مصائر مهاجرين عرب في كندا

كان أيمن خبيراً في المعلوماتية، أما اليوم فأصبح وكيل عقارات. كان علي مصمِّماً هندسياً، لكنه اليوم يعمل في غسيل السيارات. كان جمال يدرّس الرياضيات، إلا أنه يعمل حالياً في مركز للاتصالات الهاتفية. الياس مهندس مدني بات يعمل في الورش. هؤلاء من الجزائر والمغرب وتونس، ويعيشون في مونريال منذ حوالى 15 عاماً. لدى كل منهم عائلة ومنزل وسيارة. مع ذلك، هل يشعرون أنهم كنديون أو كيبيكيون؟ ليس فعلاً.
2013-05-15

مروان أندلسي

صحافي جزائري مقيم في كندا


شارك

كان أيمن خبيراً في المعلوماتية، أما اليوم فأصبح وكيل عقارات. كان علي مصمِّماً هندسياً، لكنه اليوم يعمل في غسيل السيارات. كان جمال يدرّس الرياضيات، إلا أنه يعمل حالياً في مركز للاتصالات الهاتفية. الياس مهندس مدني بات يعمل في الورش. هؤلاء من الجزائر والمغرب وتونس، ويعيشون في مونريال منذ حوالى 15 عاماً. لدى كل منهم عائلة ومنزل وسيارة. مع ذلك، هل يشعرون أنهم كنديون أو كيبيكيون؟ ليس فعلاً. ذلك أنه مع مرور الزمن، وُلد لدى هؤلاء شعور بالاستياء. فهم كانوا يأملون بتغيير نمط حياتهم وأوضاعهم، فوجدوا أنه لا يُنْظَر إليهم إلا على اعتبارهم مجرّد يد عاملة ودافعي ضرائب، وخصوصاً مولّدي أجيال مستقبلية من المواطنين ــ العمّال. ومن المزعج أن يشعر المرء أنه وقع في فخّ رأسمالية ناعمة توفّر راحة ماديةً نسبية، لكنها في المقابل تحول دون تحقُّق التطوّر الاجتماعي والثقافي أو السياسي. إلا انّ هناك في كندا نائبين أو ثلاثة من أصول عربية، وكذلك كوادر مهنية في مؤسسات، وبعض الصحافيين، حتى معلِّق اجتماعي كوميدي. "إنهم صنيعة الخطاب الرسمي لاندماج المهاجرين"، بحسب الياس. بالنسبة إليه، فإنّ هؤلاء لا يمثّلون الواقع الاجتماعي للمهاجرين العرب. أما جمال الخائب بفعل وضعيته الجديدة كما وضعية الكثير من أبناء وطنه، فهو يصنّف هذا الوضع في خانة "التبذير". ويقول جمال معترضاً: "لا أفهم هذا البلد ومؤسّساته. إنهم يستقبلون رجالاً ونساءً من حمَلَة الشهادات ومن أصحاب الخبرة الواسعة في مهنهم، ممَن لم يتكلّفوا على علمهم وعلى خبرتهم فلساً واحداً. وفي المقابل، فإن هذا البلد ومؤسساته لا يستفيدون من هؤلاء المهاجرين". جميع هؤلاء الوافدين من المغرب العربي مقتنعون بأنهم لن يتمكنوا أبداً من التخلُّص من وضعيتهم كمهاجرين. يروي علي انه في أحد الأيام، وخلال مشاجرة بسبب ازدحام مروري، عامله مواطن كيبيكيّ كـ"مستورَد"، وهي عبارة مهينة، لها وقع الشتيمة. شعر علي وكأنه سلعة مستوردة مخصَّصة للاستهلاك. النظرة المحيّرة تجاه المهاجرين العرب، التي تشكّك بهم بوضوح أحياناً، تبقى دائمة. يستذكر أيمن بشكل دائم نقاشات دارت بينه وبين زملاء قدامى. فحين كانوا يتطرّقون إلى أي موضوع، كان هناك سؤال يتكرر بشكل منهجي: "وأنتم، ما رأيكم بالموضوع؟". لم يكن المقصود باستخدام صيغة المخاطَب بالجمع إضافة الاحترام إلى شخص أيمن، بل كان المقصود بـ"أنتم" معرفة موقف العرب من الموضوع المطروح. ويوضح أيمن أنه "بعدما فكرتُ مطولاً بهذا السؤال، فهمتُ المسألة أخيراً. إنهم ينظرون إلينا جميعنا (العرب) ككتلة تفكر وتتصرف بالطريقة نفسها". ويضيف ساخراً: "لا ينظرون إليّ على اعتبار أنني فرد، بل كممثل عن قبيلة غريبة".

