لن يضير الفلسطينيون – وهم في ما هم فيه - أن يقايض ترامب اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل استعادة الرباط لعلاقاتها بتل أبيب، ويصرخ فرحاً بالانجاز. للمغرب علاقات قديمة مع إسرائيل كانت قد جمدت بشكل ما في 2002. وقد حرص ملك المغرب على الاتصال برئيس السلطة الفلسطينية للطمأنة وتجديد الالتزامات، وهو موقف يحتسب وإن كانت قيمته شكلية.. بعكس ما ترتكبه الامارات التي حارت في ما يمكن أن تقدّمه، فاعوج لسان مسئوليها وصارت تسمّي الضفة الغربية "يهودا والسامرة" كما يفعل غلاة الصهاينة، وقررت ان تستقبل منتجات المستوطنات، التي يعتبر الاتحاد الاوروبي نفسه أنها غير شرعية، ويضع على استيرادها شروطاً ويجيز الحملات الجارية لمقاطعتها.
ولكن وبالمقابل، فمسألة الصحراء الغربية في غاية الحساسية، فهي عنوان لصراعات قديمة على الأرض، مسلحة أحياناً، ولخلافات - قديمة كذلك - بين القوى السياسية المغربية نفسها، كما هي ورقة يوظفها الجيران، وتتدخل تحديداً في علاقة الجزائر واسبانيا بالمغرب. وخطوة ترامب تلك، على ما فيها من استعراضية، ومن تجديد لالتزامه بخدمة اسرائيل أولاً وقبل كل شيء، ستؤجج تلك الوضعية الخطرة، في منطقة مشتعلة أصلاً، من المحيط الى الخليج.
ثم أن الوزارة هي برئاسة سعد الدين العثماني، ممثلاً ل"حزب العدالة والتنمية"، وهو تنظيم الاخوان المسلمين في المغرب. وقبله كان رئيسها عبد الاله بن كيران، أمين عام هذا الحزب الذي فاز في الانتخابات النيابية في 2011. ومهما كانت الوزارة ورئاستها ثانويين بوجه سلطة الملك، فهذا لا يعفي من المسئولية.. ومن المساءلة.
هو إذاً الابتذال، وسيده ترامب الذي لا يداري فيه ولا يخجل، بل يوظفه في استقطاب جمهور كبير داخل بلاده يروق له ذلك الاسلوب، ولا تصدمه مواقف الرجل، الدولية خصوصاً، التي لا يكترث بها. فما يعنيه هو الانحياز الى أسوأ ما يحويه المجتمع الامريكي من خصال: العنصرية وتمجيد السلاح والانتفاخ الفارغ الذي لن يغير صخبه شيئا بإزاء وقائع التراجع الامريكي المتواصل في كل الميادين.
****
وأما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فلم تمنعه الاناقة الفرنسية عموماً، وحرصه الشخصي على الانتماء الى "الثقافة"، كحاجة وهوىً، (وهي خصال لا يدّعيها ترامب بل يسخر منها ويجاهر بنقائضها)، من ارتكاب استقبال للسيسي لم يكن ليحلم به. هنا استُغلت بطريقة فجة ميول الرجل الى التعظيم والتفخيم، فرافقت سيارته الى قصر الاليزيه واحاطت بها، فرقة من خيالة الحرس الجمهوري ، قوامها.. 140 حصاناً! وفُرش له السجاد الاحمر عند الوصول الى المطار والمغادرة، ومُنح أعلى وسام فرنسي. ولم ينته الأمر عند هذا الحد من "الارضاء"، بل شكره ماكرون على مساعدته له. متى؟ حين سادت موجة من الانتقادات الحادة لانفلات اسلاموفوبيا فرنسية رسمية، كانت وما زالت مؤذية لفرنسا قبل سواها.
جوليو ريجيني: تصفية مكلفة للغاية!
11-06-2020
وصفت مصر ب"أكبر بلد عربي" وهذا يبرر سائر الاشياء، وهي زبون فرنسا الأول في مشتريات السلاح (الذي تدفع ثمنه السعودية) - رشوة صريحة - وكذلك تعقد القاهرة صفقات اقتصادية متنوعة مع باريس، ربما كان آخرها الاتفاق على انشاء خط مترو انفاق رابع في القاهرة، بعدما استفادت باريس من انشائها لهذا المترو الذي شابت عقوده كل انواع الفساد الذي يمكن تخيله، وكذلك استفادت في العام الفائت من تكليفها بتشغيل الخط الثالث من هذا المترو وصيانته لمدة 15 عاما لقاء مليار وبضع مئات من ملايين اليورو.
احيطت هذه الزيارة في كل محطاتها بتدابير من الكتمان الشديد، وكأنها فعل معيبٌ، واستبعدت بشكل قاطع الصحافة، حتى لا تُطرح أسئلة مزعجة على الضيف الملطخ بدماء أبناء شعبه. قال ماكرون في زيارة سابقة للسيسي الى باريس عام 2017، أنه ليس بصدد اعطاء دروس في الديمقراطية لمصر، وقال اليوم انه تحادث مع نظيره المصري كما يفعل الاصدقاء وبكل ود. مبارك لهما!