لا تملّوا من المطالبة بالحقوق.. "أوقفوا الاختفاء القسري" مثالاً

"لا تملوا من المطالبة بالحقوق، لعله يشق الأمل يوماً طريقه إلى القلوب". هذا هو المعنى الأجمل الذي أرسته حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" في الساحة المصرية على مدار الشهور الماضية. فقد شق الحق طريقاً للعدل، رغم كون الأول جريحاً والثاني شحيحاً، فأعلنت وزارة الداخلية المصرية بعد شهور من التجاهل وأخرى من الاستهزاء بالحملة، عن مصير 121 من أصل 191 مختفياً قسرياً، وفق حصر المجلس
2016-01-25

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
حامد سليمان - سوريا

"لا تملوا من المطالبة بالحقوق، لعله يشق الأمل يوماً طريقه إلى القلوب". هذا هو المعنى الأجمل الذي أرسته حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" في الساحة المصرية على مدار الشهور الماضية. فقد شق الحق طريقاً للعدل، رغم كون الأول جريحاً والثاني شحيحاً، فأعلنت وزارة الداخلية المصرية بعد شهور من التجاهل وأخرى من الاستهزاء بالحملة، عن مصير 121 من أصل 191 مختفياً قسرياً، وفق حصر المجلس القومي لحقوق الانسان الذي جاء بدوره إثر مجهود كبير لأفراد ومنظمات حقوقية وأهل لم ييأسوا من البحث عن أبنائها.

أسماء الغائبين تحضر

تضمن تقرير الحصر أماكن حبس 99 متهما في السجون وأقسام الشرطة، إضافة إلى 15 حالة تم إخلاء سبيلها، و3 حالات "هُرِّبت" على ذمة قضايا، وحالة أخرى يبدو أن أسرتها تمكنت من تهريبها من السجن، فضلا عن 3 حالات عرف المجلس مصيرهم من خلال ذويهم، بينما لم يتلقوا رداً من "الداخلية" عليهم، ليكون إجمالي التعرف على 121 حالة بينما ما زال مصير 70 حالة أخرى مجهولاً. لكنه وحتى في لحظة جلاء مصير المئات، ظلت الصورة مشوشة ومشوهة، ليس فقط لأن هناك 70 إنسانا لم تعلن وزارة الداخلية عن مصيرهم بينما لدى الجهات الحقوقية شهادات من الأهالي وشهود العيان تؤكد أن القبض عليهم تم على يد جهة أمنية، ولكنه مشوش بسبب الحالة الميلودرامية التي صاحبت الكشف عن حالة المختفي قسرياً الأكثر شهرة "اشرف شحاتة"، وهو الأقدم، وزوجته مها مكاوي لعبت دوراً محورياً في الدفاع عن حقها هي وأسرتها في معرفة مصير زوجها، ما انسحب بشكل عام على القضية التي أصبحت أمراً واقعاً من العبث إنكاره. وفي اليوم المنتظر، ومع الإعلان عن الأسماء ومن بينها اسم شحاتة، تبين أنه لمسجون جنائي يحمل الاسم نفسه! وما بين فرح وإحباط يبقى السؤال هو: لماذا تم وضع اسم مسجون جنائي يقضي عامه الخامس فى السجن بالكشوف؟ وأين هو أشرف شحاتة الآن؟

السيئة من أنفسكم أم من الجهات الدولية؟

"بيقولك مرة واحد راح للداخية قالهم عندكم اختفاء قسري قالوا لا، وهم عندهم جوه"، "فعلا المختفون قسرياً كانوا فى داعش.. الدولة"، "الداخلية فتحت الكوتشينة وعرفت أماكن المختفين قسرياً". هذه بعض التعليقات الساخرة التي تداولها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان وزارة الداخلية عن ردها على القائمة الحقوقية لحالات الاختفاء القسري. سخرية جاءت كرد على سخرية أخرى شنتها قيادات ورموز بالداخلية والإعلام ضد كل من نادى بوقف الاختفاء القسري على مدار عام كامل، إضافة إلى الاتهامات المباشرة بوجود "التوجيه الدولي" و "اختلاق الأكاذيب" و "محاولة زرع الفتنة".

 بدأ التحدث عن حالات الاختفاء بشكل فردي، وسط تحذيرات من الشباب والأهالي أن يجري الالتفات لعمليات الخطف المتكررة التي تتم على يد قوات الأمن. ومع تحول الأمر إلى ظاهرة، بدأت المنظمات الحقوقية في التحرك، وتمّ اختيار "اليوم العالمي لمناهضة الاختفاء القسري" لتدشين الحملة التي تطالب بوقف الظاهرة الآخذة بالانتشار في مصر عقب فض اعتصام رابعة العدوية آب/ أغسطس 2013.

 في نيسان/إبريل 2015 كانت البداية الموفقة، وسريعاً ما تطورت الحملة بمشاركة آلاف من المصريين لا يملكون غير صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انضمت إليهم شخصيات عامة وكان أكثرها تأثيراً السياسي والمرشح السابق للرئاسة محمد البرادعي.
تجاهل الجهات الرسمية لم يستطع الصمود لوقت طويل وجاء الرد الأول في حزيران/يونيو 2015 على لسان متحدث باسم وزارة الداخلية الذي قال "ماعندناش معتقلين سياسيين" ليغزل على النهج الذي اتخذه سالفه إبان أحداث محمد محمود فى 2011 الذي كان قد قال: "ماعندناش خرطوش".

