إذاعات الإنترنت في مصر منفذ بديل لمحتوى خارج عن المألوف

ظهرت إذاعات الانترنت في مصر مع بداية الألفية الجديدة. بدأت بمواقع الكترونية تعرض محتوى مسجلا لبرامج تهم فئات معينة، مثل إذاعة "بنات وبس"، ولكنها تطورت بعد ذلك إلى إذاعات تعتمد على البث المباشر، فكانت البداية مع راديو "حريتنا" عام 2006. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، شهد الفضاء الالكتروني تزايد أعدادها وعبورها للحدود. بدايات الفكرةبدأت هذه الإذاعات بفكرة. عن بداية راديو
2013-10-09

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك

ظهرت إذاعات الانترنت في مصر مع بداية الألفية الجديدة. بدأت بمواقع الكترونية تعرض محتوى مسجلا لبرامج تهم فئات معينة، مثل إذاعة "بنات وبس"، ولكنها تطورت بعد ذلك إلى إذاعات تعتمد على البث المباشر، فكانت البداية مع راديو "حريتنا" عام 2006. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، شهد الفضاء الالكتروني تزايد أعدادها وعبورها للحدود.

بدايات الفكرة

بدأت هذه الإذاعات بفكرة. عن بداية راديو "حريتنا" يقول محسن كمال، مستشار التخطيط للراديو والموقع، إنه في إحدى الأيام كان هو ومجموعة من الأصدقاء يستمعون إلى خطبة الجمعة عبر الإذاعة، فلم يعجبهم ما استشعروه من نبرة كراهية وتحريض، فتساءلوا إن كان من الممكن أن يكون لديهم منبر يمثلهم. واسسوا "حريتنا"، التي بدأ بثها المنتظم في آذار/مارس 2007. وفي مقهاهم المعتاد بمدينة الإسكندرية، اجتمعت مجموعة من الأصدقاء لمناقشة مشروع جديد ، هو إذاعة سكندرية التي تروج للثقافة "السكندرية" المهملة وتقدم لقطاع واسع من الجمهور موسيقى الفرق السكندرية "الأندرجراوند". تقول ريم الطيب مديرة المحتوى بإذاعة "راديو ترام": "طرح الفكرة صديقنا عمر حاتم وتحمسنا جميعا لها، وبدأنا في التفكير في اسم للإذاعة يعبر عن الإسكندرية"، ووقع الاختيار على اسم "ترام" تصورا منهم أن الإذاعة "ستكون كالقطار العابر للمحطات والمزدحم بحركة الناس". تواصلت الترتيبات حتى بدأ البث المباشر للإذاعة في تموز/ يوليو 2011.
ومنذ أربع أو خمس سنوات، بدأ محمد بريش، مؤسس راديو "وصلة اف ام" في التفكير بضرورة أن يكون هناك إعلام بديل لا يستهتر بالجمهور ولا يمكِّن المنتجين من فرض ذوق فني أحادي ومبتذل عليه، كما يفتح لهم آفاقا للتنوع الموسيقي والاختلاف. فكر بريش أن ينشئ وصلة تصل بين الجانبين، فكانت إذاعته "وصلة اف ام"، وهو بدأ بالفعل في تحقيقها منذ حوالي العام ونصف العام.
أما مؤسس راديو "مدينة البط"، الذي لا يرغب بنشر اسمه، فجاءته الفكرة حين قرر أن يضع قائمة أغانيه المفضلة وأرشيفه الموسيقي الذي يجمعه منذ سنوات على الانترنت، ليجعل الناس تستمع معه إلى الموسيقى التي يحبها. وبالفعل بدأ بثه المباشر في آذار/مارس 2013. وعن اسم "مدينة البط "يقول إنه "اسم لمنع أصحاب الدم الثقيل" من الاستماع إلى إذاعته.

