السعودية تقود تحالفاً عربياً يخوض عمليات "عاصفة الحزم" التي تحولت، وبدون مبررات ميدانية الى "إعادة الأمل".. الذي ما زال مفقوداً بالرغم من الاعلان عنه منذ 21 نيسان/ ابريل. الحرب جريمة متكاملة لا عدل فيها غير حيز الدفاع عن النفس. وهي لا بد أن تنتهي إلى نتائج ملموسة وتمهد لحلول مقنعة، كلما كانت واقعية ومنصفة كلما قلَّ احتمال اندلاعها مجددا، ولو بعد حين. عمليات عاصفة الحزم او الامل تعتمد على الحصار والقصف الجوي والمناوشات الحدودية، لكنها اصبحت حرباً شاملة يصعب فيها تمييز الاهداف، هي حرب خارجية وحرب داخلية، حرب إقليمية وحرب محلية، حرب أهلية يصعدها تدخل الجوار، وحرب رسمية بدعم خارجي .. وفي كل الحالات فالأخطر هو الجحيم الذي يعيشه الشعب اليمني، جراء عمليات الاستنزاف.
الحروب المستترة
اذا كانت حرب اليمن هي الظاهر من حروب المملكة، فإن ما خفي اعظم. ويبدو بأنها موظفة للتستر على حروب اكثر ضراوة وخطورة، كالحرب في سوريا ولبنان والبحرين التي كلفت خزانة المملكة حوالي 40 مليار دولار حتى الآن، إضافة الى تداعياتها السياسية محلياً وإقليمياً. وبمعزل عن هذه الحروب الخارجية، وهي حروب غير مباشرة وغير معلنة، فإن نظام المملكة يخوض حرباً داخلية لا هوادة فيها ضد كل الاصوات المعارضة المطالبة بأبسط الحقوق العامة، أسرى هذه الحرب تشهد لها السجون السعودية المليئة بالمعارضين وسجناء الرأي. هناك اكثر من عشرة آلاف سجين رأي في السعودية حيث يشيع التعذيب والإهانة والمحاكمات غير العادلة والجلد وقطع الارزاق وإسقاط الجنسية وأخذ الاقارب بجريرة المغضوب عليه.. وفي الحكم السعودي لا فوارق جوهرية بين اجهزة امنية مدنية وعسكرية، دينية ودنيوية.
حرب مستترة اخرى هي صراع اجنحتهم ومراكز قواهم وعائلاتهم على السلطة والثروة واحتلال المراكز الاولى فيها. وبما ان سلطات الملك مطلقة وبيده ان يمنح ما يشاء لمن يشاء وأن يسلب ممن يشاء ما يشاء، فإن هناك صراعاً وتنافساً وتآمراً وتقاتلاً بل حرباً للوصول او توصيل هذا الامير او ذاك الى العرش او ولايته او ولي ولايته على أقل تقدير.
نقلة حربية لآخر عنقود الملوك من الأبناء
تركنا الملك عبدالله وكان ولي عهده أخاه غير الشقيق الامير سلمان وولي ولي عهده اخاه غير الشقيق أيضا الأمير مقرن، وقبل ان تتم مراسم دفن الملك عبد الله اصدر الملك الجديد قرارات حازمة عين بموجبها محمد بن نايف ابن أخيه الشقيق الامير نايف ولياً للعهد وعين ابنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع اضافة الى منصب رئيس الديوان الملكي والحرس الملكي، وولياً لولي العهد. وأعفى خالد التويجري من منصبه كرئيس للديوان الملكي، وهو المعروف بقربه من الامير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، وقد ترفع لولاية العهد الامير محمد بن نايف لأنه مرضي عنه سديرياً وأميركياً.
