إسلاميُو الحكومة المغربية: بالأمس مُقاطِعون، واليوم مُطَبِّعون...

اليوم يقول سعد الدين عثماني رئيس الحكومة المغربية وأمين عام "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي : "لا يمكن للرجل الثاني في الدولة أن يُخالف الرجل الأول في الدولة". وقبلها كان قد قال: "وهكذا جعلت تصرفات الكيان الصهيوني كل الذين وقّعوا معه اتفاقيات السلام والتطبيع في حرج كبير". تضع هذه الازدواجية "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي أمام ما يبدو كانقسام، وتضعضعه.
2021-02-02

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
سعد الدين عثماني، رئيس الحكومة المغربية.

لم نَرَ ابتسامته المعتادة. الصفراء. المطمئنة. الموحية بأن كل شيء على ما يرام . أخفت الكمامة هذه المرة النصف: نصف الوجه و نصف المبادئ. سعد الدين العثمائي. الرجل الثاني في الدولة المغربية بعد الملك. لم يملك زمام الأمور كما يبدو أمام متابعي المشهد. ضعيفاً. بأكتاف منحنية .غير مستسيغ لما حصل، وكأنه دُفِع به دفعاً نحو التوقيع التاريخي.

اليوم :"التطبيع كضرورة للانفتاح"

شهر كانون الأول/ ديسمبرمن العام الماضي، كان موعد لسقطة تاريخية ل"حزب العدالة والتنمية" الإسلامي الذي كان يملأ الدنيا ولا يقْعدها صخباً في الشوارع بـ"لا للتطبيع" و"التطبيع خيانة". صار الآن عدو خطاباته عندما وقّع أمينه العام، سعد الدين العثماني، على اتفاقيات استئناف العلاقات مع إسرائيل التي تتعلق بالترخيص للرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، مع فتح حقوق استعمال المجال الجوي، والاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية الكاملة، كما تشجيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدولتين.

الحزب من ناحيته، خرج عن صمته ببيان - لم يضع عليه أمينه العام سعد الدين العثماني توقيعه - يؤكد فيه أن "مواقف الحزب ثابتة بخصوص الاحتلال الصهيوني، وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات". ثم قال أن هذا الكيان يسعى في "محاولاته تطبيع علاقاته الى اختراق المجتمعات الإسلامية".

يتجنب الحزب "المرضي عنه" نسبياً من قِبل السلطة الحاكمة تكرار سيناريو تجربة إخوانه في مصر، عندما تمّ نسفهم وقمعهم من قبل سلطة العسكر خلال عام 2013. لذا يحاول أن يكسب بأقل الأضرار، إذ فضّل منذ بدايات تأسيسه تحاشي أي صراع مع المؤسسة الملكية، وتبنّى خيار الانضمام إلى النظام السياسي (أو ما يوصف محلياً بـ"المخزن") وتقديم الولاء والتنازلات له.

يكشف هذا الخطاب عن هروب الحزب إلى الامام بإلقائه شماعة ما حصل على إسرائيل لوحدها، دون أن يقف وقفة موضوعية نقدية تجاه ما بدر منه من قرارات تتنافى مع مبادئه وأدبياته. وحتى يخرج قليلاً من عنق الزجاج العالق بها أصلاً، استخدم الحزب في بيانه معطى الوطنية من خلال توظيف قضية الصحراء باعتبارها مسألة تجمع المغاربة كافة، إذ أكد على أن "الإعلان الرئاسي الأمريكي يؤكد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويفتح آفاقاً جديدة لتقوية الموقف المغربي في الأوساط الدولية، ويزيد من عزلة خصوم الوحدة الترابية، ويسهم في مواجهة مؤامراتهم".

ويبدو أن هذا الكيان السياسي يعيش نوعاً من الانقسام غير المعلن. ويظهر ذلك جلياً من خلال ازدواجية الحزب، بين خطاباته وقرارته الأخيرة التي تصب في وادٍ، وما صدر عن حركته الدعوية وشبيبته الحزبية التي تمضي في وادٍ آخر.

"حركة التوحيد والإصلاح" ذات الطابع الدعوي، المنتمية للحزب، رفضت مقايضة قضية الصحراء بفلسطين، ووصفت ما أقدمت عليه الحكومة بـ"التطور المؤسف والخطوة المرفوضة"، وطالبت بـ"مراجعة التدابير المعلن عنها، والانحياز إلى الثوابت التاريخية في تعاطيه مع القضايا العادلة للشعوب المستضعفة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية"، كما حذرت من "خطورة هذه التدابير المعلن عنها ومآلاتها السلبية، والتي تضع البلاد ضمن دائرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتفتح الباب أمام اختراقه للمجتمع والدولة، وتهديده لتماسك النسيج المجتمعي، واستقرار الوطن ووحدته".

أما العثماني فتكلم بنبرة استسلام للأمر الواقع دون أن يبدو أنه ينوي تغييره ولو... باستقالة. وقال لإحدى القنوات الإخبارية بلهجة تشي بالخنوع (كما يراها معارضوه) وبالبرغماتية (كما يراها مؤيدوه) بأن ما حصل كان "قراراً صعباً، لذلك تأخر"، وقال: "لا نريد أن تكون هناك مقايضة بقضية الصحراء، لكن الانتصار في هذه المعركة، اقتضت الضرورة أن يتزامن مع الانفتاح على الآخر" (أي إسرائيل).