 تتابعت التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي تهاجم حملة مناهضة الاختفاء القسري، وهي بدأت برفض المفهوم نفسه وتبرئة الأمن من التورط في حالات الاختفاء المذكورة، وطرح سيناريوهات أخرى تبدأ من افتراض وجود مشاجرات عائلية تفسر اختفاء الشخص، وتصل إلى الانضمام لداعش. وهاجم أحد القيادات السابقة بالأمن المصري الحملة والقائمين عليها بالقول:"نجيبهم منين، نفتح الكوتشينة ونجيبهم؟.. مش عندنا".

 تمسكت الحملة باسمها بل واتخذت من الرفض الرسمي لها فرصة لنشر المفهوم وتعريف المجتمع المصري به وبتاريخ تكون الحملة الدولية لمناهضته، كونه تعريف يقتصر فقط على حالات الاختفاء التي تتم على يد أجهزة تابعة للدولة أو مجموعات مدعومة منها، وأكدت الحملة أن كل الحالات التي ذكرتها لديها من الشواهد ما يؤكد أن أجهزة أمنية تقف وراء اختفائها.
اعتمدت رواية وزارة الداخلية على أنه تم وقف العمل بقانون الطوارئ في مصر عقب ثورة يناير 2011، إلا إنها كمن يأخذ بنصف الآية "لا تقربوا الصلاة". فمن ألغى قانون الطوارئ رسمياً لم يبتكر طريقة جديدة للعمل من دونه، فقال الحقوقي ناصر أمين، عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" (مؤسسة رسمية) :"نعم ظاهرة الاختفاء القسري نغمة حديثة على مصر، ولكن ليس السبب فيها نظريات التآمر ونشر الأكاذيب، ولكن انتهاج وزارة الداخلية لها. فجهاز الأمن الوطني لا زال يعمل بأسلوبه القديم نفسه حيث يقوم باعتقال الأشخاص لأيام أو شهور عدة دون عرضهم على جهات التحقيق، بينما كان الأمر أفضل أثناء تطبيق قانون الطوارئ حيث كان يتم الإعلان عن اسم الشخص المعتقل والسماح بزيارته بعد أسبوعين على تاريخ اعتقاله"! ليس طبعا دفاعاً عن قانون الطوارئ سيئ السمعة، الذي لم يكن في حقيقته إلا تقنيناً لممارسة الاختفاء القسري، وإنما لطرح تساؤلات أخرى جاءت على لسان الحقوقيين حول أسباب انتهاج الأمن المصري هذا السلوك المجرَّم دولياً بينما النيابة العامة تملك حق تمديد حبس المتهم على ذمة التحقيق احتياطياً لمدة تصل إلى 6 أشهر.. وتساؤل آخر حول تقاعس النيابة العامة نفسها عن مباشرة عملها بمراقبة وتفتيش أماكن الاحتجاز خاصة بمقار الأمن الوطني، بينما الأهالي لم يتوقفوا يوماً عن الحضور لمقارها من أجل الشكوى."سلوك ليس فقط غير مقبول ولكنه غير مفيد أيضاً"، هكذا أنهى الحقوقي رده على ممثل عن وزارة الداخلية.

انفراج في الأفق المسدود أم سراب العطش

هل ما يحدث من إعلان عن أسماء المختفين وتخفيف نار صدور ذويهم هو نجاح لحملة الضغط الواسعة أم أن المياه راكدة بدرجة أكبر من أي محاولات لتحريكها؟ أسئلة لا يهتم القائمون على تلك الحملات (يشارك فيها الآلاف بشكل عفوي عبر الفضاء الإلكتروني) بالوصول لإجابات حولها بقدر الاهتمام بالاستمرار من أجل الكشف عن مصير أي مختفٍ تشير الدلائل إلى أنه موجود لدى جهات أمنية.

 وعلى الرغم من هذا، يبقى الإعلان عن أسماء المختفين، وإثبات صحة اعتقاد القائمين على الحملة من أنهم محتجزون لدى السلطة رقماً هاماً في معادلة وقف الاختفاء القسري. وعلى ذلك فظهور عشرات من الشباب بالنيابة العامة، وهم ممن قامت الأجهزة الأمنية بالقبض عليهم قبل الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، أعطى هو الآخر مؤشراً يمكن أخذه في الاعتبار.

 حملات حقوقية إلكترونية مختلفة تظهر كل يوم من أجل مقاومة مناخ انتهاك الحريات المتزايد في مصر وفق تقديرات حقوقية محلية ودولية، وتستهدف مقاومة "العبث" كما وصفه الكاتب الصحافي فهمي هويدي: "حين يصبح موضوع الاختفاء القسري في مصر قضية رأي تتعدد فيها الاجتهادات وتختلف وجهات النظر، فإن ذلك يعد هزلاً وعبثاً في المسؤولية والجد، ذلك أننا لسنا بصدد مسألة نظرية أو إشكال عقلي يُرى من أكثر من زاوية، وإنما الأمر يتعلق ببشر من لحم ودم".

مقالات من مصر

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...