محتوى بديل... وتأثير الثورة

ربما كان ما يجمع بين هذه الإذاعات هو المحتوى المختلف عن المألوف والشائع، ولكن يظل لكل منها طابع مميز، فراديو "غرامافون" يهتم على سبيل المثال بتقديم وأرشفة الأغاني القديمة والكلاسيكية، خاصة النادر منها، بل ويقوم بتصنيفها. أما راديو "تسعينات اف ام" فهو مهتم بتقديم أغاني فترة الثمانينيات والتسعينيات. بينما يهتم راديو "مدينة البط" بتقديم موسيقى من كل أنحاء العالم، ربما من دول في عمق القارة الأفريقية أو الآسيوية أو حتى من موسيقيين غير معروفين من دول معروفة، ويحصل مؤسس الإذاعة على هذه الموسيقى عبر الانترنت أو من خلال أصدقاء له، أو من خلال نسخ الموسيقى النادرة من شرائط كاسيت واسطوانات. يقدم راديو "وصلة اف ام" ثلاثة أنواع من الموسيقى، هي المستقلة والمعاصرة والأندرغراوند، ويقول بريش أن لديه فريق في الإذاعة مهمته البحث عن كل أنواع الموسيقى الجديدة والمختلفة في دول منطقة البحر المتوسط ، ويقوم الفريق بالتواصل مع الفنانين للحصول على الأغاني ذات الجودة الفنية والتقنية العالية، وتصنف الإذاعة الفنانين والفرق وتكتب نبذة عن كل منهم على موقعها. وتقدم "وصلة" أيضا بعض البرامج الفنية، وهي بدأت في تسجيل بعض الأغاني للفرق غير القادرة مالياًعلى تسجيل أغانيها.
يركز راديو "ترام " على تقديم موسيقى الأندر غراوند السكندرية تحديدا والمصرية عموما والتي غالبا ما يأتي بها أصحابها إلى الإذاعة بأنفسهم على حد قول ريم الطيب، ولكنه يقدم أيضا مجموعة من البرامج الفنية والرياضية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تركز على الشارع السكندري. وأخيرا يركز راديو "حريتنا" أكثر على البرامج الترفيهية والاجتماعية والسياسية. وتقول سمر الحسيني المدير التنفيذي لموقع وإذاعة حريتنا أن البرامج هي اهتمامهم الأول وليست الموسيقى. ويقول أحمد شيكو مدير البرامج بالإذاعة إنهم يقدمون فواصل توعوية ومعلوماتية وبرامج سياسية.
للثورة لمستها على هذه الإذاعات، فيؤكد محمد بريش أن الثورة رسخت فكرته بضرورة تأسيس هذه الإذاعة، فمع الثورة أصبح للانترنت أهمية كبيرة. أما راديو "ترام" وراديو "حريتنا" فيقومان بالتغطية المباشرة لأي أحداث سياسية ثورية مهمة على مدار الساعة، وعلى العكس من ذلك ينفي مؤسس راديو "مدينة البط" أي علاقة لإذاعته بالسياسة، فهو ضدها ويهتم فقط بالموسيقى.

طموحات كبرى، صعوبات كثيرة، موارد محدودة
تشترك هذه الإذاعات في طموح الانتشار، وتحقيق ربح يمكنها على الأقل من تغطية تكاليف الإذاعة، بينما أغلب العاملين فيها يعملون بشكل تطوعي. كما يطمح هؤلاء في الحفاظ على انتظام البث، فبعض هذه الإذاعات غير منتظمة مثل "راديو مدينة البط "، كذلك يطمح بعضهم إلى تدريب من يرغب والمشاركة في تأسيس عدد أكبر من الإذاعات المشابهة. يقوم "راديو ترام" مثلا بتدريب بعض الأشخاص في مدن أخرى لإنشاء إذاعات محلية، بينما أسس "راديو حريتنا" بالفعل إذاعة "حريتنا بحري" والقائمة على تغطية الإسكندرية، ويهدفون إلى تأسيس خمس إذاعات محلية في مدن مختلفة. بينما يرغب مؤسس راديو وصلة بتأسيس قناة "وصلة تي في" لتصبح قناة مرئية على الانترنت. ويظل طموح هذه الإذاعات الأكبر أن تتحول إلى البث على الموجات الإذاعية، ولكن يواجهها في هذا صعوبة الحصول على تصريحات لأي بث إذاعي جديد، وضرورة وجود موافقات أمنية. وفي هذا السياق يقول محسن كمال إن الاذاعات تحاول ترتيب حملة للضغط على الحكومة من أجل تقنين أوضاعها، خاصة مع وجود خطر دائم بإغلاقها لأسباب سياسية أو أمنية.
تأتي الصعوبات المادية في الطليعة، ما بين صعوبة البحث عن ممولين دون تدخل في المحتوى، أو البحث عن معلنين، أو الاعتماد على المدخرات الشخصية للقائمين عليها، أو غياب الموارد تماما واعتمادها على المتطوعين أو الأصدقاء بشكل كبير، لا سيما ان القائمين عليها لا يملكون الموارد الكافية للقيام بحملات إعلانية وتسويقية، ويستعيضون عن ذلك بإنشاء صفحات لهم على المواقع الاجتماعية أو يعتمدون على المشاركة في تنظيم أو توثيق مناسبات فنية أو ثقافية تحقق لهم بعض الانتشار.

