تجارة السلاح في غزَّة وكلاكيت الضياع بين المواطنين

سُجّل منذ عام 2015 إلى عام 2020 ما يقارب 312 حالة قتل بدعوى الأخذ بالثأر، أو أثناء نزاعات بين العائلات، أو حتى على خلفيات سياسية.
2021-05-10

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
تجارة السلاح في غزة.

أسلحة خفيفة ونصف ثقيلة مهربة من هنا وهناك، امتلكها فلان وعلان باسم عائلته أو الفصيل الذي ينتمي إليه، كانت سبباً في قتل مواطنين أثناء شجار كبير بين عائلات في آذار/ مارس الماضي، أشبه بالحرب الأهلية، استُخدمت خلالها قذائف آر بي جي، ورشاشات كلاشنكوف، M16، وغيرها. وبالكاد استطاعت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة في قطاع غزَّة فضها وسط إطلاق النار الكثيف الذي تجدّد لعدّة أيام.

لم تكن تلك هي الحادثة الأولى التي تُنذر بعودة الفلتان الأمني بين المواطنين بسبب امتلاك الأفراد للسلاح. فالحوادث التي سبقتها كانت أكثر شدّة، وقد سُجّل منذ عام 2015 إلى عام 2020 ما يقارب 312 حالة قتل بدعوى الأخذ بالثأر، أو أثناء النزاعات بين العائلات، أو حتى على خلفيات سياسية. ففي العام 2015 سُجّل نحو 42 جريمة قتل، لتنخفض في العام 2016 إلى 33 جريمةً، لتزداد في العام 2017 إلى 37 حالةً، ثم ارتفعت في العام 2018 إلى 41 ، وسجل العام 2019، 65 جريمة قتل، أما في العام 2020 فكان الأكثر ارتفاعاً ليصل عدد حالات القتل إلى 65 حالةً (وفق ما ذكر الجهاز المركزي الحكومي للإحصاء الفلسطيني).

القانون وامتلاك الفرد السلاح

ينقسم السلاح في غزَّة إلى ثلاثة أنواع: سلاح الحكومة، وسلاح التنظيمات، وأخيراً سلاح العائلات وهو الأكثر خطراً وتهديداً للسلم المجتمعي. وتكاد ظاهرة إبراز السلاح الفردي في المناطق العامة أن تكون مضبوطةً لحد كبير بعد التشديدات القانونية التي اتخذتها السلطة هنا إبّان حكمها للقطاع منذ العام 2007، خوفاً من عودة الحالة السابقة التي عاشها سكان المدينة أثناء الاقتتال بين السلطة الفلسطينية وحماس.

يقول تاجر سلاح في غزة أن الحصول عليه ليس أمراً سهلاً، خاصةً في المرحلة الحالية. وهو في الغالب يشترى من سيناء عن طريق وسيط يلقب ب"الأمين. لم يذكر لنا طريقة الاستلام والتسليم، مشيراً إلى أنّ "الأمين" لا يتقاضى دائماً مالاً، وإنما وفي أغلب الأحيان تتم مقايضة السلاح ببعض السلع الممنوعة، كالمخدرات.

لا يوجد في الدستور الفلسطيني نصٌّ يقول إنَّه يحق للأفراد امتلاك السلاح دون ترخيص، وحتى الذين يحق لهم حيازة السلاح، كتجار الذهب وبعض رجال الأعمال، فعليهم أن يبينوا دواعي استخدامه، وإثبات الخطر الممكن عليهم. وتنص المادة 5 من القانون أنَّه لا يجوز إعطاء رخصة حمل السلاح لمن يقل عمره عن 21 عاماً، أو من حكم عليه بعقوبة جناية، أو من حكم عليه بعقوبة الحبس لمدة سنة ميلادية...."، كما أنَّه على طالب الحصول على رخصة تبيان المصدر الذي حصل من خلاله على السلاح، على أن يكون هذا المصدر تاجراً مرخصاً له، وعليه إبراز شهادة البيع المتضمنة وصفاً للسلاح المباع وتاريخ البيع واسم البائع وعنوانه.

هذا القانون ليس مطبقاً فعلياً. ويخشى عودة الانتقام لقتل متخابرين مع العدو دون محاسبة قانونية، وقد عملت حماس على تسوية الدم من خلال "لجنة المصالحة المجتمعية"، لإنهاء ملف الثأر بين العائلات على خلفية أحداث 2007، أي الاشتباك بين فتح وحماس على إثر فوز الأخيرة في الانتخابات التشريعية آنذاك وسيطرتها على القطاع، وتمكنت من إغلاق 200 ملف من أصل نحو 300، بعد حصولها على أوراق براءة، وإقرار بالالتزام بعدم الأخذ بالثأر من تلك العائلات. أما قضية قتل متخابرين من قبل الأجنحة العسكرية في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، فاعتبرت حماس هذا الشق ملفاً وطنيّاً أمنيّاً لا يمكن لأحد المساس به.

غضت الشرطة الفلسطينية في حكومة حماس الطرف مراراً وتكراراً عن كثير من حوادث إطلاق النار خلال النزاعات العائلية التي حدثت، الأمر الذي خلق في الأعوام الثلاثة الأخيرة أرضيةً خصبة لازدياد ظاهرة استخدام السلاح، وإطلاق النار، ووقوع ضحايا في غزَّة والضفة الغربية على حد سواء.

