سقطت رافعة بالحرم المكي. واحدة من الرافعات المعلقات فوق رؤوس الناس منذ سنوات في مشروع توسعة الصحن الشريف ليتمكن من استقبال ما يفوق عن مليوني حاج. تحول الحدث إلى عنوان للمديح. فسقوط الرافعة الكبيرة وطحنها لعظام الطائفين، معجزة إلهية نفتتح بها موسما ربانيا. لم تسقط بل سجدت لرب العالمين. ووقوعها هو قدر الهي للأرواح المستسلمة لبارئها. ولكن: لماذا لم تسقط باقي الرافعات، لماذا لم يسجدن جميعا، في مشهد سيسلم له من على كوكب الأرض جميعا.
هل وصل الفساد الى الحرم؟
سؤال يطرح بقوة على الساحة، إلى جانب سجدة الرافعة. لن يشفع له تغيير الطقس وسرعة الرياح في إشباع الرغبة بالحصول على جواب. فتوقعات الطقس هي اليوم أقرب الى المصداقية من أي وقت مضى. وإن كان لعاصفة شديدة أن تهب على الحرم، فأين إجراءات السلامة التي تطبق في أي مشروع عمراني، فما بالك بتوسعة للحرم تتم منذ سنوات.
صدرت تصريحات عن مهندس يعمل في شركة بن لادن، المسؤولة عن أعمال التوسعة، قال فيها إن الحادث كان لا يمكن تفاديه، وأن الرافعة التي وقعت كانت مؤمنة، وأرجع حادثة الهبوط إلى القدر والرياح والعواصف.
حتى سي أن أن بثت فقرة عن التغير الغريب الذي حدث في مكة ساعة وقوع الحادثة، وفق ما بينت الأقمار الصناعية، حيث هبطت درجة الحرارة من أربعين إلى خمسة وعشرين بطريقة مفاجئة وهبت رياح قوية محملة بالغبار مع سقوط أمطار غزيرة.
التحقيقات فُتحت وفرضية الرياح موجودة والملك سلمان صرح بأن المقصّرين ستتم معاقبتهم .
هذه ليست المرة الأولى التي يسلط فيها الضوء على الفساد في المملكة. فقضية سيول جدة ما زالت مطروحة في المحاكم، حيث أدى فيضان جدة عام 2009 إلى الكشف عن متورطين في منظومة فساد أدت إلى غرق المدينة، وراح ضحيتها حوالي 116 شخصا عدا عن الأضرار في الممتلكات.
الجانب الآخر
"يا رب رافعة على الحرم انحنت في سجدة تسبيحها طهر الدماء".. عج تويتر بأبيات من الشعر تمدح سقوط الرافعة، وترى في تلك الكارثة معجزة ربانية دفعت الرافعة الألمانية للسجود لواضع البيت، وبسجدتها تلك أخذت أرواحا تحتسب شهيدة. سجدة الرافعة لقيت رواجا أكبر من أي تفسير آخر:
"هي رافعة خشعت لذكر الله تجريه الشفاه الساجعة
سقطت؟ لعمر الله لا،
لكنها أحنت لترفع كل روح خاشعة"
وأثارت تغريدة للشيخ عادل الكلباني على هاشتاغ #سقوط رافعة الحرم، استياء المغردين لسخريتها من موضوع السجود: "يجب البحث عن سبب عدم سجود بقية الرافعات، قد يكن ليبراليات"!
أنين مكة
منذ البدء في أعمال التوسعة، نشرت صحيفة بريطانية صورا تقول بأن السعودية لا تود أن نراها. صور لهدم آثار وبيوتات النبي وتحويلها الى حمامات أو مواقف، لتضحى الكعبة صندوقا اسوداً صغيراً تحيط به الأبراج الشاهقة. توسيعات الحرم لم تعجب عديدين، وكل من كان يعترض كان يُتهم بالكفر وإعاقة أمور المسلمين. السعي إلى تحويل وجه مكة من مدينة مقدسة تشكل الكعبة مصدر الجذب الوحيد، إلى مدينة حديثة تتناسب في صورتها الجديدة مع عبارة "سِلفي والكعبة خلفي".
الرافعة التي وقعت كانت تطلق أنين المدينة التي يشتغل فيها مبضع العمليات منذ سنوات، دون أن يرحم قداسة ولا روحانية. ضجيج الآلات صارت التلبية الجديدة. أعمال التكسير والهدم والتوسيع التي تدعي أن هدفها الوحيد هو استيعاب الصحن لأكثر من مليوني حاج. وهل كانت الرياح هي التي اشتدت سرعتها ساعة وقوع الكارثة. ولماذا لم تطر بقيت الرافعات الأصغر من الرافعة الكبيرة التي وقعت. وهل يمكن اقتفاء أثر لداعش في عملية إرهابية تستهدف السعودية وموسم الحج الذي يتطلب أعلى مستويات المراقبة. أسئلة عديدة يطرحها التحقيق المفترض ان تصدر نتائجه قريبا، على أن يعاقَب المقصرون. لكن على ما يقول مغرد، "ربي يرزق كل فاسد في هذا البلد رافعة مؤمنة طاهرة لا يحلو لها الركوع والسجود إلا على رأسه".
