المُتاح في المملكة

ماذا تستطيع أن تفعل في السعودية؟ يمكنك أن تغرق مدينة بأكملها، تستلم مشروعاً لتنظيم مدني وبُنى تحتية من دون أن تنفذ منه شيئاً. يمكنك أن تقتل، أن تذهب إلى سوريا والعراق وتحمل لواء "الخلافة الإسلامية" وتمضي. يمكنك أن ترمي جثث الفتيات على قارعة الطريق. يمكنك أن تترك أحدهم يتعفن من دون أن تنتشله.. حتى أنه يمكنك أن تحقن جسداً طرياً بالإيدز.. يمكنك أن تفعل ما تشاء من فضائح أخلاقية، أو أخطاء طبية، أو فساد.. أيّ شيء يمكنك أن تفعله في ربوع المملكة وتخرج من القضية من دون أي حرج.
في غضون أسبوع واحد، عاشت المملكة أكثر من قصة، فمثلاً انتشرت أحاديث عن فضيحة أخلاقية لسكرتيرها الأول ماجد حسن العاشور في السفارة السعودية في الهند. سحبت المملكة الرجل ورفضت رفع الحصانة عنه وتسليمه للقضاء الهندي. العاشور متهم بتعذيب خادمتين من النيبال واغتصابهما واحتجازهما لأشهر عديدة في مسكنه في نيودلهي. وهي التّهم التي رفضتها السعودية وأدانتها واعتبرت أنها "كاذبة تماماً" و "مخالفة للحقائق".
المهم أن الرجل السعودي نجا بموجب حصانته الديبلوماسية التي ترفع عنه الملاحقة الجنائية والاعتقال والدعاوى القضائية بحسب "اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية"، وربما نراه غداً في مواقع أخرى من دون أن نتبين حقيقة ما إذا كان الرجل مجرماً أم لا.
وفي الأسبوع نفسه، أطلق سعودي آخر النار على مقيم متذرعاً بأن الأخير تحرّش بزوجته. ووفق التحقيقات، فإن الإلحاح المستمر من المقيم على معرفة طبيعة العلاقة بين السعودي والمرأة التي كانت برفقته في منتزه في جازان دفع المواطن السعودي إلى استخدام سلاحه الشخصي وإطلاق النار على المتحرّش وإصابته بركبته. انتهت القضية بالتصديق على أقوال المواطن وإدانة المقيم بتهمة التحرّش.
حتى الرافعة التي سقطت على رؤوس الحجيج وطحنت اللحم والعظام، لم تدفع الحكومة إلى إصدار الإعدام بحق المهملين. كل ما فعلوه هو إيقاف أعمال الشركة وحجز موظفيها (منعهم من السفر) وصرف التعويضات للمصابين وأهل الضحايا.
تغفر السعودية أي شيء. قد تغفر قتل والد لابنته، وتضع الأمر في خانة الإسراف في التأديب. قد تغفر سحل زوج لزوجته وتقول إنّ هذه هي القوامة. قد تغفر للإرهابيين العائدين من حربهم في بلاد الخلافة. لكنها لن تغفر أبداً لعلي النمر رمي المولوتوف على دوريات أمنية.
علي الذي ما زال مسجوناً منذ العام 2012 يوم كان عمره دون الثامنة عشرة صدر بحقه حكم الإعدام تعذيراً (أي قطع الرأس مع تعليق الجسد ليكون عبرة لمن اعتبر).
وعلي النمر هو ابن شقيق الشيخ نمر النمر الذي قاد موجة الاحتجاجات التي تصاعدت في العوامية العام 2012، وأدت إلى اندلاع مواجهات بين السلطة والمتظاهرين. والشيخ نمر متهم بمخالفة ولي الأمر والتحريض بخطاباته على نظام الدولة.
وكانت عائلة علي النمر قد تلقت خبر رفض الطعن بحكم الإعدام الصادر بحقه. ولا يتم الإعلان عن الوقت الذي سيتمّ فيه تنفيذ الحكم. وإذا ما تم، فإن علي النمر يكون أول سجين سياسي قاصر يتم إعدامه منذ عقود.
انشغلت الصحف السعودية بتبرير الحكم الصادر، فوضعوا للشاب لائحة تخبرنا لماذا علينا ألا نأسف عليه ونرى القصاص منه أمراً عادلاً. فالشاب متهم بالمشاركة بخلية إرهابية (والإرهاب في السعودية لا يملك تعريفاً واضحاً فقد تفجّر جسدك في جموع أبرياء وتكون شهيداً بنظرهم مثلاً)، إعطاء دروس بالإسعافات الأولية، اقتحام صيدلية، التستر على مطلوب أمني، تضليل قوى الأمن (لنكتشف لاحقاً في نهاية اللائحة أن علي النمر تستر على مطلوب أمني أصيب خلال المواجهات مع الشرطة وقدم له الإسعافات الأولى).
لكن يبقى السؤال: هل يستحق تأليف مجموعة على "بلاك بيري" والدعوة منها إلى المظاهرات، هل تستحق إنزال عقوبة الإعدام؟
لا أحد يعرف كيف يتوصل القضاء السعودي إلى هذه الأحكام، وما هو مقياس البراءة والاتهام. لا أحد يعرف ما هي الجرائم التي يعاقِب عليها القانون، وكيف تتحول تهمة إنشاء موقع لحقوق الإنسان إلى جريمة تستحق الجلد، وكيف ينجو رجل ضرب زوجته حتى أدخلها العناية المركزة من أيّ حكم، ويقتصر عقابه على حفظ بعض الأحاديث النبوية.