السعودية: أيكون سابعهم آخر الملوك غير الدستوريين؟

الصدفة وحدها لا أسرار الرقم سبعة، هي ما سيجعل تسلسل الملك السعودي السابع حدا فاصلا بين جيلين من الملوك: جيل الأخوة، وجيل أولادهم. كما هي الصدفة وحدها التي جعلت عدد أبناء السيدة حصة السديري الذكور سبعة، كما هو حال عدد من أنجبتهم من البنات أيضا، على اعتبار أن الملك السادس، عبد الله بن عبد العزيز يبلغ من العمر 90 عاماً، والحالة الصحية لولي عهده الأمير سلمان (77 عاما) هي الأخرى ليست على ما
2014-05-21

جمال محمد تقي

باحث من العراق مختصّ بشؤون الخليج العربي


شارك

الصدفة وحدها لا أسرار الرقم سبعة، هي ما سيجعل تسلسل الملك السعودي السابع حدا فاصلا بين جيلين من الملوك: جيل الأخوة، وجيل أولادهم. كما هي الصدفة وحدها التي جعلت عدد أبناء السيدة حصة السديري الذكور سبعة، كما هو حال عدد من أنجبتهم من البنات أيضا، على اعتبار أن الملك السادس، عبد الله بن عبد العزيز يبلغ من العمر 90 عاماً، والحالة الصحية لولي عهده الأمير سلمان (77 عاما) هي الأخرى ليست على ما يرام، ومن المرجح ألا يجد مجالا لشغل كرسي المملكة وصياغة نهج خاص به لسيرها اللاحق، بالرغم من مكانته وأهميته الاستثنائية، كونه عمل حتى قبل ولايته للعهد كأمين سر العائلة الحاكمة، ورئيس مجلسها، وهو المستشار الشخصي المتواتر لملوك المملكة، وفوق ذلك كله انحداره من سلالة حَصة السديري، وبالتالي فهو احد أعضاء مجموعة السديريين السبعة الذين كانوا هم وأبناؤهم أصحاب الثقل الغالب في الدولة خلال العقود الأربعة الأخيرة.

خصوصية الملك عبد الله

يبدو أن القدر منح ولاية الملك عبد الله التي ابتدأت العام 2005 خصوصية. فقد أتيح للرجل ما لم يتح لأسلافه من الملوك الخمسة، بمن فيهم أبوه عبد العزيز آل سعود الملك المؤسس، إضافة لإخوته الملوك غير الأشقاء، سعود وفيصل وخالد وفهد. فهو الأطول عمرا بينهم وبالتالي الأكثر احتكاكا بشؤون السلطة والحكم، حيث عينه الملك فيصل منذ العام 1964 رئيسا للحرس الوطني وبقي في المنصب حتى بعد توليه المُلك، ولم يتركه إلا ليتولاه ابنه متعب الذي يريده أن يكون احد المرشحين الأقوياء لتولي حكم المملكة من بين أمراء الجيل الثاني.
ابتداءً، لم يكن ترشيح الملك عبد الله لولاية العهد ممكنا، إذ لم يكن السديريون يقبلون أن يفلت المُلك من قبضتهم، لولا القاعدة المادية والمعنوية القوية التي كونها الرجل لنفسه أثناء فترة قيادته لجهاز الحرس الوطني، ولولا التأييد القبلي الذي حظي به من أخواله في قبيلة شمر، لأن والدته الأميرة فهدة تنحدر من أعيان شيوخها آل رشيد، زعماء إمارة حائل التي غدر بها عبد العزيز آل سعود في بداية التدشين السعودي وبدعم بريطاني يراد منه كنس أي نفوذ آخر، بما فيه ذاك العثماني، ينافسهم على التحكم بمصير المنطقة برمتها. بمعنى أن الملك عبد الله هو الأكثر تمرسا بشروط لعبة الحكم والأشد إدراكا لها، وبالتالي الأكثر تحوطا من غدر الأخوة غير الأشقاء، الذي يضاهي بقسوته أحيانا غدر الأعداء. فالسلطة بكل هليمانها وتملكها الحصري في عمود نسل الحاكم، هي الشغل الشاغل لكل من تربع على قصور المملكة ودواوينها في الرياض وأقرانها من مناطق المملكة، ومن ثَم تأتي مشاغل الرعية وكيفية خصي تطلعاتها المناوئة، بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى. كل هذا بالتوازي مع الاستعداد الكلي للتخادم مع مصالح الدول الكبرى، والاستعانة بها حفاظاً على سلطانهم، حتى لو كان الثمن رهن الأرض وما فوقها وتحتها.
المناصب المهمة، وبالأخص العسكرية والأمنية، تتيح لأمرائها جمع الثروات الطائلة من صفقات التسليح والتجهيز وما تدره من ريع، وما تتيحه من سهولة استقطاب المريدين وتكوين مراكز القوى الضاغطة لانتزاع المزيد، وبالتالي تخليد مصادر تلك المناصب والمكاسب وتوريثها للأبناء والأحفاد... لم يقم الملك فهد بإصدار قرار تعيين عبد الله وليا لعهده راضيا مرضيا، لكنه لم يجد بداً من ذلك، وعلى علمه وقتها بأن أشقاءه سلطان ونايف وسلمان سيتلقفونها من بعده، وسيعيدونها مجددا صافية لأحفاد السديريين. لكن سلطان ونايف فارقا الحياة، ولم يبق إذًا من السديريين الأوائل إلا سلمان، ولي العهد.