في حرب اركان السلطة للاستيلاء على قمة هرمها، تستخدم كل الاساليب المتاحة. لكن ما يجعلها اقل عنفا وقتلا وسجنا وتشهيرا هو الخشية من التداعيات التي قد تؤدي بالعائلة الحاكمة برمتها الى الضعف والزوال، وأيضاً عدم إفساح المجال لتنامي ظاهرة الاستقطاب التي تجعل من الامراء المستائين بؤرة تستجمع المريدين للثورة، وقد ينجح احدهم لكن كل آل سعود سيخسرون العصمة التي لا يجب ان تكون بيد المريدين بالإطلاق وإنما بيد الملك وحده، فمن اتى بالملك الجديد قد يقيله.
شواهدنا على ذلك الخلافات شبه المعلنة التي قامت بين الملك سعود وفيصل، وما نجم عنها من ولادة ما يسمى بـ "حركة الامراء الاحرار" التي نشأت بين الامراء غير الاشقاء، طلال ومشاري وبدر وتركي وفواز، وكيف وصلت الامور بينهم وبين صاحب القرار في الرياض حتى الى سحب الجنسية منهم ومُنعوا من العودة الى المملكة، وقطعت عنهم المساعدات.. واستغرق الامر سنوات عدة حتى تم استيعابهم مجدداً ولكن بدون ان تكون لهم فرصة فعلية بالمنصب الاول، لأن السديريين قد تمكنوا منه تماماً. اغتيال الملك فيصل عام 1975 على يد ابن اخيه الامير فيصل بن مساعد شاهد آخر.
العودة المطلقة للسديريين
ملكان وخمسة امراء من ابناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، الملك فهد، الامير سلطان، الامير عبد الرحمن، الامير تركي، الامير نايف، الملك سلمان، الامير احمد، شكلوا ثقلا أساسيا في تركيبة العائلة الحاكمة. فهم اخوة اشقاء ينحدرون من أم واحدة هي الاميرة حفصة السديري، وأولادهم وأحفادهم قد تمرسوا على الانخراط في الحكم وبمختلف مستوياته. وقد كانت فترة حكم الملك فهد التي طالت لما يقارب 23 عاما، مكرسة لنفوذهم على حساب أجنحة العائلة الأخرى، ومجيء سلمان بعد ان طال انتظار الأبناء والأحفاد من السديريين لملك منهم قبل ان تتغير موازين القوى لمصلحة فريق آخر من الجيل الثاني. فوفاة الأمير سلطان وأخيه الامير نايف وهما وليَّا عهد متتاليَين في عهد الملك عبد الله الأخ غير الشقيق لهم، قد حرم السديريين من فرصة تكرار الحكم المتتالي للأشقاء السديريين. لكنهم تنفسوا الصعداء بمجيء الملك سلمان الذي حصر ولاية العهد الاولى والثانية بالسديريين بعد ان أبعد اخاه الامير مقرن ذا الأم اليمنية الأصل، بركة، وبعد ان عين ابنه الامير محمد وليِّا لولي العهد.
يُعرف عن الملك سلمان تشدده وتمسكه بإطلاقيات الحكم، وباهتمامه بالجماعات المحافظة في مؤسسات الفقه والافتاء والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعد من صقور الجيل الاول الذين يدعمون التشدد الديني ليظهر الملوك بمظهر المجاهدين المطلقين، وأدواره كانت مشهودة ايام الحرب في افغانستان. وقرار شن غارات جوية سعودية متواصلة على اليمن يشكل خروجاً على المألوف في السياسة المعلنة للمملكة، وهو ينذر بعواقب وخيمة على الاوضاع داخل وحول اليمن والسعودية معاً. فالمملكة كانت تقدم نفسها كفاعل خير ووسيط لحل إشكالات الحالة اليمنية، لكن واقع التجربة أثبت بأن تدخلات وأطماع السعودية بجارتها هو أحد أسباب مشاكل الجارة المغلوبة على امرها.
افتتاح عهد الملك سلمان بحرب على جارة شقيقة بحجة الدفاع عن شرعية حاكمها الذي فقد سلطته نتيجة الاضطرابات التي كان للمملكة يد في فشل مخرجاتها، هو تحد نوعي جديد!