بكلمات قليلة: اللقاح المضاد لكورونا وفقراء العالم وعبث الإنسان

ألم تكن طبيعة المرض، باعتباره صُنّف كـ "جائحة"، تفترض أن تتشكل هيئة دولية سيادية عليا تشرف على إنتاج اللقاح وتوزيعه (مجاناً!)، فيكون البشر متساوين بإزائه؟
2020-11-12

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
علي طالب - العراق

الإعلان عن اكتشاف لقاح يمكنه أن يقيَ من فيروس كورونا، أو يعالجه، مصدرُ فرح أكيد. بقيت تجارب قليلة لاجتياز اللقاح الامتحان النهائي. وهناك في "السباق" لقاحات سوى هذا الذي تعمل عليه، وتنتجه بشكل مشترك شركة فايزر الأمريكية، وشركة بيونتيك الألمانية... وقد نكون قريباً أمام عشرات اللقاحات من جنسيات مختلفة، تتنافس على الأسواق.

أول الملاحظات تخص السباق نفسه، والتنافس. صحيح أن العائد المالي لمثل هذه الاكتشافات هائلٌ، كما أن الأبحاث والتجارب لا بد أنها هائلة الكلفة، ولكن كان يفترض أن تدفع جائحة كورونا - التي أصابت البشر كلهم في الكرة الأرضية التي نعيش عليها بشكل مشترك (ولا يبدو أننا نعقل ذلك)، وأسقطت ملايين الضحايا من كل القارات، ومن كل الشروط الاجتماعية، ومن كل الأعراق، وما زالت نشطة - كان يفترض أن تكون قد "غيّرت" شيئاً في العقلية السائدة. كأن يحدث تنسيق وتعاون دولي بدل السباق والتنافس، مما كان من شأنه توفير وقت ثمين وتكاليفَ ثمينة. وكان من شأنه أن يرسل إلى العالم إشارة قوية عن درس تعلمناه، يتعلق بتغليب التضامن إزاء الكارثة. ولكن لا! لم يحدث. ومن غير المفهوم كيف يمكن أن تتعايش قيم متناقضة تحت سقف واحد؟ فلماذا يُطلب من الطاقم الطبي مثلاً أن يتفانى في قتال المرض وفي خدمة المرضى، وهو طلب يستند إلى الإعلاء من شأن طبيعة ووظيفة الطبيب والممرض والمسعف، وهم بشر في نهاية المطاف وليسوا أنصاف آلهة، ولا يطبّق المعيار نفسه على المؤسسات البحثية التي تسعى للوصول إلى العلاج وتحظى بدعم السلطات، حين تكون خاصة. هذه تجارة والطب إنسانيٌّ؟ هراء!

مقالات ذات صلة

ثم لا يمكن لمختبر لوحده أو حتى لعدة مختبرات، مهما بلغت من القوة والفعالية، أن تغطي حاجات أكثر من 7 مليار إنسان، ولا حتى نصفهم أو ثلثهم، على فرض عدم حاجة الأطفال والأولاد وحتى الشباب للقاح. يجري كلام عن عدة ملايين من عبوات العقار ستُوفر. لمن؟ وأين؟ وماذا عن الآخرين؟ ومتى؟ ألم تكن طبيعة المرض، باعتباره صُنّف كـ "جائحة" تفترض أن تتشكل هيئة دولية سيادية عليا تشرف على إنتاج اللقاح وتوزيعه (مجاناً!)، فيكون البشر متساوين بإزائه؟

... ولا سيما أن ما يقال عن سمات اللقاح المكتشف تُظهر أنه يحتاج إلى معاملة خاصة ليُحفظ أولاً (بدرجة حرارة 70 تحت الصفر) وليتم إعطاؤه للناس (في أماكن غير عادية بالتأكيد، وبواقع جرعتين وفحوصات بينهما)، وهذه شروط لن تتوفر حتى في البلدان الغنية إلا لقلة قليلة. وأما تلقيحهم فسيكون غير مجدٍ لحمايتهم لو بقيت الكتلة الأساسية في مجتمعاتهم كما في العالم بلا لقاح! فشرط الفعالية هنا هو تغطية ما لا يقل عن 60 في المئة من البشر.

وبهذه المناسبة، فثمة ظاهرة غريبة تجري اليوم. فبعد كل ما تسبب به انتشار المرض من رعب بين الناس، ومن تساؤلات فلسفية وسياسية وعلمية، ذهب بعضها إلى أكثر نظريات المؤامرة غرابة، ولكن معظمها بدا مدركاً للآثار الخطيرة لعبث الإنسان بالطبيعة والحياة، يبدو هذا النقاش وكأنه انطفأ. هل يذكر الناس كيف استعادت الطبيعة حقوقها حين انكفأ الناس في بيوتهم، وخفّت أو انعدمت حركة السيارات والقطارات والطائرات؟ الدلافين وحيوانات الغابات القريبة.. فما بال البشر اليوم يتعاملون مع المرض من خلال آخر حلقاته، ويجهدون لإيجاد علاج مباشر وليس لعلاج الأسباب؟

إليكم مثالاً أثير مؤخراً، وهو واحد من بين آلاف سواه بلا أدنى شك: في الدانمارك، البلد الزراعي والصناعي المزدهر والمتقدم، يقيمون مزارعَ هائلة لإنتاج حيوان "المنك" أو "الفيزون" للاتجار بفرائه ، بينما صار بالإمكان إنتاج فروٍ اصطناعي جميل ودافئ.. أصيب الحيوان – البري بالأصل - بالكورونا بل وأنتج تعديلاً على المرض، ونقل العدوى للناس الذين يعملون في هذه المزارع. سيتم إعدام 18 مليون حيوان، ولكن ما العمل مع المصابين بهذه الصيغة الجديدة والخطيرة من الكورونا، التي تهدد بالانتشار، وبتعطيل فعالية أي علاج؟ وإلى متى سيستمر الإنسان بالتصرف وكأنه سيد الطبيعة المطلق والوحيد، ويمكنه أن يرتكب ما يحلو له سعياً للربح؟ وما الذي سنفعله لو صحت تنبؤات العلماء من أننا وصلنا إلى درجة من العبث ستتسبب بجائحات وبائية قاتلة كل عشر سنوات، هذا عدا المشكلات المناخية المطروحة بحدة، والتي تهدد الحياة نفسها على الأرض بالفناء. فما بال الدانمارك، البلد بالغُ الثراء، والذي يقطنه أقل من ستة ملايين إنسان، والموصوف بأنه المكان الأسعد على الأرض..

مقالات من العالم

جوليان أسانج حرّ

2024-06-27

فعل أسانج المحظور الأكبر في هذا العالم. كشف اللثام عن أكبر أكاذيب العالم وأكثر أساليب الدول وحشية، وفضح تلك البرودة الفظيعة التي يتمتع بها الجميع خلف الكواليس، وتلك السهولة الرهيبة...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...