين أداء العمل عبر زيادة تركيز العاملين الذكور الذين قد يلهيهم وجه أنثوي مكشوف. ( #شكرا وزير العمل الغيور).
يعتبر الزي الرسمي للمرأة في السعودية العباءة السوداء. أي أن الحجاب أو تغطية الرأس والوجه ليسا شرطا للخروج إلى الشارع. وعلى هذا الزي ألا يكون لافتا ولا مزيّنا. تزامن هذا القانون مع قانون آخر يلزم المرشحات للانتخابات البلدية التي ستُجرى في كانون الاول/ديسمبر القادم بعدم الاختلاط مع القاعدة الانتخابية الذكورية، ومراعاة شروط الفصل بين الجنسين المتبع في تفاصيل الحياة بالمملكة. وفرضت غرامة مالية قدرها 15 ألف ريال تدفعها المرأة التي اختارت ممارسة حقها على الرغم من حجم الضغوطات التي تسخِّف هذه المشاركة وتصفها بالمسرحية.
أما الحجاب الشرعي وفق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو الرداء الفضفاض الخالي من تفاصيل زينة، يستر جسد المرأة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها مع تغطية للوجه حتى لا تستبان هوية الأنثى أمام أي رجل أجنبي.
تقول إحداهن لماذا لا يطلقون هاشتاغ #احملي شهادتك أو #كيف تفوزين بالجنة. لماذا على كل شيء أن يكون مرتبطا بالمظهر، هذه مؤامرة كونية تستهدفنا، أو ربما حسد هائل من جيراننا. ينتقد البعض المعارك الدونكيشوتية التي تدخلها المرأة السعودية. تلك التحديات التي تعتبر من بديهيات الوجود على كوكب الأرض، نراها تأخذ حيزا في المناقشات التويترية الدائرة في المملكة.
ليست المرة الأولى التي تحصل فيها في البلاد مشادة حول الحجاب. فقد حاولت الهيئة الحد من التجديد الذي يغزو الزي الرسمي في البلاد. وأصدرت تعميما بمحاربة أشكال التغيير التي بدأت تدخل عالم العباءة عام 2014 من ألوان وموديلات ورسوم. وهاجمت المحال التي تعرض هذه البضاعة. لم يدم الأمر طويلا وما كان بالأمس تطريزا تحول إلى امرٍ ما كانت ترغب الهيئة في حدوثه. فالزي الأسود انقلب إلى ألوان. لم يعد رماديا ولا بنيا صار أزرق سماويا ونبيذيا و "بيج". هجمة من الألوان غزت عالم الحريم. وصار نادرا أن ترى عباءة سوداء بالكامل. هذا التغيير دفع بعض السعوديات إلى إطلاق حملة على تويتر حملة "# لوني عبايتك"، لتشارك فيها السعوديات بصورهن بعباءات ملونة. كالعادة لم ينجُ هذا الوسم من معركة بين مؤيد ومعارض جعلته يحتل مراتب متقدمة على التويتر للوسوم التي نالت اهتمام المغردين السعوديين.
(أسيرة حلم)، لا يروق هذا التاغ إلا لمن أرخصت نفسها وعفتها وجعلت منها روحا رخيصة لجذب العابرين، الشموخ لا يليق بغير السواد#حملة لوني عبايتك.
(ولاء قرشي)، الازدواجية لدى بعض السعوديين "يشوفون" النساء العربيات بالحجاب ذوات حشمة أما على السعوديات فتنة #حملة لوني عبايتك.
(عائشة العتيبي)، أمهات المؤمنين وزوجات الصحابة وامهاتنا منذ قرون حجابهن لونه أسود وإنّا على سنتهم ماضون #حملة لوني عبايتك.
(سارة العتيبي)، ويش وضع اللي في الصور؟ بيدخلون الجنة أو النار، والا بس السعوديات إذا ما لبسوا أسود راحوا لجهنم #حملة لوني عبايتك.
تلوم السعوديات أولئك المطبلين للنساء المحجبات في تركيا وفي كل بلاد العالم، حتى ولو اكتفين بوضع غطاء للرأس، بينما السعوديات مطالبات بطمس معالمهن حتى ولو لم يَكُنَّ مقتنعات بذلك. يشبهن الأمر بمباركة المشايخ للانتخابات في تركيا مثلا بعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بينما تجدهم هم أنفسهم يكفرون من يشارك في الانتخابات ببلادهم.
تكمن أهمية هذه الحملة في أنها تخفف من حدة الانفصام في الهوية السعودية، ربما هي خطوة ثانية في طريق الألف ميل نحو بناء إنسان متصالح مع نفسه. يظهر ما يؤمن. لا يتلون لأنه يعيش في بلاد الحرمين. بداية لتسليط الضوء على المجتمع السعودي بوصفه مجتمع ألوان، فيه صنوف من البشر، فيه المتعاطي والمجرم والناجح والطموح، ليس أبيض كاملا ولا أسود تاما.
قبل سنوات كانت المرأة السعودية تخرج من بيتها إلى مكانين فقط، بيت زوجها أو قبر يؤويها. أما اليوم فصارت لها حياتها الخاصة. لم يعد النهار حكرا على الرجال. ولم تعد النساء في موقع المستهلك فقط. لا يعجب هذا الأمر العديدين في البلاد. حتى بين النساء أنفسهن هناك فرقة تحارب وتناضل كي تعود المرأة السعودية إلى موقع الصفر. قد تبدو هذه المعارك في الزي أو في تحقيق رغبة قيادة السيارة شيئا هامشيا أمام القوانين المجحفة بحق النساء في السعودية أو حتى في غياب التشريعات التي تقف إلى جانبها، ففي المملكة النصرة دوما للرجل، والمرأة هي الحلقة الأضعف في عالم ولي الأمر الذي يُحكم سيطرته عليها. لقد جرب السعوديون الفصل، وجربوا إبعاد المرأة عن الحياة العامة، وجربوا كل ما لا يخطر بالبال وما يساهم في تفرقة نصفَي المجتمع عن بعضهما، لقد جربوا العيش في مجتمعين لا يلتقيان أبدا ولا يرى أحدهما الآخر، لكن كل هذه التجارب لم تلد المجتمع المثالي الذي كان الفقهاء يتحدثون عنه ويمتدحون فضائله. واليوم نرى نساء سعوديات قررن الخروج عن هذا النمط، لعل المملكة تعيش جوا آخر يقال فيه أن لون عباءة قد رسمت معالمه.