لأوّل مرّة منذ 15 عاماً، تسمح لجنة الانتخابات المركزيّة الإسرائيليّة لجميع الأحزاب الفلسطينيّة داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 بالمشاركة في انتخابات الـ"كنيست" دون محاولةٍ لمنعهم من الترشّح على خلفيّة نشاطات أو تصريحات ذات طابع وطنيّ فلسطينيّ. على مدار سنوات طويلة، استخدمت الأحزاب الصهيونيّة أداة "شطب القوائم والمرشحين" لمحاولة منعهم من المشاركة بناء على ادعاءات مختلفة، وكان على الأحزاب الفلسطينية المثول أمام لجنة الانتخابات والمحكمة الإسرائيليّة العُليا لإثبات جدارتها بالترشّح عبر نفي تلك الادعاءات.
بالمحصّلة، وعلى مدار تاريخها، لم تمنع "إسرائيل" بشكلٍ جارفٍ مشاركة الفلسطينيّين في الانتخابات، لكنّها استخدمت أداة "الشطب" هذه كامتحانٍ يُهدّد الأحزابَ الفلسطينيّة العازمة على الترشّح، هو تهديد تصعّد تدريجيّاً في انتخاباتٍ تلو الأخرى. عدّلت "إسرائيل" قوانينها في كلّ مرحلة اجتازت الأحزابُ فيها "الامتحان"، وطالبت الأحزابَ الفلسطينيّة بمزيدٍ من الخضوع والتنازلات عن المواقف الوطنيّة. كما تغيّرت تركيبة القضاة في المحكمة العليا لتصبح أشدّ تطرّفاً، وترفع سقف الولاء الإسرائيليّ الذي تطلبه من هذه الأحزاب.
في مقابل هذا التصعيد الإسرائيليّ المستمر على مدار عقود، يظهر بوضوح التدهور والتراجع في الخطاب والفعل السياسيّ الفلسطينيّ، انصياعاً للتهديد الإسرائيليّ بالشطب من أجل استمرار المشاركة في انتخابات الـ"كنيست". فعليّاً تحوّلت القيادة السياسيّة لفلسطينيي الداخل بشكلٍ تدريجيّ من قيادة تتواصل وتتضامن بفخر مع المشاريع المقاوِمة لـ"إسرائيل" في فلسطين والعالم العربيّ إلى قيادةٍ تتنصّلُ من المقاومة، وتُعلن رفضها للمقاومة المسلّحة، وتتنصّل حتّى من الرموز التاريخيّة للمقاومة، بل تعتبر التعرض للاعتقال صنفاً من أصناف الجريمة التي تتطلّب "إعادة تأهيل"، وتخضع للمبدأ الإسرائيليّ بأن الدول العربيّة "بلد عدوٍ" تُمنع زيارته.
تُقدّم هذه السطور قراءةً في مواقف الأحزاب الفلسطينيّة والتي كُتِبت ردّاً على دعاوى إسرائيلية طالبت بشطب ترشيحها للكنيست، وذلك بالتركيز على ما يتعلق من تلك المواقف بسؤال المقاومة وشرعيتها. يعرض هذا المقال، باقتباساتٍ حرفيّة من شهادات وقّعتها قياداتُ هذه الأحزاب، مستوى التدهور الخطير الذي طرأ على مواقفها السياسيّة.
التقرير كاملا على موقع "متراس"