مصر: الذكرى الثالثة لثورة لم تنته بعد

ملأت يوم 25 يناير في الذكرى الثالثة للثورة المصرية أجواء احتفالية صاخبة. إلا أن ذلك الصخب تميز بعدائية متحفزة ضد من يُشتبه فيه عدم الاحتفال: الاحتفال بالشرطة وبالمشير السيسي وبالدولة العسكرية الحالية/القادمة. أما الشوارع الخلفية فكانت ساحات قتال وخوف. في الذكرى الثالثة لثورة لم تنتصر بعد، وفي ذكرى يوم لم تنته تداعياته بعد، هناك جانب أسود لدولة أمنية، وهستيريا مجتمعية معاً.<font
2014-03-12

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
هدى لطفي - مصر

ملأت يوم 25 يناير في الذكرى الثالثة للثورة المصرية أجواء احتفالية صاخبة. إلا أن ذلك الصخب تميز بعدائية متحفزة ضد من يُشتبه فيه عدم الاحتفال: الاحتفال بالشرطة وبالمشير السيسي وبالدولة العسكرية الحالية/القادمة. أما الشوارع الخلفية فكانت ساحات قتال وخوف. في الذكرى الثالثة لثورة لم تنتصر بعد، وفي ذكرى يوم لم تنته تداعياته بعد، هناك جانب أسود لدولة أمنية، وهستيريا مجتمعية معاً.

كلمة السر

حاولت سمية حمدي (طباخة وصاحبة مطعم) في ذلك اليوم التوجه إلى عملها وسط المدينة في سيارة أخيها، ولكنهما لم يتمكنا من الدخول إلى ميدان التحرير المغلق، فاضطرت للسير في الطريق بحثاً عن أي مدخل مفتوح لوسط البلد. كان الجميع يحتفل ويرقص على أنغام «تسلم الأيادي».
وعند وصولها إلى دار القضاء العالي بدا الموقف مختلفا، رائحة غاز مسيل للدموع قوية، وصف عساكر الأمن المركزي يقطع شارع 26 يوليو ويشتبك مع متظاهرين، وبالجوار شاب صغير يحاول تصوير ما يحدث فيلقي احد أفراد الأمن القبض عليه بعد الاعتداء بالضرب. تصل سمية بصعوبة إلى محل عملها وسط احتفالات في جميع الشوارع الرئيسية واشتباكات في جميع الشوارع الجانبية لمنطقة وسط المدينة، في المساء وهي عائدة إلى منزلها، وبعد أن تجد سيارة أجرة بصعوبة أيضاً، تضطر هي وسائق التاكسي لشراء «بطاقة السيسي» لتحميهم من أي مضايقات قد يتعرضون لها لو ظن فيهم أنهم «مش من بتوع السيسي». في اليوم نفسه ذهب صبري خالد (مصور صحافي بجريدة الشروق) لتأدية عمله في تصوير أحداث اليوم، وكان صبري قد اضطر قبل ذلك اليوم بفترة أن يضع على هاتفه المحمول صورة للسيسي ونغمة «تسلم الأيادي» حماية له ولتسهيل أداء عمله، بينما كان يضطر أحيانا أخرى لوضع صورة «ضد الانقلاب» ونغمة «مصر إسلامية» حين كان يغطي الاشتباكات من جانب الإخوان أيضا حماية له من الاعتداء ولتسهيل أداء عمله.
اضطر صبري لتغطية الاشتباكات من جانب الشرطة في ذلك اليوم، محميا بالنغمة والصورة، وكي يتمكن من التحرك في الشارع بأمان، ارتدى «بطاقة السيسي» حول عنقه، فلقد رأى الكثيرون يتعرضون لاعتداء أو لتسليمهم للأمن من قبل مواطنين للاشتباه بأنهم معادون للسيسي لمجرد أنهم لا يحتفلون أو لا يمسكون بأي صورة. يقول صبري إن هذه الهستريا المجتمعية ليست حديثة ولكنها أصبحت أعنف وأسوأ. فأي شخص في الشارع يرى أن من حقه أن يستجوبه أو يعتدي عليه أو يسلمه للأمن إن وجد معه الكاميرا أو حتى لم يعجبه شكله. وهو تعرض لاعتداء عنيف من قبل جماعة الإخوان أثناء تغطيته لإحدى جلسات محاكمات مرسي، ونجا بأعجوبة بينما دمرت الكاميرا الخاصة به تحت دعوى أنه يعمل بجريدة «فلولية». لكن هذه الهستيريا تجلت بشكل واضح في الذكرى الثالثة للثورة على حد قوله.

عودة الدولة القمعية

في ذلك اليوم أيضا قُتل العشرات. أشار تقرير حقوقي صدر عن مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية، من ضمنها «مؤسسة حرية الفكر والتعبير» و«المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» تحت عنوان «في الذكرى الثالثة للثورة.. الشرطة المصرية تبدأ عهدا جديدا من القمع بقتل العشرات واعتقالات عشوائية في مختلف المحافظات»، إلى وقوع حوالي 60 قتيلا. ولكن لا يوجد رقم رسمي مؤكد حتى الآن لعدد القتلى في ذلك اليوم.
من بين هؤلاء كان سيد وزة الذي أصيب بطلق رصاص حي في وسط المدينة. وتروي هند عرفه، صديقته، تفاصيل ما حدث ذلك اليوم، وهي استيقظت لتلحق بمسيرة نظمتها «جبهة طريق الثورة» للتأكيد على مطالب الثورة في ذكراها الثالثة. وكان مقررا الانطلاق من مسجد مصطفى محمود. في الطريق اتصل بها زملاؤها لإخبارها أن المسيرة قد فرقها الأمن، فحاولت اللحاق بمسيرة أخرى تتحرك من منطقة المعادي. حين وصلت الى محطة المترو، لم تنفتح الأبواب، وفي الخارج كان الأمن يعتدي على شابات وشبان، وآخرون يحاولون الهرب.
قررت التوجه إلى التحرير مع مجموعة من الأصدقاء، لكن مدرعات الجيش لم تكن تسمح بالدخول لغير المحتفلِين. توجهت هند إلى نقابة الصحافيين حيث رأت هناك اشتباكات بين الداخلية ومتظاهرين. حينها تلقت خبر إصابة صديقها سيد في منطقة البورصة بوسط البلد على يد أحد أفراد الداخلية ونقله إلى المستشفى. وأثناء الانتظار أمام المستشفى، تعرضت هند وأصدقاء سيد لاعتداء من مجموعة من البلطجية بسلاح أصاب اثنين منهما، بينما تعرض آخرون لاعتداء في طريقهم إليها من مؤيدين للسيسي. وألقي القبض على اثنين من أصدقائهم أحدهما المحامي أحمد هليل، فأمضى في السجن أكثر من 20 يوما. وفي المساء جاءهم خبر استشهاد صديقهم في المستشفى.
أشار التقرير نفسه إلى حوالى 1000 معتقل في ذلك اليوم فقط. من بينهم صحافيون ونساء وأطفال وشيوخ، وبعضهم مرضى لا يتلقون العلاج في الحجز. ولا يزال المئات منهم حتى هذه اللحظة في السجون، بل ويحتجزون في أماكن غير قانونية، وبعضهم لا يعرف ذووهم مكان احتجازهم. في مؤتمر بتاريخ 16 شباط/ فبراير الماضي، نظمته لجنة الحريات بنقابة الصحافيين بدعم من بعض الحملات التي نشأت للدفاع عن المعتقلين والضغط قانونيا وإعلاميا من أجل الإفراج عنهم، مثل حملة «الحرية للجدعان» وحملة «مظاليم وسط البلد»، بالإضافة إلى بعض الحركات السياسية مثل «حركة 6 ابريل» وحركة «شباب من أجل العدالة والحرية»، حضر الكثير من أهالي المعتقلين لرواية شهاداتهم. بلال كريم فتحي، حظه العاثر جعله يتواجد في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ، كان يشتري «بدلة» ليحضر بها فرح قريبته من وسط المدينة في ذلك اليوم، حين أتاه ضابط ليسأله عن بطاقته، وحين حاول الاستفسار عن سبب السؤال، ألقي القبض عليه. يحكي والده عما تعرض له من ضرب وتعذيب داخل مكان احتجازه في معسكر الأمن المركزي، من إجباره على نزع ملابسه لفترت طويلة، ثم رشه بمياه باردة في جو بارد، ويحكي والده أيضا عن إصابة ابنه بكهرباء زائدة في المخ، وخشيته من خطر أي «خبطة» على رأسه قد تودي بحياته.
أما محمد خالد شاذلي البالغ من العمر 17 عاما وهو طالب ثانوي، فقد كان في طريقه إلى «الدرس» في المعادي يوم 25 يناير، حين وجه له أحد الضباط سلاحه الى رأسه، وألقي القبض عليه. يحكي والده أنه رغم أنه حصل على إخلاء سبيل إلا أن النيابة استأنفت القرار فتجدد حبسه. يقول والده إنه تعرض للضرب والتعذيب
كأن أجبر على شرب مياه مختلطة بكمية كبيرة من مسحوق منظف، لا لشيء سوى لمروره مصادفة بجوار مسيرة في هذا اليوم. فادي سمير زاخر عمره لا يتجاوز 16 عاماً ، كان يسير مع أصدقائه في شارع طلعت حرب قبل 25 يناير بأيام. أحاطت بهم مجموعة من البائعين، وقاموا بضربهم وتسليمهم للأمن من دون سبب واضح. تقول والدته: «في التحقيق قالو له أنت ألتراس نهضوي، فقال لهم أنا مسيحي، فقال له الضابط: تبقى 6 ابريل!». تجدد حبس فادي وفاتته امتحاناته الدراسية، أما والدته فتحكي كيف تعرضت هي «للبهدلة» لأيام كي تعرف مكان احتجازه، ثم لتتمكن من زيارته. في نهاية الأمر، أخلي سبيل فادي في نهاية شباط/ فبراير الماضي وأكد، في مؤتمر صحافي نظمه مركز نضال للحقوق والحريات لعرض ممارسات وانتهاكات وزارة الداخلية، تعرضه للتعذيب والاعتداء أثناء فترة اعتقاله. إسلام مجدي (16 سنة) ينتمي لمجموعة ثورية تسمى «التراس ثورجي»، كل تهمته أنه جلس مع مجموعة من أصدقائه في حديقة عامة يدقون الطبل ويتبادلون «شالات» عليها اسم المجموعة، فألقي القبض عليهم واتهموا بمحاولة اقتحام ميدان التحرير. يتساءل والده «الحكومة دي هتطلعه ايه؟ هتطلعه عالم؟ لأ هتطلعه بلطجي. هي دي مكافأة الشباب إنهم نزلوا الثورة؟». ويذكر أنه على الرغم من صدور قرار من محكمة الطفل ببراءة إسلام وزملاءه، إلا أن النيابة استئنفت القرار بغاية الاستمرار في حبسهم. هند ورشا سمير أختان اعتقلتا في آب/أغسطس 2013، تحكي أختاهما الثالثة في شهادة مصورة سجلتها حملة «الحرية للجدعان» على قناتها على اليوتيوب، أنهما اعتقلتا لأنهما شاركتا في مسيرة للتعبير عن رأيهما، ولفقت لهما تهم حيازة أسلحة وحرق وتكسير والانتماء للإخوان. تعرضتا للضرب والتهديد والسباب، وبعد ستة أشهر كاملة من الحبس، حوِّلتا للمحاكمة وألقي بهما في سجن القناطر.
هناك كمّ هائل من الشهادات لمعتقلين يتعرضون للتعذيب.
في الآونة الأخيرة كتب الكثير من المعتقلين شهاداتهم من داخل أماكن الاحتجاز، لوصف ما يتعرضون له هم وزملاؤهم، مثل شهادة الناشط السياسي خالد السيد، والصحافي بالبديل كريم البحيري، وقد أخلي سبيليهما منذ أيام في بداية شهر آذار/مارس الحالي. وأصدرت المنظمات الحقوقية المصرية مجددا تقارير وبيانات ترصد ما يتعرض له المعتقلون من إهانات وتعذيب واستباحة، وتطالب بالتحقيق. تنضم هذه التقارير والبيانات إلى ما سبقها من تقارير حقوقية تشير إلى التدهور الشديد في حالة الحريات وحقوق الإنسان في مصر، خاصة في الأشهر الستة الماضية... ولكنها تبقى من دون تحقيق ومن دون أي نية من قبل السلطة للتراجع عن السياسات الأمنية والقمعية التي تنتهك حياة الآلاف من المواطنين المصريين.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!