تؤكد الشرطة في غزَّة أنَّها لم تتهاون مع أي شخص ثبتت عليه حيازة السلاح دون ترخيص، وأنها تتخذ بحق هؤلاء المقتضى القانوني. وبخصوص أبناء التنظيمات، تؤكد الشرطة أنَّه يوجد "لجنة تنسيق الفصائل" التي تتابع عمل أفرادها، ومدى التجاوزات في حيازة السلاح واستخدامه باسم ذلك التنظيم، وقد تقرر فيها رفع الغطاء التنظيمي عن أيَّ شخص يستخدم سلاح فصيله أثناء المشاكل العائلية، أو أيّ عمل خارج المهمة الموكلة إليه.

كيف يصل السلاح لهؤلاء

يوجد في غزَّة منافذ عدّة لتهريب السلاح والحصول عليه، سواء بما يخص "قواعد المقاومة" التي تحذو كلٌّ منها طريقتها الخاصة لجلب السلاح، أو للتجار الذين يبيعونه للمواطن.

 أبو خالد (الاسم مستعار) اشترط قبل الموافقة على مقابلة معنا عدم اصطحاب أي هاتف أو آلة تصوير. وحكى لنا أنّ الحصول على السلاح ليس أمراً سهلاً، خاصةً في المرحلة الحالية. ويتم شراؤه من سيناء عن طريق "الأمين" وهو الوسيط المسؤول الأوَّل عن دخول السلاح إلى غزَّة. لم يذكر لنا طريقة الاستلام والتسليم، مشيراً إلى أنّ "الأمين" لا يتقاضى دائماً مالاً، وإنما وفي أغلب الأحيان تتم مقايضة السلاح ببعض السلع الممنوعة، كالمخدرات.

ليس كل السلاح المستخدم في غزَّة هو من الخارج، فقرابة 30 في المئة منه هو في الأصل سلاح السلطة الفلسطينية، الذي بقي مع أفراد الأجهزة الأمنية بعد الصدامات في غزَّة عام 2007. وهؤلاء لجؤوا إلى بيع سلاحهم بعيداً عن أعين الحكومة لكي لا ينكشف أمرهم ويتعرضوا للمساءلة القانونية.

ويستذكر أبو خالد، حالة الانفراج، وسهولة الحصول على السلاح في العام 2011، مع الانتفاضات وتغيير بعض السلطات في المنطقة العربية، فكان السلاح يُهرّب من تلك الدول عبر سيناء المصرية، ومن ثم في الأنفاق في عهدي الرئيسين مبارك ومرسي. بعد ذلك صار دخول السلاح صعباً، وخاصةً بعد إغلاق أغلبية الأنفاق..

ويؤكد أنَّ أغلب من يأتي لشراء السلاح هم المواطنون لاستخدامه في المناسبات، أو الحماية الشخصية، أو حتى أثناء المشاكل العائلية، بحيث يأتي الوسيط حاملًا مطالب الزبون، "وبعد يوم أو يومين نعرض عدّة أنواع على المُشتري (سلاح رشاش، قنابل متفجرة، طلقات حية متفجرة، مواد متفجرة للتصنيع...)".

استطعنا خلال جولتنا مع أبو خالد مشاهدة بعض التطويرات التصنيعية في غزَّة، وكيف بات بمقدور هؤلاء التجار صناعة عدَّة أنواع من الأسلحة الخفيفة، وبعض القذائف المتفجرة على الشكل الذي يحاكي أي قطعة سلاح أصلية، وبأسعار أقل من شبيهاتها.

وليس كل السلاح المستخدم في غزَّة هو من الخارج، فقرابة 30 في المئة منه هو في الأصل سلاح السلطة الفلسطينية، الذي بقي مع أفراد الأجهزة الأمنية بعد الصدامات في غزَّة عام 2007. وهؤلاء لجؤوا إلى بيع سلاحهم بعيداً عن أعين الحكومة لكي لا ينكشف أمرهم ويتعرضوا للمساءلة القانونية. يعمل التاجر على شراء السلاح من هؤلاء بسعر بخس بعد أن يغيّر بعض ملامح قطعة السلاح كالرقم التسلسلي، خوفاً من احتمالية معرفة أنّ السلاح يتبع للسلطة.

تقول الشرطة إنَّ حجم تجارة السلاح تراجع حالياً وفي ظل التشديدات الحكومية في غزَّة، بحيث لا يتجاوز 10 في المئة مما كان عليه في عهد السلطة الفلسطينية قبل عام 2007، وأن لديها بنك معلومات بأغلبية أسماء تجار السلاح. لكن أبو خالد أكد لنا أنَّ الحكومة في غزَّة واهمةٌ إن كانت تظن أنها تسيطر على تجار السلاح، فما هو معلوم لديها من أسماء لا يتجاوز 5 في المئة من الحقيقة، وما تمتلكه الجهات الشرطية من معلومات هو في الحقيقة معروف علناً.  

مقالات من فلسطين

لا شيء سوى الصمود!

2024-10-03

قبل الصواريخ الإيرانية وبعدها، استمر الاحتلال بارتكاب الفظاعات، ثمّ توعّد بالمزيد. إنها أيام المتغيرات السريعة والخطيرة والصعبة، لكن يبدو أنه في كل هذا، ليس سوى ثابتٍ وحيد: صمود شعوبنا المقهورة.

للكاتب نفسه