طيب، ماذا عن البارحة؟ ما الذي كان يقوله قبل 25 سنة؟

بالأمس :لا سلام ولاتطبيع، و إلاّ فـ"الحرب" !

حال الأمس كان مختلفاً، خطاب سعد الدين العثماني وإخوانه كان حماسياً، مفعماً بالتنديد تجاه أي مبادرة للتعامل مع الكيان الإسرائيلي. و الشاهد على ذلك ما كتبه العثماني قبل حوالي 25 سنة في مقال منشور في إحدى مجلات حزبه، إذ وصف التطبيع بأنه "إبادة حضارية" ، وقال بأن "التطبيع يأتي كأفضل أداة تفتق عنه المكر الصهيوني، فهو شرط يضعه في المقدمة لكل اتفاقية سلام، فلا سلام عندهم بدون تطبيع سياسي وثقافي واقتصادي، وإلا فالحرب". وشدد في مقاله على أن تصرفات الكيان الصهيوني جعلت كل الذين وقعوا معه اتفاقيات السلام والتطبيع "في حرج كبير"، مما "اضطرهم إلى التراجع عن المسلسل والتلويح بالعودة إلى نقطة البدء".

"حركة التوحيد والإصلاح" ذات الطابع الدعوي، المنتمية للحزب، رفضت مقايضة قضية الصحراء بفلسطين، ووصفت ما أقدمت عليه الحكومة بـ"التطور المؤسف والخطوة المرفوضة"، وطالبت بـ"مراجعة التدابير المعلن عنها، والانحياز إلى الثوابت التاريخية في تعاطيه مع القضايا العادلة للشعوب المستضعفة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية".

أما خلال السنة الماضية، وقبل إعادة العلاقات مع إسرائيل بأشهر، فأكد بأن "إقامة أي علاقة أو تطبيع مع الكيان الصهيوني لا يمكن إلا أن يصب في خانة دعم هذا الكيان المستعمِر ويشجعه في التمادي في ممارساته العدوانية ضد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني".

في المحصلة، وقع الحزب الإسلامي في فخ الازدواجية بين الخطاب والأفعال، أصابت "سمعته" في مقتل، وهي سمعة تعيش على كل حال أسوء أحوالها، بعد أن لطخت بالكثير من الفضائح والفساد والقرارات الحكومية التي تبناها منذ توليه للحكومة. أما ما تبقى من هذه "السمعة" الأخلاقية فاهْتُزَ حالياً بعد أن أفسد رأسماله الخطابي والأخلاقوي المتمثل في استثمار القضية الفلسطينة كورقة دينية بشكل عاطفي وشعاراتي لنيل المزيد من الحشود في الشارع والفضاء العمومي، وبالتالي كسب الأصوات الانتخابية والبقاء على قيد الحياة انتخابياً وسياسياً. ولن يتم ذلك إلا برضاء السلطة السياسية الحاكمة عنه.

التنازل من أجل البقاء..

بشكل ما، يمضي الحزب بمنطق يتجاوز البراغماتية، إذ تحول من تنظيم حزبي يهتم بحشد المغاربة بخطاب مطبوع بالأخلاقوية والديماغوجية - كسواه من الأحزاب المغربية المدجّنة - إلى مجرد كيان سياسي يصارع للبقاء في الحكومة، ونيل رضا السلطة الحاكمة بأي ثمن. أما خيار استقالة العثماني أو انسحاب حزبه بسبب التطبيع مع اسرائيل فقد يحمل الكثير من التبعات ولربما "سخطاً" من النظام الحاكم.

تكلم العثماني بنبرة استسلام للأمر الواقع، دون أن يبدو أنه ينوي تغييره ولو... باستقالة. وقال لإحدى القنوات الإخبارية بلهجة تشي بالخنوع (كما يراها معارضوه) وبالبرغماتية (كما يراها مؤيدوه) بأن ما حصل كان "قراراً صعباً، لذلك تأخر"، وقال: "لا نريد أن تكون هناك مقايضة بقضية الصحراء، لكن الانتصار في هذه المعركة، اقتضت الضرورة أن يتزامن مع الانفتاح على الآخر" (أي إسرائيل).

يتجنب الحزب "المرضي عنه" نسبياً من قبل السلطة الحاكمة تكرار سيناريو تجربة إخوانه في مصر، عندما تمّ نسفهم وقمعهم من قبل سلطة العسكر خلال عام 2013. لذا يحاول أن يكسب بأقل الأضرار، إذ فضّل منذ بدايات تأسيسه تحاشي أي صراع مع المؤسسة الملكية، وتبنى خيار الانضمام إلى النظام السياسي(أو ما يوصف محليا بـ"المخزن") وتقديم الولاء والتنازلات له، والشاهد على ذلك موافقته على تعيين سعد الدين العثماني كبديل عن عبد الإله بنكيران الذي تم إعفاؤه من طرف الملك سنة 2017. أيضاً، فضَّلَ التنظيم الحزبي مكسب الانتخابات على مخاطر المظاهرات، إذ رفض نداءات "حركة 20 فبراير" (شباط 2011 ) لينال مقاعد البرلمان بأغلبية مريحة خلال السنة نفسها.

هذه كلها تنازلات، وهناك غيرها مما ليس باليسير. فهل ستشفع للحزب الإسلامي "البرغماتي" للحفاظ على رصيده الانتخابي والسياسي؟ أم سيلحق بمصير أحزابٍ قوية سبقته خلال العقود الماضية، وعرفت الانشقاقات والتفتيت، ومعهما الموت البطيء؟

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه