يقول خبر صغير مرّ منذ أيام من دون أن يلتفت إليه أحد، إن دولة جنوب السودان تريد التخلص من 60 ألف عبوة لقاح ضد وباء كوفيد 19، لنفاد صلاحيتها قبل التمكن من استخدامها. هل تباطأت وزارة الصحة في تدابيرها، ولم تدر الأمور بشكل يجعل سكان هذا المكان بالغ الفقر يستفيدون من اللقاح؟ هل بددوا هذه "الثروة" بالإهمال أو بضعف الحيلة؟ بل هي أعطيت إليهم في آذار/مارس، قبل أيام من انتهاء صلاحيتها. 14 يوماً تحديداً. وهي وصلتهم كتبرع من عملاق الاتصالات الجنوب أفريقي MTN، ومن الاتحاد الأفريقي نفسه. ولم يتنبهوا للتواريخ قبل الاستلام. وقد صارت مشكلتهم الآن هي التخلص الآمن من هذه اللقاحات غير الصالحة، والمركونة في أحد المستودعات.
وفي زاوية ثانية من الأخبار في ذلك اليوم، أن الرئيس الأمريكي صرّح بأن بلاده "تمتلك لقاحات كافية لكل أمريكي، هذا أمرٌ لا نقاش فيه"، وأنه بحلول الأول من أيار/ مايو، فإن 90 في المئة ممن هم فوق سن الثامنة عشرة من العمر يكونون قد تلقوا لقاحاتهم.
"فشل أخلاقي كارثي": فشل جديد، ولن يكون الأخير!
22-01-2021
كوفيد-19، "منطقة" صراع شمال/جنوب؟
31-03-2020
وفي زاوية ثالثة أن إسرائيل اشترت مجدداً ملايين اللقاحات من شركة فايزر الأمريكية، بينما تلقّى 5 ملايين من أبنائها (حصرياً، من دون الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وغزة) الجرعتين المطلوبتين، وهم عملياً كل الإسرائيليين البالغين. وتباهى نتنياهو بأن بلاده تحتاط ضد المرض حتى نهاية 2022. وقد لفت الخبر هذه المرة انتباه صحف ومنصات إعلامية عالمية ليست معروفة بمناهضتها لتل أبيب، وبدا أن ذلك السلوك الإسرائيلي يحمل معاني الجشع الشديد والأنانية القصوى، ولو أن تلك المنصات حرصت على صياغة محايدة وحذرة، دست فيها كلمة "أيضاً" و"مجدداً"، وأوردت معها تلك الأرقام الإجمالية، عسى اللبيب من الإشارة يفهم.
.. إذاً، وبعكس المأمول من قفزة في الضمير بسبب كارثة كورونا التي لفّتْ العالم كله ولم تستثنِ أحداً، ولم تنقضِ بعد، فكانت عدا قسوتها، تعطي ملمحاً واضحاً عن الخراب اللاحق بالكرة الارضية جراء انفلات الاستغلال الفاحش وقصير النظر للطبيعة وللبشر الذي ترتكبه قلة قليلة.. وعلى عكس اثارة التساؤلات الضرورية حول الطريقة التي تنتظم فيها العلاقات في هذا العالم، وحول القيم التي تحكمها، وحول السياسات السائدة.. على عكس كل ذلك، كانت كورونا مناسبةً لاشتداد المباراة المقززة بين "من يملك" و"من لا يملك". قالت 250 منظمةً غير حكومية في بيان مشترك لها صدر منذ يومين، ونشر على نطاق عالمي واسع، إن خطر الموت جوعاً يتهدد بشكل مباشر وسريع – قالوا "صار على بعد خطوة" - 34 مليون إنسان، من أصل 270 مليوناً يواجهون الجوع على مستوى العالم. وهؤلاء لم يحصلوا طبعاً على لقاحات ضد كورونا، بل لم تحصل عليه شعوب قارات بأكملها، يفتك بها الوباء ويهدد بعودته للانتشار في العالم بصيغ "محورة" جديدة (ما يعني ان الدعوة لالتفات المترفين إليهم يمكن أن "تُبرر" بعلاقتها بصحتهم هم وسلامتهم ورفاههم). وأنه بعد مرور سنة على تحذير الأمم المتحدة من "مجاعات ذات أبعاد كارثية"، بلغت نسبة مساهمات الجهات المانحة الثرية في التمويل 5 في المئة فقط من المطلوب لصالح "نداء الأمم المتحدة لتمويل الأمن الغذائي"، والذي يبلغ 7.8 مليار دولار لعام 2021. وأن المبلغ "المتبقي"، والذي لم يسدد، يبلغ 5.5 مليار دولار، بينما مجموع الإنفاق العسكري السنوي للدول يبلغ 1.9 تريليون دولار، وفق أرقام "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" لعام 2019.
فأي كلام بعد ذلك؟ وما الفائدة؟