مصر: الحالة الفرعونية تحكم المناهج

صاحبت العودة منذ أيام الى تدريس مادة الفلسفة لطلاب الثانوي، وبخاصة لصف الثانوية العامة (البكالوريا) ـ وهو خبر سار ـ مفاجأة غير سارة: إلغاء أجزاء كبيرة من المنهج، ووجود تعليقات تلخيصية فى نهاية كل فصل أو باب. التبرير هو أن المنهج طويل ولا يتناسب مع زمن العام الدراسي. وكانت حكومة الإخوان المسلمين قد اتخذت قرارا العام الماضي بعدم تدريس الفلسفة إجباريا للطلاب، بخلاف ما كان معمولا به طوال ما
2013-11-13

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك

صاحبت العودة منذ أيام الى تدريس مادة الفلسفة لطلاب الثانوي، وبخاصة لصف الثانوية العامة (البكالوريا) ـ وهو خبر سار ـ مفاجأة غير سارة: إلغاء أجزاء كبيرة من المنهج، ووجود تعليقات تلخيصية فى نهاية كل فصل أو باب. التبرير هو أن المنهج طويل ولا يتناسب مع زمن العام الدراسي. وكانت حكومة الإخوان المسلمين قد اتخذت قرارا العام الماضي بعدم تدريس الفلسفة إجباريا للطلاب، بخلاف ما كان معمولا به طوال ما يقرب من قرن سالف. وللعلم، فتلك لم تكن المحاولة الأولى للجماعة. ففي العام 1960، اصدر وزير التعليم وقتها، كمال الدين حسين، المعروف بميوله الاخوانية، قرارا بإلغاء تدريس الفلسفة. ولكن الرئيس عبد الناصر سارع الى إبطال هذا القرار الوزاري قبل تطبيقه، وذلك بعدما أثار المثقفون والمفكرون ضجة كبيرة حول خطورته.

النجدة يا طه حسين

ولم تكن مفاجأة طريقة تدريس الفلسفة هى الوحيدة هذا العام بل امتد الأمر نفسه الى اللغة العربية، وتحديدا الى العملاق طه حسين ورائعته «الأيام»، وهي المقررة على طلاب الثانوي، فتم إلغاء عدة فصول منها، من دون اتضاح سبب إلغاء هذه الأجزاء والإبقاء على أجزاء أخرى. ويبدو أنه في النهاية قرار فردي من المسؤولين. وعبثا يُسأل هؤلاء عن السبب والمنطق وراء هذا الاجتزاء، فلا إجابات شافية وإنما مجرد همهمات وعبارات مبهمة. وهو ما يطرح سؤالا: هل وضع المناهج علم بحد ذاته، يقوم على أسس ومبادئ وأهداف؟ أم هو يخضع لآراء شخصية لفرد أو لمجموعة؟ الا يحتاج الى رؤية عامة وفلسفة وفق إستراتيجية محددة؟
من الواضح وفق القراءة المتأنية لما يحدث فى المناهج المصرية أن وضعها (وخاصة في المواد النظرية والاجتماعية) يخضع للرؤى السياسية المباشرة للأنظمة الحاكمة. وهناك تغييرات مقررة في صياغة المنهاج تقارب الكاريكاتورية. فمنذ منتصف السبعينيات ومع حكم الرئيس السادات، تم حذف كلمات مثل «العدو الاسرائيلي» و«القومية العربية» ومصطلحات «العروبة» و«الاشتراكية» من المناهج، وكذلك تم تغيير مفهوم «الجهاد»، وحدث ذلك كله بعد توقيع معاهدة كامب دافيد. وفور انتقال الحكم إلى مبارك، أصبحت حرب أكتوبر ملخصة فقط في «الضربة الجوية» وقائدها «حسني مبارك». ومع قيام ثورة 25 يناير وخلع مبارك، تم حذف اسمه من كتب التاريخ. وشهد العام الماضي، مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، أكبر وأسرع عملية تغيير للمناهج ، لم تقتصر على مواد التاريخ فقط بل امتدت الى الجغرافيا حيث تم إلغاء تدريس بعض الدول الأفريقية (رغم أهمية ذلك للأمن الوطني المصري)، وهو ما حدث لمادة التربية الوطنية ودروس القراءة. فمثلا تمّ نعت أهل الأديان السماوية، مثل المسيحيين، بـ«أهل ذمة»، وهو ما يفترض أن يترتب عليه دفعهم الجزية وعدم دخولهم الجيش. وهذه النزعة الطائفية امتدت أيضا لدروس القراءة بالعربية، حيث تم حذف درس كامل عن دور النساء في الحركة الوطنية، بل تم وضع غلاف لكتاب التربية الوطنية «لقيادات الإخوان»، وهو ما أدى إلى صدور قرار بأعدام هذه الكتب وهدر ملايين من الجنيهات. وكان قد تم وضع أستاذ إخواني على رأس هيئة تطوير المناهج.
أزمة المناهج المصرية لا تعود الى العادة الفرعونية التي تغير المناهج مع تغيير أنظمة الحكم أو الرئيس، وإنما هي تمتد إلى تبديل وزير التعليم نفسه، وهو أمر يتكرر بحكم الواقع! وكل وزير جديد يأتي يضع على رأس أولوياته الحديث عن خطة لـ«تطوير» المناهج (وهو الاسم الحركي للعبث بها). ويستتبع ذلك صرف مبالغ مالية طائلة. وتكون النتيجة في كل مرة هي تغيير أسماء الدروس ووضع بعضها مكان البعض الآخر، أو ترحيل بعضها من عام دراسي إلى آخر. أي بعبارة أخرى وضع المحتوى نفسه في شكل جديد. ومؤخرا صرح وزير التعليم الحالي بأنه شكّل لجنة لوضع تصور جديد للمناهج ستبدأ بالفعل بالتنفيذ في العام القادم، من دون أن يتوقف ليسأل نفسه هل هو أصلا مستمر في عمله الوزاري بعد شهور قليلة؟ لاسيما أنه من المعروف أن هذه الحكومة انتقالية وسوف يتم تغييرها بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية.