النَسَب بحسب الأمهات!

الفرصة سانحة حاليا للملك عبد الله لتمهيد الطريق أمام مراكز قوى جديدة تكون صمام أمانه لإنهاء سطوة الجيل الأول من السديريين وقطع الطريق أمام جيلهم الثاني، واستبدالها بسطوة المتفرقين من أبناء الأميرة فهدة الرشيد الشمرية والأميرة بركة اليمنية والدة الأمير مقرن، الذي عينه الملك عبد الله وليا لولي العهد الامير سلمان، ليقطع عليه طريق أي محاولة يتبناها بدفع من أمراء الجيل الثاني من السديريين، إذ يُتوقع أن يُحثّ على تعيين أخيه الشقيق الأصغر الأمير أحمد، وهو آخر المتبقين من السديريين الأوائل. وليس غريباً على الملك عبد لله أن يفتح الطريق أمام أبناء الأميرة منيرة ذات الأصل الأرمني، والتي ينحدر منها الأمير طلال بن عبد العزيز والد الامير الملياردير الوليد بن طلال.

أهداف متعددة للتعديلات الجارية

يعتبر تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا لعهد ولي العهد الحالي، قراراً غير مسبوق، وهو من زاوية أخرى خرقا لنظام البيعة الذي أصدره الملك عبد الله في بداية حكمه، والذي تنص بنوده على أن للملك الجديد وحده الحق بتعيين ولي العهد بعد التصويت عليه في هيئة البيعة التي تجمع كل أبناء عبد العزيز أو من ينوب عنهم من ابنائهم والبالغ عددهم 34 أميرا. لكن الملك عبد الله استبق الموقف، لأنه أشار في هامش قراره الملكي الخاص بهيئة البيعة، على أن نظامها هذا ينفذ بعد عهد الملك الحالي وولي عهده. وبالرغم من ذلك، فان قرار تعيين مقرن قد حاز على موافقة ثلاثة أرباع أعضاء الهيئة، وبالتالي فسيعمل الملك على إضعاف نفوذ من لم يتوافق مع ما يرمي إليه. وهذا ما تحقق فعلا من خلال حركة التغييرات الجديدة في الوظائف والمناصب الهامة، وهي لا تثير الشبهات بحكم كونها متزامنة مع نظام الاستبدال الوظيفي المتبع في السعودية كل أربع سنوات.
وقد حاول الملك إعطاء صبغة إصلاحية للتغييرات الوظيفية الجديدة ليضرب بذلك عصافير عدة بحجر واحد. فمن ناحية يعيد ترتيب الأوراق التي بعثرتها موجة الغضب الشعبي في المملكة ازاء سياسة كتم الأنفاس المتفاقمة، والتي عززتها التحركات الشعبية في معظم دول الإقليم، وأيضا تزايد معدلات البطالة الفعلية التي تقدر بأكثر من 45 في المئة، محسوبا ضمنها القادرات على العمل من النساء وتحديدا المتخرجات، وغياب التنمية الحقيقية التي تعود على المواطنين بالرقي مع فشل أغلب المعالجات كما هو الحال مع برنامج السعودة.
