لم يكن للملكة منذ قيامها عام 1934 وحتى عام 1992 أي دستور او قواعد للحكم، وكأن الامر لا يعني احدا سوى الملك عبد العزيز وأمراء الأسرة الملكية، الذين يعتبرون الحكم غنيمة، وان مجرد وضع قواعد او دستور للحكم ينتقص من اطلاقية الحاكم ويشجع الرعية على التدخل بشؤون السادة.
دستور عرفي
ولم يكن النظام الأساسي للحكم الذي أصدره الملك فهد عام 1992 انفتاحا على الرّعيّة بجعلها طرفا مشاركا في تقريرشؤون البلاد، إذ لم يتم اجراء استفتاء عام عليه. وانما هو محاولة للقفز على طلبات الإصلاح الغربية، وايضا لسد الباب امام انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية، والتغطية على واقع الحال الذي يصرخ بالاحكام المطلقة وبانعدام ادنى شروط الحريات العامة والمشاركة السياسية. وهو لم يأت بشيء جديد لان كل محتوياته الأساسية نافذة عرفيا، فاسم المملكة وعلمها وشكل التوريث بين أبناء عبد العزيز واضح، والصراع على سلطة الملك لا يحسمه دستور وانما مراكز القوى داخل الأسرة المالكة ذاتها. فحتى قانون هيئة البيعة الذي وضعه الملك عبد الله عام 2006 لم يحل عقدة التوريث السلمي بين الإخوة وأبنائهم. وعليه فان الدستور لم يأتِ ليغير شيئا من الواقع وانما ليشرعنه، بعبارات تحاول ان تقلد ما في الدساتير المألوفة دوليا. ونذكر هنا مقترح الدستور الذي تقدم به الامير طلال بن عبد العزيز عام 1960 عندما كان منضويا في حركة الامراء الاحرار المتحمسة للتيار الناصري، والذي استخدم تداوله اعلاميا وقتها لمضايقة الملك سعود من قبل ولي عهده الامير فيصل، الذي أنكر فكرة الدستور من اساسها عندما تقلد المنصب الاول بعد ان نجح في عزل اخيه الملك سعود من منصبه. نريد القول إن دستور 1960 يحتوي على بنود جدية تعتبر سابقة في وقتها، بحيث يقترح ان يشكل مجلس وطني ينتخب الشعب ثلثي اعضائه. وهو مجلس بصلاحيات محددة تشارك الملك اختصاصه، وهو يقر انشاء النقابات والهيئات المدنية المستقلة ويصرح بفصل السلطات واستقلالها، وخص منها القضائية.
قوانين تدار بحسب الرغبة
أما قانون المجالس المحلية الذي صدر عام 1977 فجمد حتى عام 2005، وهو ينص على ان يكون نصف اعضائه منتخبين والنصف الآخر معينين من قبل وزارة البلديات، والاّ تشارك المرأة في الانتخاب او الترشيح وكذلك موظفو القطاع العسكري. اما حالة مجلس الشورى الذي يفترض بانه كان قد تشكل منذ ايام الملك المؤسس عام 1927، وانه كان يحتوي على عنصر نسوي منذ ذلك الوقت، فهو يلغى ويجمد أحيانا، وأحيانا يفعل بحسب الحاجة الاعلامية، وغالبا ما يكون اعضاؤه من موظفي السلطة وشيوخ وعلماء الوهابية وبعض المختصين والوجهاء، لا صلاحيات حقيقية له وهو يبقى احدى الدوائر التي يعينها الملك ويستطيع بجرة قلم إلغائها أو تجميدها. عدد اعضاء المجلس ارتفع في الفترة الاخيرة ليصل الى 120 عضوا تجدد عضوية نصف العدد لدورتين او اكثر وهكذا!
9 أبواب
آل سعود يملكون الأرض وما عليها وما تحتها، وهم مقدسون ما دام المرجع الوهابي يقر ما هم عليه. ويحتوي النظام الأساسي السعودي، الذي هو دستور المملكة، على تسعة أبواب تتخللها 83 مادة. تقول المادة 6 من باب نظام الحكم ما يلي: "يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره". بمعنى انه ليس للمواطن حق في مساءلة الملك وانما عليه ان يحلف على كتاب الله بأنه يسمع ويطيع فقط. في الباب الخامس، الحقوق والواجبات، المادة 26 يرد ما يلي: "تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية". فهل حق اختيار الحاكم واختيار النائب وحق مشاركة المواطنين بالقرار هو حق للإنسان لا يتماشى مع الشريعة الإسلامية؟ في الباب السادس، سلطات الدولة، تنص المادة 44 على: "تتكون السلطات في الدولة من السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والسلطة التنظيمية، وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وفقا لهذا النظام وغيره من الانظمة، والملك هو مرجع هذه السلطات". وكما هو معروف في فلسفات الحكم الحديثة، وفي كل دول العالم والانظمة السياسية الرشيدة، بان هناك ثلاث سلطات تتمحور فيها آليات الحكم تصاعديا من القاعدة الى القمة. فالقاعدة العريضة هم المواطنون الذين ينتخبون ممثلين لهم في السلطة التشريعية والذين بدورهم يمنحون الثقة لمجلس الوزراء الجديد الذي يشكل رأس السلطة التنفيذية، اما القضاء فهو سلطة مهنية مستقلة لا يتدخل بقراراتها أحد، وكل تدرجاتها واجراءاتها منظمة بقوانين دقيقة حتى في ما يخص الصلاحيات التي تتكامل ولا تتعارض.
والأبعد من هذا أن هناك سلطة رابعة هي سلطة الإعلام الحر، سلطة الرأي العام التي تساهم بالرقابة والمحاسبة ولفت النظر والنقد والتقييم، وقد تصاعد دورها مع تعاظم دور ثورة وسائل الاتصال الرقمية الحديثة. نحن لا نناقش الآن موضوعة السلطة الرابعة في السعودية لأن جوهرها غير متوفر، ألا وهو حرية الصحافة والإعلام، ولكننا نتحدث عن السلطات التقليدية الثلاث. فمن خلال قراءة كل أبواب ومواد الدستور السعودي ومطالعة ما يصدر عن القائمين عليه، يتبين بأن الملك وحده أو من ينوب عنه يجمع جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالقضاء ومجلسه الأعلى يعين بأمر ملكي ويمكن حله او إلغاء قراراته اذا وجد الملك ضرورة لذلك، اما السلطة التنفيذية فالملك لا غير، هو رئيس للوزراء، وبالتالي له ان يعين او يقيل من يشاء. اللافت هنا ان الدستور يسمي السلطة التشريعية بالسلطة التنظيمية، وهي من اختصاص الملك مستعينا ببعض المستشارين. السلطة التنظيمية عبارة غامضة وملتبسة، ربما ارادها صاحبها للتغطية على حقيقة كون الملك هو المشرع الأوحد أو لتلافي أي اختلاف مع المؤسسة الدينية التي قد تقول ان لا مشرع الا الله، وان دور الملك هنا أن يكون خليفته بالتشريع.
في الباب التاسع ، أحكام عامة. تنص المادة 83 على ما يلي: "لا يجري تعديل هذا النظام الا بالطريقة نفسها التي تم فيها إصداره". بمعنى حصر مهمة اي تغيير دستوري او إلغاء وجوده او تعطيل العمل به بالملك دون سواه، ومن دون الرجوع للشعب او حتى لمجلس الشورى او مجلس الوزراء، على الرغم ان جميع هذه الهيئات معينة من الملك نفسه!
الدساتير في حقيقتها هي عقود متفق عليها بين الدولة والمجتمع، أي أنها مفترض أن تكون شريعة للمتعاقدين. لذلك لا توضع الدساتير الا من قبل مجالس منتخبة وتطرح للاستفتاء الشعبي العام. ولا يجب ان تمثل مفرداتها ارادة طرف على حساب آخر. لكن دستور المملكة او نظامها الاساسي لا يشذ عن أركان النظام السعودي الأخرى كمجالس الشورى والمجالس البلدية التي لم ينتخبها احد ولم يستشرها احد.