رواج الأسواق الموازية

ويزيد من أزمة المناهج التي تتغير باستمرار أن وزارة التعليم لا تملك مطابع خاصة بها، وتتم طباعة الكتب في مؤسسات الطباعة الخاصة، وهو ما يؤدي إلى أزمة كل عام تتمثل فى تأخر استلام الطلاب للكتب الجديدة، وإلى رواج تجارة الكتب الخارجية الخاصة بالمناهج نفسها، والتي تقدر مكاسبها سنويا بما لا يقل عن 2.5 مليار جنيه وذلك طبقا لتصريحات وزراء التعليم المصريين المتعاقبين. ومن مفارقات الحالة المصرية أن التغيير الدائم للمناهج لا يطال المواد العلمية، التي تشهد تطورات واكتشافات عالمية سريعة مثل علوم الأحياء والفيزياء. فحتى الان لا تضم هذه المناهج الحديث عن تطور الفيزياء، أو تجارب محاكاة نشأة الكون، أو حتى تاريخ الحاصلين على جوائز نوبل وأنجازاتهم للبشرية، ولماذا حصلوا عليها؟ أما مناهج التاريخ لشهادة البكالوريا مثلا، وبعيدا عن عبث الحالة الفرعونية التي تغير أعمال الرؤساء، فهي ثابتة منذ حوالي 50 عاما على الأقل. وفى المقابل يحصل البعض فى المدارس الأجنبية والدولية ذات المصروفات بالعملة الاجنبية على التعليم الجيد والمناهج الحديثة، والساحة التعليمية المصرية تمتلئ بالعديد منها مثل المدارس الأميركية والانكليزية والفرنسية والألمانية، وأخيرا التركية. وفي الطريق مدرسة صينية أيضا. وعدد هذه المدارس يشهد ارتفاعا مستمرا، حتى أصبحت تخصص لهم نسبة 5 في المئة سنويا للقبول بالجامعات الحكومية.

ما الحل؟

هل يمكن مواجهة هذه المعضلة المستمرة؟ بالتأكيد هناك حلول، ابسطها وأكثرها مباشرة استيراد مناهج تعليمية متكاملة من الدول المتقدمة، فنحل على الأقل مشكلة حصول الأغنياء فقط على المناهج الجيدة والمتطورة، ونحقق تكافؤ الفرص على هذا الصعيد، خاصة أن الجميع يؤدي في نهاية مرحلة التعليم قبل الجامعي أمتحان موحد والأغلبية (وبنسبة تتجاوز الـ90 في المئة) تلتحق بالجامعات الحكومية. أما بالنسبة للمناهج المتعلقة بالتاريخ والثقافة العربية والوطنية، فيتم وضعها بواسطة لجان متخصصة مثل «الجمعية التاريخية المصرية»، وأيضا من خلال «مجلس وطني للتعليم» يبتعد عن توجيهه والتحكم فيه أي مسؤول، وكذلك الوزراء الذين يتغير موقفهم ورؤيتهم طبقا للحزب السياسي الفائز في الانتخابات. وبهذا نحفظ للتعليم حد أدنى من الموضوعية بعيدا عن تمجيد الفرعون الحاكم واعتبار أن ذلك يكفي المؤمنين شر القتال... أو الطلاب خير المعرفة.

            
 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...