مستمعين من نوع آخر

يبلغ عدد مستمعي "راديو ترام" يوميا بين 10 إلى 15 ألف مستمع، بينما يبلغ عدد مستمعي راديو "مدينة البط " حين ينتظم في البث حوالي الألف مستمع أو أكثر، أما عدد مستمعي "راديو حريتنا" فهو ثلاثة آلاف يوميا.
دينا الوديدي هي مغنية مصرية مستقلة ومستمعة لهذا النوع من الإذاعات منذ ثلاث سنوات، وتقول "إنهم يمثلون منفذا هاما ليس فقط للفن المستقل بل للأعمال الفنية النادرة، خاصة أن ثقافة الانترنت هي السائدة الآن". وإلى جانب تأكيدها على أهمية هذه الاذاعات في توثيق وتصنيف الأغاني، فهي تقدم موسيقى ممتعة لا تقدمها الإذاعات العادية.
أما نهال الميرغني وهي مستمعة شابة وباحثة تعمل في مجال الإعلام، فتستمع إلى هذه الإذاعات منذ ستة أشهر تقريبا وتهرب من خلالها من البرامج السياسية التي باتت منتشرة ومستهلكة، فهذه الإذاعات تقوم بتقديم التغطية الخبرية الحية فقط. وأخيرا تقول الميرغني عن الإذاعات التقليدية إنها تشعر وكأنها تسمع "برامج من الستينيات"، لذا فهي لا تثير اهتمامها.

عبر الحدود وتحديدا في مدينة عكا، رشا حلوة صحافية فلسطينية اعتادت على الاستماع للموسيقى التي تقدمها هذه الإذاعات منذ حوالي السنة، وقد عرفت عنها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والأصدقاء. تقول رشا إن لهذه الإذاعات شعبية في فلسطين، وربما يكون ذلك لندرتها هناك، وهي تعتبرها "المنصة البديلة الصادقة لصوت الناس والشارع مع كامل التنوع والاختلاف بين البشر، وتقديم فرصة مفتوحة وحرة للموسيقى والأغاني التي لا تصل إلى عدد كبير من الجمهور، فتكون إذاعات الانترنت هي الملجأ". وعلى الرغم من أنها ترى أزمة هذه الإذاعات في أن من يسمعها قد قام بالبحث عنها وذلك عكس الإذاعات التقليدية، إلا أنها تؤكد أنه اليوم، ومع التليفونات الذكية وتطبيقاتها، تصل إذاعات الانترنت بسهولة أكبر لشريحة واسعة من الناس وبلا أهمية للحدود الجغرافية والسياسية. وتقول في النهاية "هذه هي القيمة الأساسية لكل إذاعة عبر الانترنت، تبث من بيت في القاهرة وتسمع في بيوت المنطقة كلها".

            
 

مقالات من مصر

عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ

أشهرت البعثة البريطانية إفلاس مصر فى السادس من نيسان/ إبريل عام 1879. وفي أعقاب ذلك الإعلان، قام السلطان العثماني بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه "محمد توفيق باشا" على مصر بدلاً...

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...

كيف جرى تكبيل مصر واستعبادها؟

رباب عزام 2024-03-21

يبدو أن السلطة المصرية لن تتوقف نيتها في بيع الأصول والأراضي، ولن تكتفي فقط بما حُسم من صفقات منذ العام 2021، بل ستسعى إلى مزيد من عمليات البيع، تنفيذاً لاشتراطات...

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!