"لا هنا ولا هناك"

على الرغم من المسافة البعيدة والحياة الجديدة، فإنّ الرابط بين هؤلاء المواطنين المهاجرين وبلدهم الأم يبقى قوياً. فبفضل وسائل التواصل الحديثة، يبقى الاتصال مع أفراد العائلة والأصدقاء ثابتاً. ويقول هؤلاء المهاجرون إنّهم يستعلمون حول كل ما يجري في بلدهم الأصلي. بعضهم يتابع حتى البرامج التلفزيونية التي تعرضها شاشات بلادهم. وهم على دراية بكل شيء، حتى بأسعار المواد الغذائية هناك. الياس، وهو جزائري يهوى كرة القدم، يتابع دوري الكرة في بلاده، وتنتابه العصبية أحياناً إزاء سوء أداء الفريق الذي يشجّعه منذ طفولته. وغالباً ما يكرر الياس عبارته المفضلة عندما يتحدث عن بلاده: "الجزائر ليس بلداً، إنه مرض لا شفاء منه". أما علي، فهو يصف وضعيته كمهاجر على شكل مزحة: "في النهاية، لستُ هنا وهناك، أو بالأحرى لستُ هنا ولا هناك". عندما اندلعت الانتفاضات العربية، أعادت نفحة الأمل أحياء أيمن وعلي والياس وجمال. لم يعرفوا النوم وهم يتابعون تطور الأحداث مباشرةً على الهواء، وكانوا يتبادلون الاتصالات الهاتفية مرات عدة يومياً لمعرفة التطورات. كانت حالة غليان دامت أشهراً عدة.
ويتذكر علي انه "للمرة الأولى، كانت النظرة إلينا مختلفة". ووفق تحليل أيمن، "أعطت المجتمعات العربية صورة مختلفة عنّا من خلال انتفاضتها على أنظمة فاسدة". أما جمال، المواطن التونسي المهاجر إلى كندا، فيشير إلى أنه كان يشعر بالفخر من "الشعب" بعد سقوط زين العابدين بن علي. ويقول إن "التونسيين كوّنوا عن أنفسهم صورة شعب صاحب كرامة وشجاعة، وهذا لا يُقدَّر بثمن. ومن دون أن يدركوا، أعاد التونسيون تأهيلي بنظر الكيبيكيين".
ويشرح أيمن أن الثورات العربية "أعطتنا الحق بأن نكون جزءاً من العالم". وفي الوقت نفسه، كان هناك شعور عميق بالمرارة لدى أيمن. كان يرغب بأن يكون هناك في بلاده ليشارك بهذا المنعطف التاريخي، وهو الذي كان ينتظر هذا الحدث منذ سنوات. وقد راودت جمال فكرة العودة إلى الوطن. ويقول إنه "في مشاهدتي الدينامية التي تتكوّن هناك، كنتُ أقول لنفسي إنه لم يعد لدي حجّة للعيش في الخارج". وكأنّ حجّة ضرورة العيش في المنفى قد انهارت. لكن هذا الزخم تحطّم بفعل الأزمة السورية التي برّدت الحماس لدى كثيرين. فقد أفسحت حماسة الأشهر الأولى للانتفاضات المكان أمام الشكّ. ويلفت علي إلى أن تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا حوّر الانتفاضة عن سكّتها، و"الصراع في سوريا كسر الأمل بإمكان حصول تغيير سلمي". ويوضح جمال أنّ شعوره تجاه بلده تغيّر منذ اندلاع هذه الانتفاضات. ويقول في هذا الصدد: "قبل هذه الأحداث، كلّ ما كنتُ أفعله هو انتقاد النظام والمجتمع الجزائريين. أما اليوم، فأنا أشعر بالقلق. لقد انتقلتُ من حالة القرف إلى القلق العميق".

 

مقالات من كندا

العمامة وكرة القدم والفساد

مرة جديدة، تهتزّ ولاية كيبيك الكندية بسجال حول الملابس الدينية. سجال حرّكته قصة شاب من الهنود السيخ، يلعب كرة القدم في أحد النوادي الرياضية. وشاءت الصدفة أنّ الفتى يرتدي العمامة...

للكاتب نفسه

هل تعرفون رينيه فوتييه؟ السينمائي الفرنسي الذي قاتل لتحرير الجزائر

توفي في الخامس من شهر كانون الثاني/يناير  السينمائي والمناضل الفرنسي رونيه فوتييه.  الرجل الذي حورب بل سجن في حياته وتعرّض للرقابة والمنع، انتزع الاعتراف بقيمته مع وفاته، فاذ بالصحف الفرنسية تتسابق...

العمامة وكرة القدم والفساد

مرة جديدة، تهتزّ ولاية كيبيك الكندية بسجال حول الملابس الدينية. سجال حرّكته قصة شاب من الهنود السيخ، يلعب كرة القدم في أحد النوادي الرياضية. وشاءت الصدفة أنّ الفتى يرتدي العمامة...