ويبدو أن قرار الأمير متعب وزير الحرس الوطني بقبول تجنيد المتطوعات في صفوف الحرس خطوة لمعالجة بعض الفشل في بلاد تتعدى صادراتها النفطية العشرة ملايين برميل يوميا. وهي تضخِّم المفارقات، فملك البلاد يتصرف على انه مالكها، ويكفي أن تكون ثروته الشخصية تقارب 18 مليار دولار، وهو غيض من فيض ما خفي بين دهاليز غابة من الأمراء لا يقل عددهم عن 7000 أمير.
الظهور بمظهر التماسك والتجدد أمام تحديات الفشل في المواقف الإقليمية والدولية، كالانشقاق في المواقف الخليجية، والتورط في الحرب السورية، والفشل في صياغة تناغم مع المواقف الأميركية إزاء إيران، وما يبدو من تخلي السعودية حتى شكليا عن موضوعة الصراع العربي الإسرائيلي لتصبح سياستها عموما تدور حول الترويج لصراع بديل هو الصراع الإيراني العربي.
لقد عين الملك عبد الله المهنيين والأكاديميين على رأس بعض الوزارات والمؤسسات، وعين لأول مرة امرأة بمنصب نائب وزير، وعين بعض المعتدلين على رأس هيئة القضاء الأعلى وهيئة الأمر بالمعروف، وعين أحد المسلكيين من خارج الأسرة الحاكمة رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة بديلا من الأمير بندر بن سلطان، وهو في الوقت نفسه عزز من نفوذ أولاده الأمراء: متعب كقائد عام لقوات الحرس الوطني، ومشعل أميرا لمنطقة مكة المكرمة، وعبد العزيز نائبا لوزير الخارجية، وفيصل مستشارا في القصر الملكي.

ملكية دستورية؟

نرجع للسؤال الذي حمله العنوان: أيكون الملك مقرن بن عبد العزيز آخر الملوك غير الدستوريين في المملكة؟ لاسيما أن هذا الطرح الإصلاحي يبدو راديكاليا بالنسبة للمتشددين من الأمراء، وواقعياً بالنسبة لغيرهم ومنهم الأمير طلال بن عبد العزيز الذي طالب علنا بإعادة مأسسة الدولة على أسس دستورية يخضع لمنطوقها كل ملوك وأمراء الأسرة الحاكمة، بحيث تنتهي معها معالم الحكم المطلق وتنتقل صلاحيات الإدارة العامة إلى حكومة منتخبة بصلاحيات معقولة ومقبولة شرعا ودستورا، على اعتبار أن العالم يتغير، وحاجة أميركا للنفط السعودي تنحدر مع صعود البدائل والاكتفاء الذاتي، وهي قد لا تمانع في التغيير، وقد لا يعوَّل عليها في توفير حماية للقائم مهما كان الثمن...

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

التعليم الديني في السعودية

تيّاران متصارعان في السعودية: واحد  متمسك بطغيان التعليم الديني على حساب كل المواد الأخرى، وثان يلتف على الأول بافتتاح مدارس وجامعات أهلية، التعليم فيها عادي. والنتيجة فشل نوعي وكمي.