لا يمكن ان تبدأ بالكتابة نقداً او إشادة بالتحركات الشبابية الأخيرة حول "قانون برافر" وشعار "برافر لن يمر" دونما التوقف ولو للحظة عند مشهد الفلسطينيين والفلسطينيات ناعمي الأظافر، يقفون متراساً في وجه قوات الشرطة الخاصة الإسرائيلية بكل كرامة وتحدٍ وعنفوان. كما انك لا تستطيع ان تتجاهل ان من تصدر هذه التظاهرات كنّ من الإناث، في مشهد يسقط للحظة النظام الأبوي برمته، ويبعثه عاجزاً عن فهم هذه الجرأة في ظل عقود متتابعة من الظلم والاضطهاد. ان هاتين الملاحظتين هما مؤشر على انتقال جار ما بين جيلي نكبة متعاقبين ومختلفين في الرؤية والفعل. ببساطة، لقد اقترب هؤلاء الثوار الصغار من المارد حتى الالتصاق، فلم يعد المارد مريباً كما كانت صورته عن بعد.
على الصعيد ذاته، فإن مبادرة الضفة وجزء لا يستهان به من اماكن اللجوء للتظاهر ضد الممارسات الاستيطانية في النقب، وبدون أي تنسيق في المرحلة الأولى من التحركات، هو ايضاً إشارة الى فهم تدفع إليه السليقة، مفاده ان المشروع التحرري الفلسطيني واحد، ولا يمكن أن يقاد بجزئية وبمعزل عن قسم من الشعب الفلسطيني.
لكن ليت السياسة بهذه الشاعرية والبساطة. لا بد في هذه المرحلة من التروي وقراءة المشهد بكامله، لمواكبة التسارع الرهيب في تصرف دولة الاحتلال وأذرعها. إن الاعتقاد بأن جميع هذه التحركات ستقف في وجه مرور "قانون برافر" في البرلمان الإسرائيلي هو اعتقاد خاطئ بالتأكيد، فلا الخارطة السياسية ولا المشروع الصهيوني الاستعماري سيسمح بمثل هذا الإنجاز للكوادر الفلسطينية الشابة، وهو اصلاً غير مكترث بسماع صوتها.
كما أن زج المشروع الاستعماري والاستيطاني هذا في خندق مناهضة "قانون"، هو ايضاً خاطئ، فـ"برافر" ليس أكثر من عنوان معركة. أن النضال في وجه القوانين في حالة الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 (التي أتت اليهم الجنسية الإسرائيلية ولم يذهبوا إليها)، قد يفي بغرض الحصول على بعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالمعيشة اليومية، ولكن ليس لمناهضة ومقاومة نظام استعماري مقبل على مصادرة ما يقارب ثلثي مساحة الأرض التي يملكها الفلسطينيون في مناطق محتلة عام 1948 إجمالاً.
هذا القانون سيمر، نتيجة لمعطيات المرحلة، ما يعني او يفترض أن يختلف سقف المرحلة القادمة عن مجموعة تظاهرات هنا وهناك. سنشهد قريباً وربما في ساعات ليل متأخرة في صحراء النقب الصاخبة، محاولة لاقتلاع أهل القرى "غير المعترف بها" على يد قوات خاصة تمرست في هدم قرية العراقيب لأكثر من 53 مرة. وبطبيعة الحال ستنهض العصابات الصهيونية بكامل همتها لفرض واقع الاستيطان في هذه الأراضي. كيف سنتحدى هذه المرحلة؟ علماً أننا لا يمكن أن نلعب وننتصر ضمن قوانين اللعبة كما يرسمها الاستعمار. العنوان البديل يتمحور حول تعميق المشكلة بوتيرة مستمرة، متصاعدة وغير منقطعة. هذه المبادرات عادة ما تكون خارج إيقاع النظام بشكل عام، وخارج إيقاع النظام الاستعماري بشكل خاص. وهو ما ينتظر "اختراعه".
مواضيع
مرّ أو لم يمرّ، على الاستعمار ألا يمر
لا يمكن ان تبدأ بالكتابة نقداً او إشادة بالتحركات الشبابية الأخيرة حول "قانون برافر" وشعار "برافر لن يمر" دونما التوقف ولو للحظة عند مشهد الفلسطينيين والفلسطينيات ناعمي الأظافر، يقفون متراساً في وجه قوات الشرطة الخاصة الإسرائيلية بكل كرامة وتحدٍ وعنفوان. كما انك لا تستطيع ان تتجاهل ان من تصدر هذه التظاهرات كنّ من الإناث، في مشهد يسقط للحظة النظام الأبوي برمته، ويبعثه عاجزاً عن فهم هذه
مقالات من فلسطين
خالدة جرار مسجونة في قبر!
2024-11-21
"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...
اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة
مسيف جميل 2024-11-17
لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...
كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..
صباح جلّول 2024-11-10
شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...
للكاتب نفسه
عكا فرح العيد في فلسطين
وافي بلال 2013-10-23
هذا العيد، كما في كل عيد، زار عكا مئات ألاف الزائرين من الفلسطينيين المحتفلين بالأضحى، حتى أغلقوا شوارع البلدة القديمة من شدة اكتظاظها. كنت أمشي هناك وأشاهد صور توحي لي...