هذا العيد، كما في كل عيد، زار عكا مئات ألاف الزائرين من الفلسطينيين المحتفلين بالأضحى، حتى أغلقوا شوارع البلدة القديمة من شدة اكتظاظها. كنت أمشي هناك وأشاهد صور توحي لي بأن أهل عكا استعادوا مدينتهم المذهلة أخيراً. وضع الأهالي «بسطاتهم» في الطريق، يبيعون الأكل والألعاب وبعض المنتجات المعهودة في الأعياد. تشعر أنك تزور منازل عكا وأنت في الطريق، فبعض ما بيع كان صنعاً بيتياً، كما أن الترحيب الذي يحمله الناس كان عارما. مرت عشرات عربات الحناطير التي تجرها الخيول، تحمل الأطفال بملابس العيد الزاهية، يصفقون مع الموسيقى الشعبية الصادحة، كما تزينت بيوت عكا وامتلأت ساحاتها بملاهي الأطفال، أصطف الكثير منهم ينتظر دوره لركوب هذه اللعبة أو تلك، بينما يحمل أهلهم آلات التصوير. لقد كانت عكا محفلا للألوان في العيد.
سيغيب هذا الواقع الجميل عاما إضافيا، فهل يبقى نصيب عكا والفلسطينيين أن يعيشوه لأيام فحسب كل عام، وفي العيد فحسب؟ وهل ثمة ما يتربص به مهدداً «دور» عكا هذا؟
تهويد المدينة
وتغير الواقع الديموغرافي
تعاني عكا كما مثيلاتها من المدن والقرى في فلسطين من مشروع تهويد معالم المدينة وتغيير واقعها الديموغرافي، فالنكبة في فلسطين عملية مستمرة، لم تنته العام 1948. منذ سنوات عدة أعلنت «دائرة أراضي إسرائيل» عن نيتها إقامة مشروع استيطاني في المنطقة الفاصلة ما بين البلدة القديمة في عكا والشاطئ. قررت بناء منطقة سياحية في هذه المساحة المهمة والحيوية من عكا والتي يستعملها أهلها كموقف مائي لسفنهم، بينما تنوي «دائرة أراضي إسرائيل» تجفيفها واستثمارها. وبطبيعة الحال فسيحصد المستثمرون العمالقة من اليهود الآتين من أنحاء العالم، كما المستوطنون، الربح إذ يشترون المناطق الأثرية ويحولوها إلى أماكن سياحية تدر الملايين. المنطقة الأثرية والحيوية في عكا هي البلدة القديمة والسور الذي يحيطها، وهي مطلة على البحر، ويسكنها فقط العرب الفلسطينيين، أصحاب المدينة. بالإضافة الى أنه هناك محاولات جادة من قبل الصهاينة لشراء منازل في البلدة القديمة ويسعون لإغراء مالكيها بمبالغ خيالية أو يحاولون السيطرة على أماكن أثرية مثل خان العمدان. يبلغ عدد سكان عكا من العرب اليوم قرابة 18 الفا واليهود قرابة 35 الفا. وبطبيعة الحال، فان هذا المشروع سيزيد من محاصرة وخنق العرب وتجارتهم في البلدة القديمة، والتي يعيش سكانها في وضع اقتصادي متدن.
في وسط البهجة كانت عكا تودع الأحبة
بادر نشطاء فلسطينيون في الداخل الى القيام بتظاهرات عديدة بمناسبة العيد، منها التعبير عن حزنهم لغرق اللاجئين الفلسطينيين والسوريين قبالة جزيرة لامبيدوزا الايطالية أثناء نزوحهم من سوريا. فركب فلسطينيون من عكا وحيفا المراكب وأبحروا لنثر الزهور تحية لأرواح هؤلاء اللاجئين الغرقى.
كان لهذا التحرك الرمزي أهمية إضافية، فهو تظاهرة في وجه صمت وتقاعس السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير المتخاذلتان والمتهاونتان في قضية اللاجئين. كما يشعر الفلسطينيون من أبناء الداخل أن منظمة التحرير تركتهم وحيدين هم أيضاً في مواجهة دولة الاستعمار الإسرائيلية.
قبل أن تحسم المعركة
البدائل الممكنة لمنع سقوط البلدة العكية القديمة في يد إسرائيل ترتكز على عدم تركها وحيدة، من خلال تعزيز موارد أهل المدينة والتردد على محلاتها ومطاعمها وعرباتها وتكرار مشهد أيام العيد المميز، الملتف حول عكا وأهلها. كما يكمن في التفكير بمشاريع استثمار فلسطينية مختلفة لتطوير البلدة القديمة، وهو أمر تستطيع تنفيذه الهمم الشبابية والمؤسسات الفلسطينية وأصحاب الموارد، على أن يُبنى بنموذج يستطيع الاستدامة من خلال التمويل المحلي الذاتي. هذا لو أردنا أن تبقى عكا وفية لتقليد أنها هي فرح العيد في فلسطين.